أدى دونالد جون ترامب، أمس، اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة، متعهداً في كلمته الرئاسية الأولى أن تكون رؤية عهده «أميركا فقط أولاً» في كل المجالات، وأن «كل شيء سيتغير منذ الآن». وأخذ ترامب على عاتقه «توحيد العالم المتحضر في وجه الإرهاب الإسلامي الراديكالي الذي سنمحوه تماماً عن وجه الأرض». 

وأكد الرئيس الاميركي، في خطاب تنصيبه، أنه سوف يقوم بإنهاء «مجزرة» المصانع الصدئة وكذلك الجريمة في خطاب تنصيبه الذي رسم صورة قاتمة لبلد قال إنه تضرر بشدة من جراء توقف مصانع عن العمل والجريمة والعصابات والمخدرات، وألقى باللوم بشكل غير مباشر على أسلافه في البيت الأبيض بسبب سياسات أتت على حساب الأسر المطحونة.

وقال ترامب مخاطباً حشداً كبيراً تجمع في ساحة متنزه «ناشونال مول» مع توليه السلطة من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، «بدءاً من هذا اليوم سيكون الشعار الوحيد.. أميركا أولاً».

وتسمّر الملايين حول العالم أمام شاشات التلفزة أمس لمشاهدة حفل تنصيب ترامب. وكما كان متوقعاً، شابت اليوم الطويل في واشنطن تظاهرات واحتجاجات مناهضة للرئيس الجديد واحتج نشطاء ملثمون بالشوارع وحطموا زجاج فرع لمطاعم مكدونالدز بالمطارق ومقهى لستاربكس على مقربة من البيت الأبيض.

وحملوا أعلام ولافتات الفوضويين السوداء كتب عليها «انضموا للمقاومة.. تصدوا الآن«.

ترامب الذي «التزام الدستور الأميركي وحمايته من أعداء الخارج والداخل»، ألقى خطاباً مقتضباً مقارنة بخطابات الرؤساء السابقين، إذ لم يتجاوز نص خطابه 1400 كلمة مقارنة بخطاب من 2400 كلمة ألقاه سلفه أوباما عام 2009.

وكما درجت العادة جلس الرؤساء السابقون وزوجاتهم بالقرب من منصة التنصيب، وكان حاضراً أمس الرؤساء جيمي كارتر وزوجته روزالين سميث وبيل كلينتون وهيلاري وجورج بوش الابن ولاورا وباراك وميشيل أوباما. 

خطاب ترامب جاء مطابقاً تماماً لكل ما كان تفوه به خلال حملته الرئاسية ووعد به جمهوره. وبالتالي جاء مخيباً لكل من كان يأمل أنه عندما يصبح الرئيس الـ45 رسمياً سيتبنى خطاباً أكثر اعتدالاً وانفتاحاً على شريحة كبيرة من الأميركيين ترفض وصوله الى البيت الأبيض. 

وجاءت نبرة ترامب في خطابه غاضبة وواثقة، مهددة ومتوعدة. فابتدأ بالكلام كفرد من الشعب قائلاً: «نحن، المواطنين الأميركيين سنتشارك في مجهود وطني عظيم من أجل إعادة بناء بلدنا واستعادة وعده لجميع أبنائه. معاً سنحدد الطريق الذي ستسلكه أميركا والعالم لسنوات عديدة مقبلة». أضاف «سنواجه تحديات ومصاعب ولكننا سننجز العمل». ثم انتقل الى تعداد ما كانت عليه أمور الأميركيين في المرحلة السابقة من سوء سواء في التربية والتعليم أو الأحوال المعيشية والوظائف، وشدد على أن «العملية الانتقالية التي تشهدها أميركا ليست من إدارة الى أخرى، أو من حزب الى آخر، إنما هي انتقال من الطغمة الحاكمة في واشنطن الى الشعب»، وتعهد بأن «جميع السياسات التي سنتخذها في الداخل والخارج ستكون في صالح أميركا أولاً«. وانتقد ترامب استغلال الدول الأخرى للجيش الأميركي في حماية حدودها ومصالحها، مشيراً الى أن «الأوان قد حان لعهدة أمن حدودنا الى جيشنا الذي استغلته الإدارات السابقة في حماية حدود الغير ونسيت حدودنا». وتعهد بمحاسبة جميع الدول التي نمت اقتصاداتها تجارياً على حساب الأميركيين، وأكد أنه سيستغل تريليونات الدولارات التي كانت تصرف في الخارج من أجل تجديد البنى التحتية الأميركية وتوفير وظائف لجميع الأميركيين وتحسين ظروفهم المعيشية أينما كانوا، وإعادة المصانع الأميركية الكبرى الى داخل الحدود الأميركية» في إشارة الى المصانع المنتشرة في الصين. وأعلن ترامب أن «عهد الكلام الفارغ والأقوال قد ولى، وأنه منذ اللحظة ابتدأ عهد الأفعال» وشدد على أن «واشنطن ستعزز تحالفاتها القديمة وتبني تحالفات جديدة».

