«لبنان في عين العاصفة» السياسية، كما الطبيعية... وبين برودة العاصفة المناخية (نانسي) وحرارة العواصف السياسية، يدور لبنان في حلقة مفرغة، تتجاذبه الملفات العالقة، وأبرزها الاستحقاق الرئاسي ومناقشة قانون الانتخابات النيابية في لجنة التواصل المكلفة درس الموضوع، وملف العسكريين المخطوفين الى ملف الفساد في المأكل والمشرب الذي تتسع دائرته يوماً بعد يوم، الى الملف الأمني الذي حضر خلال الأيام القليلة الماضية، وبقوة بقوة في الدوائر المعنية، بعد المعلومات التي تحدثت عن استعداد «المجموعات المسلحة والارهابية» العبور من جديد من سلسلة جبال لبنان الشرقية الى الداخل اللبناني، جراء الرياح والعواصف المطرية والثلجية وانخفاض درجات الحرارة الى مستوى متدنٍ جداً، ما استدعى استنفاراً عسكرياً واسعاً.. في الجانب اللبناني من قبل الجيش والقوى الأمنية...

وإذ انشغل اللبنانيون يوم أمس بنبأ وفاة «سيدة الفن والطرب اللبناني والعربي» صباح التي غيبها الموت فجر أمس، فإن أنظار اللبنانيين، عموماً ماتزال مشدودة، الى ما سيقوله الرئيس سعد الحريري مساء اليوم في طلته الاعلامية في برنامج «كلام الناس» على الـ«L.B.C»... حيث من المتوقع ان تكشف طلته الكثير من الجوانب الغامضة المتصلة باعادة احياء الحوار مع «حزب الله».

 

حراك ديبلوماسي حول الملف الرئاسي

هذا، وإذ دخل لبنان يومه السابع والثمانين بعد المئة، من دون رئيس للجمهورية من دون ان يظهر في المعطيات المتوافرة ما يؤشر من قريب او من بعيد، الى معالجة جادة، والجميع ينتظر المعطيات الدولية والاقليمية، ليبنى على الشيء مقتضاه، وذلك على الرغم من «الحراك الديبلوماسي» الغربي اللافت على هذا الخط، على خلفية ما قيل إنه «قلق غربي على لبنان، الكيان والصيغة جراء استمرار الشغور في سدة رئاسة الجمهورية».

وعزت مصادر سياسية مطلعة حركة عدد من السفراء الغربيين والعرب في اتجاه بعض المسؤولين الى ايعاز من دولهم بوجوب نقل الرسالة لتلافي المحظور... مشيرة الى ان هذه الحركة «اثارت ريبة عديدين، خوفاً من احتمال حصول صفقة سياسية - رئاسية، من باب اطلاق الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، يدفع ثمنها المرشحون المتصلبون في مواقفهم وفي مقدمهم رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» (الجنرال السابق) النائب ميشال عون، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع... وذلك، بعدما جرى التداول باستحالة وصول أي من الاثنين الى قصر بعبدا...

 

طلة الحريري التلفزيونية... والحوار

وإذ ينتظر الجميع اطلالة الرئيس سعد الحريري التلفزيونية مساء اليوم، وما سيقوله، وما سيبنى عليه، فقد أكدت مصادر متابعة لـ«الشرق» ان حديث الرئيس الحريري سيكون بمثابة اعادة ضخ الحياة لـ«خريطة طريق» التي كان أطلقها في وقت سابق، مع ادخال تعديلات تتناسب ومقتضيات المرحلة، بما ينعكس ايجاباً على المستوى المحلي... ويستجيب لدعوات «الحوار» بين «المستقبل» والحزب... الذي بات يشكل حاجة، بل وضرورة لاعادة تحريك المياه الراكدة في الملف الرئاسي، واخراجه من الحلقة المفرغة، خصوصاً وأن «دول القرار» طلبت من «القيادات الاسلامية» الاضطلاع بدورها على هذا الخط، بعدما تبين ان «القيادات المسيحية» غير قادرة على التوافق على رئيس....

ول تستبعد أوساط سياسية متابعة، ان يشكل الحوار المنوي اطلاقه بين «المستقبل» و«حزب الله» مقدمة لتعبيد الطريق الى بعبدا، مادامت القيادات المسيحية التي عهدت اليها مهمة اختيار رئيس للجمهورية، اخفقت في مهمتها... من دون ادارة الظهر لسيد بكركي البطريرك بشارة بطرس الراعي...

وفي هذا، فقد ذكّر عضو كتلة «المستقبل» النائب احمد فتفت، بأن «قوى 14 آذار»، طرحت منذ ثلاثة أشهر ان يكون هناك حوار على رئاسة الجمهورية ومحاولة تحييد لبنان عن الصراع السوري... كما ذكر بمبادرة الرئيس سعد الحريري التي تحدثت عن اطار جدي لسد الفراغ الرئاسي... مشدداً على ضرورة ان تنطلق الحلول من المصلحة الوطنية لافتاً الى ان «المستقبل» لم يضع شروطاً للحوار، بل على جدول الأعمال الذي يحتاج الى التزام لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه...

