بفاصل زمني يتخطى الـ72 ساعة من إطلالة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله عند الثامنة والنصف من مساء الجمعة، من على شاشتي «المنار» وO.T.V والشاشات الأخرى، خرج وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، بوصفه رئيس «التيار الوطني الحر» ورئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» خلفاً للرئيس ميشال عون، بعد اجتماع التكتل في الرابية عصر أمس، ليرسم موقفاً بانورامياً باسم الرئيس عون، من دون ان يعلن ذلك صراحة، بعد مرور 36 يوماً من انتخابه رئيساً للجمهورية، وأقل بذلك بثلاثة ايام من تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل اول حكومة في العهد الجديد، وليحدد جملة من الخيارات، بطريقة بدا فيها انه هو «المرشد الأعلى للجمهورية»، وللمسار السياسي في البلاد، ليس في ما خص الحكومة فقط، بل لجهة العلاقات بين القوى السياسية وقانون الانتخاب وبناء الدولة، وسوى ذلك من أمور تتعلق بالخيارات والأعمال اليومية.
ووفقاً لمصادر سياسية، فان باسيل، وأن بدا انه يفتح الطريق امام العهد، وتلميع صورة الخيارات التي اتخذت أو التي ستتخذ، فانه استولد أو كاد يستولد صعوبات امام العهد، أو حتى أمام التأليف:
1 - بدا غير مستعجل على تأليف الحكومة، فالأولوية في الموازاة هي لقانون الانتخاب، وإن كان «الوقت محكوم بأفق زمني معين، وأن فريق العهد لن يترك أي عذر لأي أحد، والتمثيل سيشمل «المردة» و«القومي» و«الكتائب» وسنة 8 اذار والمير طلال أرسلان في حكومة الـ24».
وحدد باسيل ميزات الحكومة التي ستولد وأن تأخرت، فهي حكومة انتخابات وليست حكومة العهد الذي يبدأ عملياً بعد سنة، إذا جرت الانتخابات، وهي لا اعراف فيها ولا ثوابت وليست نموذجاً لتشكيل حكومات العهد عندما يبدأ بعد الانتخابات، وهذا يعني ربط نزاع مع الرئيس نبيه بري بصورة مباشرة لجهة الإشارة إلى الوزراء الثوابت، أو أن تكون وزارة المالية من حصة الشيعة.
2 - الفصل بين الحكومة وقانون الانتخاب، فلا وحدة مسار أو مصير، وإن كانت الحكومة هي المدخل لقانون الانتخاب، كاشفاً عن حركة سياسية ستبدأ لهذه الغاية من أجل قانون انتخاب على قاعدة رفض قانون الستين، أو التمديد للمجلس.
وقال: «نعم لقانون نسبي، نأمل أن يكون الارثوذكسي، ولكن إذا كان هناك قانون آخر يعتمد معياراً واحداً موضوعياً علمياً، هو عدالة التمثيل يمكن البحث فيه».
وهذا يعني ربط نزاع مع الفريق السياسي الواسع الذي اسقط مشروع القانون الارثوذكسي في المجلس النيابي، من «المستقبل» إلى «امل» إلى الحزب الاشتراكي، وحتى «حزب الله» والمردة وكتل وشخصيات مسيحية أخرى. وحتى فكرة النسبية موضع ربط نزاع أيضاً مع «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الاشتراكي».
انها عودة إلى المربع الأوّل.
ولاحظ مصدر نيابي، رداً على سؤال لـ«اللواء» أن نظرية فصل قانون الانتخاب عن الحكومة يرمي باسيل من ورائها إلى اضعاف هذه الورقة في ما خص الحكومة، لكن التذاكي في هذا الموضوع قد ينعكس سلباً على الحكومة وقانون الانتخاب، وبدل حل المشكلة زادها تعقيداً.
تجدر الإشارة هنا إلى أن كتلة «المستقبل» النيابية، أعادت أمس التأكيد على «موقفها الثابت والداعم للصيغة المختلطة بين النظامين الأكثري والنسبي»، مذكرة بالاقتراح المشترك الذي سبق وقدمته مع الحزب الاشتراكي و«القوات»، وهي متمسكة به وتدعو الى اعتماده، معتبرة أن من شأن ذلك تأمين عدالة في التمثيل.