وتابع: «الأولوية ستكون لأميركا وسنحمي حدودنا واقتصادنا.. أميركا ستنتصر أكثر من أي وقت.. سنبني بلادنا من جديد وسنكون قدوة». وقال: «من اليوم فصاعداً فإن رؤية جديدة ستحكم بلادنا. من هذا اليوم فصاعداً ستكون أميركا فقط أولاً«، مضيفاً: «معاً سنجعل أميركا قوية مرة أخرى. سنجعل أميركا ثرية مرة أخرى. سنجعل أميركا فخورة مرة أخرى. سنجعل أميركا آمنة مرة أخرى. نعم معاً سنعيد إلى أميركا عظمتها مرة أخرى«.

وكشف بيان نُشر على الموقع الالكتروني للبيت الأبيض بعد لحظات من تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة أن إدارة ترامب ستجعل من هزيمة «الجماعات الإسلامية الإرهابية» الهدف الأول لسياستها الخارجية.

وانتهز ترامب فرصة خطاب تنصيبه للتعهد «بتوحيد العالم المتحضر في وجه الإرهاب الإسلامي الراديكالي الذي سنمحوه تماماً عن وجه الأرض».

وقال البيت الأبيض في بيان بشأن الموقف السياسي نشر على موقعه الالكتروني إن إدارة ترامب تنوي بناء نظام دفاع صاروخي «متطور» للحماية من الهجمات من إيران وكوريا الشمالية. ولم يذكر البيان الذي نشر بعد دقائق من تنصيب ترامب أي تفاصيل بشأن ما إذا كان النظام سيختلف عن النظم الخاضعة للتطوير حالياً أو تكلفته أو كيف سيتم تمويله.

وشارك عشرات آلاف الأميركيين من كل الأعمار بواشنطن في حفل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد وقد امتلأت قلوبهم حماسة وفخراً. ومنذ الفجر تدفقت الحشود من كافة أنحاء الولايات المتحدة على «ناشونال مول» بواشنطن، ولكن أظهرت صور التقطت من الجو لأنصار ترامب المحتشدين في المتنزه إقبالاً أقل بكثير عند منتصف النهار مقارنة مع صور مماثلة لتنصيب أوباما الأول في 2009.

واتهم ترامب في خطابه القصير مؤسسة الحكم في واشنطن بحماية نفسها والتخلي عن المواطنين العاديين الذين يعانون من الفقر والجريمة. وقال «هذه المجزرة الأميركية تتوقف هنا وتتوقف الآن... أي قرار بخصوص التجارة أو الضرائب أو الهجرة أو الشؤون الخارجية سيتخذ لصالح العمال الأميركيين والأسر الأميركية«.

وقوبل انتخاب ترامب بالقلق من جانب كثير من دول العالم فيما يرجع لأسباب منها السياسة الخارجية الانعزالية التي يحتمل أن يتبناها. وقال زيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في مقابلة عقب تنصيب ترامب «ما سمعناه كان نبرات قومية حادة«. وأضاف لتلفزيون (زد.دي.إف) العام «أعتقد أن علينا أن نستعد لمرحلة صعبة»، وقال إنه يجب أن تتحد أوروبا للدفاع عن مصالحها.

وأكدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن ترامب «سيقر بأهمية حلف شمال الأطلسي»، وذلك بعدما اعتبر الرئيس الأميركي الجديد أن الحلف «عفا عليه الزمن». وقالت ماي في مقابلة مع صحيفة «فايننشل تايمز« «أنا واثقة بأن الولايات المتحدة ستقر بأهمية التعاون الذي لدينا في أوروبا لضمان دفاعنا وأمننا المشترك».

وهنأ الرئيس المكسيكي انريكي بينا نييتو ترامب على تنصيبه لكنه قال إنه سيولي أهمية قصوى للسيادة والمصلحة القومية وحماية المكسيكيين. وغضب المكسيكيون لتعهد ترامب ببناء جدار على الحدود الجنوبية الأميركية مع المكسيك لمنع دخول المهاجرين غير القانونيين وبأن تدفع المكسيك تكلفة الجدار. وانتقد ترامب مراراً أيضاً الشركات الأميركية التي تملك مصانع في المكسيك.