 

14 آذار: «ادمان ملعون»

من جهتها، فقد لفتت الأمانة العامة لقوى 14 آذار، في بيان لها، بعد اجتماعها الاسبوعي أمس، الى ان «الفراغ الذي يعاني منه لبنان جراء عدم انتخاب رئيس جديد تحوّل بعد زهاء ستة أشهر الى «ادمان ملعون»، يصيب حياتنا الوطنية، وكأن شيئاً لم يكن». ودعت الى «التوجه الى مجلس النواب فوراً لانتخاب رئيس وفقاً للآليات الديموقراطية المعتمدة...» مؤكدة ان «الحياة السياسية لا تستقيم في غياب الرئيس...».

بدوره حمل عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب فؤاد السعد على الجنرال عون، لافتاً الى ان من «سخرية السياسة في لبنان، ان من حاول اسقاط الطائف... يحذر اليوم، رعاة هذا الاتفاق العرب من مخاطر سقوطه...» معتبراً ان «الحريص على اتفاق الطائف عليه ان يكون القدوة وعليه تأمين النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية بدلاً من اطلاق المبادرات التي أقل ما يمكن توصيفها به أنها بدعة وهرطقة تحاكي أهدافه ومبادئه في الغاء الآخرين...».

 

الخليل وايجابية الحوار

من ناحيته، أكد وزير المال علي حسن خليل ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الثقة للمؤسسات، ودعا الى التعامل بإيجابية مع الدعوات الى الحوار...

ولفت الى «اننا مازلنا نؤمن بأن لبنان باستطاعته ان يخرج من أزماته السياسية، وأدنى عناوين الخروج هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مؤكداً ان «لبنان تجاوز الكثير من التحديات الأمنية...» داعياً الجميع الى الوقوف خلف الجيش والأجهزة الأمنية وخلف مؤسساتنا السياسية كي نستطيع ان ننهض بلبنان...

 

العسكريونس المخطوفون... وعتب الاهالي على «حزب الله»

إلى ذلك، فقد عادت قضية العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة» منذ آب الماضي، في جرود عرسال، الى الواجهة من جديد، وبنبرة مختلفة، على خلفية مقايضة «حزب الله» خاطفي أحد مقاتليه في سوريا، عماد عياد، أول من أمس، مقابل اطلاق الحزب مسلحين من «الجيش السوري الحر...».

وإذ أثار تحرير عيّاد «استياءً» لدى أهالي العسكريين المخطوفين الذين ناشدوا الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، التدخل في هذا الملف وتكليف الحزب بالتفاوض مع الخاطفين... فقد رأى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش، «ان هذا الأمر منوط بالدولة، وحزب الله، سيقدم المساعدة قدر الامكان من خلال دوره في الدولة...» معتبراً «ان هذه المسألة تتطلب الدقة في التعاطي لأنها مختلفة، سواء من ناحية المرجعية المعنية بالأمر، او لناحية الجهة  الخاطفة...» واصفاً الكلام الذي يتهم «حزب الله» بعرقلة المفاوضات بأنه «يأتي في اطار التجني والافتراء والتحريض» مشدداً على «اننا لم نكن يوماً ضد التفاوض او التواصل من أجل معرفة مطالب الخاطفين ودراستها لتحديد ما يمكن تلبيته منها بغرض الافراج عن العسكريين...» لافتاً الى ان «رئيس الحكومة واللجنة المعنية والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يتابعون ملف المخطوفين...» موضحاً ان الحكومة لم توافق على مبدأ مقايضة 50+5 لكل عسكري ولم يطرح على مجلس الوزراء حتى الساعة...».

 

حذر من تسلل الارهابيين

ودعا فنيش، في مجال آخر، الى الحذر في المناطق الحدودية، مؤكداً ان احتمال شن هجمات من المجموعات التكفيرية قائم لأنها تعاني من وضع ضاغط جراء العوامل الطبيعية الصعبة وموجة الصقيع في الجرود... مؤكداً ان الجيش على جهوزية تامة ويتابع الموضوع، وهو يحظى بالدعم المطلوب...

 

بري: أوراق قوة

سوفي السياق نفسه، أكد الرئيس نبيه بري في لقاء الاربعاء «اننا نملك أوراق قوة عديدة لاطلاق العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة»، مشدداً على اعتماد السرية في المفاوضات الجارية لهذه الغاية...».

 

14 آذار... والمقايضة

من جهتها، وإذ أكدت «الأولوية الوطنية» لقضية المخطوفين وتعني الجميع، فقد توقفت الامانة العامة لقوى 14 آذار، عند المقايضة التي قام بها «حزب الله» مع المسلحين في القلمون، فأشارت الى ان «هذه الصفقة تبين وجهاً إضافياً للانتقاص من سلطة الدولة التي يختارها الحزب، ويتخطاها وينفرد حين يتمكن، فيطلق من يسميهم تكفيريين وإرهابيين ويقايض عليهم، على رغم أنه شريك في الحكومة، يتجاوز خلية الأزمة المعنية... ويمنع الدولة من أي مقايضة ممكنة...».