3- أراد باسيل تصوير العهد بشيء من التباهي بأنه «عهد المعجزات» «بقدرته الاستثنائية على حماية التفاهمات الوطنية ولو ظهرت انها متناقضة»، متناسياً أو جاهلاً المقالة التي كتبها الصحافي جورج النقاش بعد الاستقلال وعنوانها: «نقيضان لا يصنعان وطناً»، وهو يُدرك قبل سواه اعتراض «حزب الله» على العلاقة المميزة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» واعتراض جعجع على فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية يتمثل فيها الحزب وحلفاؤه.
هذا قبل تأليف الحكومة وقبل خوض غمار الانتخابات النيابية.
4- قدم رئيس «التيار الوطني الحر» صورة تنطوي على انفصام بين «حزب الله» والمقاومة، وبين الشيعة وحركة «أمل»، واعترف بخلافات مع الحزب على بناء الدولة، في إشارة إلى الفساد، متوقفاً عند ثابتتين مستقبليتين: الخلاف المسيحي - الشيعي لن يحصل، والعلاقة مع «حزب الله» قوية والاتفاق معه على قوة لبنان، «فالمقاومة لا تقتصر بمقعد أو مكسب»، وهذا الكلام الملتبس في ما يتعلق بالحزب، وإن كان احتل الأولوية في مطالعة باسيل، الا انه بقي ملتبساً بانتظار كلمة السيّد نصر الله.
5- وفي ما خص «القوات» تحدث عن وحدة مصير، رافضاً كلمة الثنائية، معتبراً ان الاتفاق هو «على عودة المسيحيين إلى الدولة، وليس عودة الدولة إلى المسيحيين»، معلناً «ان «القوات» أصبحت جزءاً من المسيحية المشرقية».
6- وعن العلاقة مع «المستقبل» حرم باسيل الصدام مع التيار الأزرق، قائلاً: «نحن نعمل في مواجهة التطرف واحقاق الاعتدال وعلى شراكة وطنية عنوانها اتفاق الطائف».
7- وخص الحزب الاشتراكي و«أمل» بأن المسيحيين والدروز متساوون في جبل لبنان»، ونحن نعمل من أجل وحدة الجبل وقوته، اما «أمل» فهي الأقرب إلينا في «المانيفست السياسي»، والقانون الانتخابي النسبي.
8- على ان اللافت ان باسيل لم يشر بكلمة إلى العلاقة مع تيّار «المردة»، باستثناء اشارته إلى انه يعمل ويطالب بأن تمثل الحكومة الجميع، ومن ضمن هؤلاء «المردة»، علماً ان العلاقة مع هذا التيار باتت جزءاً من عملية تأليف الحكومة، وفي هذا السياق أوضحت مصادر قريبة من «حزب الله» لـ«اللواء» انه كان المطلوب من الرئيس عون ردّ الاعتبار للنائب فرنجية، على التضحية التي قدمها لتسهيل انتخاب عون رئيساً للجمهورية، لكن البيان الرئاسي والذي تضمن «دعوة ابوية» لمن لديه هواجس، جاء أقل من المطلوب، إذ لم يخصه بالثقافة أو إشارة الا عابرة، الأمر الذي دفع فرنجية إلى اعتبار البيان بأنه «لا يعنيه».
في هذا الوقت، كان الرئيس عون يبشر بولادة قريبة للحكومة، قبل الاحتفال العائلي في بعبدا بإضاءة شجرة ومغارة الميلاد، من دون ان يسجل أي خطوة، ما خلا تلميح مقربين من القصر إلى خيارات وضعت على الطاولة، في حين لاحظ الرئيس برّي امام زواره ان وتيرة الاتصالات بالنسبة لتشكيل الحكومة أصبحت أفضل من السابق، لكنه رفض الدخول في تحديد مواعيد التأليف، مستنداً إلى القول المأثور: «لا تقول فول حتى يصير في المكيول».