وفي الأسواق المالية تراجع الدولار وقلصت الأسهم الأميركية مكاسبها في اليوم الأخير من أسبوع شهد تقلباً في التعاملات بعدما أثار خطاب ترامب قلق المستثمرين من سياسات تنطوي على إجراءات حماية تجارية.

ودعا البابا فرنسيس ترامب للتصرف على هدي القيم الأخلاقية وقال إنه يتعين عليه الاهتمام بالفقراء والمنبوذين خلال رئاسته.

وفي موسكو احتفل بتنصيب ترامب روس يأملون أن يدشن عهداً جديداً من العلاقات الطيبة. وأقام قوميون روس حفلاً طوال الليل. 

وكرر ترامب في خطابه موضوعات خطابات الحملة الانتخابية التي دفعته لتحقيق انتصار غير متوقع في الثامن من تشرين الثاني الماضي.

وبعدما أدى ترامب اليمين فرد ذراعيه وعانق زوجته ميلانيا وأفراداً آخرين من أسرته. وأطلقت المدفعية طلقات للتحية.

وسيحتاج ترامب إلى بذل جهود لتحسين صورته. ووجد استطلاع أجرته شبكة (إيه بي سي) نيوز بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست هذا الأسبوع أن 40 في المئة من الأميركيين ينظرون إلى ترامب بإيجابية وهو أدنى مستوى من التأييد لرئيس منذ الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر عام 1977. وكانت هذه نسبة التأييد نفسها لكيفية تعامله مع الفترة الانتقالية.

وفي حين أن الجمهوريين الذين ضاقوا ذرعاً بسنوات أوباما الثماني في الحكم يرحبون بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإن توليه المنصب يثير عدداً من التساؤلات بالنسبة للولايات المتحدة.

وأثناء حملته الانتخابية تعهد ترامب بوضع البلاد على مسار أكثر ميلاً للانعزالية تأتي فيه الولايات المتحدة في المقام الأول ووعد بفرض جمارك نسبتها 35 في المئة على السلع التي تصدرها شركات أميركية تمارس أنشطتها في الخارج إلى الولايات المتحدة. وقاطع أكثر من 60 عضواً ديمقراطياً بالكونغرس مراسم التنصيب احتجاجاً على ترامب.

ومن المتوقع أن يشارك آلاف المتظاهرين في «مسيرة النساء في واشنطن»، ومن المزمع أيضاً تنظيم احتجاجات في مدن أخرى بالولايات المتحدة وخارجها.

وقام المئات بتظاهرات في العاصمة تحولت الى أعمال شغب وعنف عندما هشم بعضهم زجاج مطعم ماكدونالدز وأحد فروع «بنك أوف أميركا» في وسط واشنطن. واستخدمت الشرطة القنابل المسيلة للدموع في وجه المتظاهرين، وألقت القبض على 90 منهم. وكانت الاحتجاجات بلغت الذروة عند الظهر في وقت خطاب القسم، كما تواصلت حتى المساء. وانتشر رجال الشرطة في صفوف عريضة وأقفلوا جميع المعابر أمام المتظاهرين لمنع هؤلاء من بلوغ جادة بنسيلفانيا التي مشاها ترامب ونائبه مايك بنس متجهين من الكابيتول الى البيت الأبيض.

ووصل ترامب الى البيت الابيض بصفته الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة بعد ادائه القسم والقائه خطابا خلال حفل تنصيبه اثر جولة له في شوارع واشنطن لالقاء التحية على الحشود في شارع بنسلفانيا بين مبنى الكابيتول والبيت الأبيض. وقبل ذلك كان الموكب الرئاسي مر أمام مجموعة من المعارضين الذين حملوا لافتات مناوئة.

وتابع ملايين الأميركيين على الشاشات وعبر مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية عائلة أوباما (باراك وميشيل وابنتاهما) وهم يغادرون الكابيتول بطوافة متجهين الى ماريلاند ومنها أقلتهم طائرة خاصة الى بالم سبرينغز بولاية كاليفورنيا لتمضية عطلة هناك. وكان بروتوكول التسلم والتسليم بين عائلتي أوباما وترامب تم صباحاً قبل حفل التنصيب.

ووافق مجلس الشيوخ الاميركي على تعيين الجنرال جيمس ماتيس وزيرا للدفاع، ليكون بذلك اول عضو في ادارة ترامب ينال الضوء الاخضر من المجلس. وماتيس ضابط سابق في سلاح مشاة البحرية الاميركية ويبلغ من العمر 66 عاماً