ولفت إلى ان التركيز يجب ان ينصب على قانون الانتخاب لأنه الأساس ويشكل تكوين السلطة.
وإذ أكّد تمسكه بالنسبية، فإنه رأى وجود خطر على قانون الانتخاب إذا بقيت الأمور على حالها.
ومن جهتها، أوضحت مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر» لـ«اللواء» ان هناك حدوداً في ما خص موضوع تأليف الحكومة من دون ان تجزم أو تضرب موعداً لولادتها، رافضة اتهام التيار «الوطني الحر» بأنه سبب أي اشكال بفعل تمسكه بوزارات محددة، وقالت: من الخطأ اعتماد هذه المقاربة، والقول ان سبب تمسك فريق بوزارات معينة يعود إلى سبب تمسكنا بوزارات للتيار ومن حصته.
وقالت انه من غير الوارد زيارة الوزير باسيل بنشعي، مذكرة بأن ما يُحكى عن اتصالات بين بعبدا وبنشعي للمساهمة في تطرية الأجواء يأتي في إطار الشكليات.
وكانت المصادر نفسها تحدثت عن مواصلة الاتصالات في الملف الحكومي، داعية إلى قراءة واضحة لما ورد في بيان تكتل التغيير والإصلاح الذي اذاعه الوزير باسيل.
وعلم انه يجري حالياً العمل على تبادل في الحقائب المقترحة لكل كتلة نيابية، وانه عرض في هذا السياق حقيبتا العمل أو الاقتصاد على فرنجية لكنه رفض الاثنتين.
كلمة نصر الله
فكيف بدت الأجواء عشية كلمة نصر الله وماذا ستتضمن؟
على الرغم من تأكيد كل الأطراف ان كفة التفاؤل ما تزال هي الارجح، فإن مصادر مطلعة على تعقيدات الوضع لا تخفي من تأخير إضافي لتأليف الحكومة، في ضوء قناعة آخذة بالتزايد من ان جهات نافذة تتعمد تأخير التأليف، فضلاً عن المكابرة المتعلقة بدعوة النائب فرنجية إلى قصر بعبدا، مع إلحاح «حزب الله» على تحرك في بعبدا باتجاه بنشعي.
وتتهم مصادر «حزب الله» الرئيس المكلف ورئيس حزب القوات سمير جعجع بالسعي لاجراء الانتخابات على أساس قانون الستين وتشكيل كلتة نيابية واسعة، تجعل من جعجع القوة المسيحية الأقوى بعد رئيس الجمهورية.
اما المصادر السياسية المتابعة لعملية التأليف فقد حذّرت عبر «اللواء» من الاستمرار في اتباع سياسة الابتزاز والتمسك بالمطالب الانانية التي تعيق تشكيل الحكومة وتؤخر انطلاقتها، وشددت على ضرور وعي بأننا في مركب واحد، وعلينا ان نضع جميعاً مصلحة الوطن فوق أي مصلحة أخرى.
وتساءلت عمّا إذا كانت هناك إرادة حقيقية من قبل الأفرقاء السياسيين لأن تتألف الحكومة، أم ان هدفها هو استمرار التعطيل؟ مستغربة ان تعود العقد والعراقيل لتوضع في وجه تشكيل الحكومة إلى المربع الأوّل.
ولكن على الرغم من كل هذه الأمور، فإن المصادر نفسها توقعت بأن تشهد الأيام المقبلة حلحلة ما في موضوع الحكومة، استناداً إلى عملية تبادل الحقائب، لأنها تعتبر انه في حال لم تتشكل الحكومة قبل عطلة الأعياد، فإن هناك خوفاً حقيقياً ان لا تتألف في وقت قريب، رغم اننا ما زلنا في الموعد الطبيعي لتشكيل الحكومات.
وتوقعت المصادر أيضاً ان يعلن نصر الله في كلمته الجمعة عن مواقف إيجابية ومسهلة في الشأن الحكومي، خصوصاً بعد ان أصبح وضعه محرجاً امام حليفه الرئيس عون.