تطوران ديبلوماسي وتفاوضي عدّلا أجندة ما تبقى من الأسبوع، وخطفا الأضواء من الاهتمامات المنصبّة على جدول أعمال الحوار المرتقب بين «المستقبل» و«حزب الله».
الأول: بيان الخارجية الأميركية الذي حذّر المواطنين الأميركيين من السفر الى لبنان، عازياً هذا التحذير الى «استمرار المخاطر الأمنية في هذا البلد والخوف من عمليات إنتحارية»، والأخطر في ما جاء في البيان، دعوته المواطنين الأميركيين أن «يفهموا أن حياتهم في خطر»، مشيراً الى «هجمات إنتحارية وعمليات خطف، وكلا الحالتين تشكل مشكلة للبنان».
والثاني: تداعيات الخطوة التي أنجزها «حزب الله» في ما يتعلق بمبادلة أسيره عماد عياد بإثنين من «الجيش السوري الحر»، وما ترتب عليها من ذيول إيجابية وسلبية، إن لجهة القدرة على خوض غمار التبادل، أو لجهة الغمز من قناة الدولة والحكومة بأنها غير قادرة على استعادة عسكرييها، وأن «حزب الله» أقدر منها في استعادة مقاتليه، وهذه نقطة مسيئة للدولة، من وجهة نظر أحد أعضاء خلية الأزمة الذي طلب عدم ذكر أسمه، لكنه رأى في الوقت عينه أنها يمكن أن تسهّل في مكان آخر لجهة حثّ الدولة على حسم أمرها في خيار المقايضة.
وهذان الأمران بالإضافة الى جدول أعمال من 45 بنداً سيكونوا أمام مجلس الوزراء اليوم، فيما يكثف المجلس الدستوري من لقاءاته واتصالاته لاتخاذ قرار مناسب يراعي وحدته والمصالح الوطنية العليا والحاجة الى الاستقرار في ما يختص بالطعن المقدّم من «التيار الوطني الحر» ضد التمديد للمجلس النيابي، في حين لم يخف الرئيس نبيه بري أمام المقربين منه تشاؤمه من عجز لجنة قانون الانتخاب من التوصل الى مشروع قانون موحد يحافظ على قواسم العيش المشترك ويدخل النسبية في العملية الانتخابية في لبنان.
إلا أن كل ذلك لم يحجب تتبع التحضيرات للإطلالة التلفزيونية للرئيس سعد الحريري ذات المعنى وذات الدلالات في التوقيت والرسائل التي سيبعث بها اليوم، في غمرة القلق الأميركي والترقب اللبناني لمسار الحوار مع «حزب الله»، والفترة الزمنية الفاصلة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل توجّه عربي إقليمي دولي يقضي بالحد من التأثيرات السلبية لما يجري في سوريا والمنطقة على الأوضاع اللبنانية.
وفي هذا السياق، كان لافتاً للانتباه، تأكيد السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري تأييده لأي حوار يجمع بين اللبنانيين، ووجوب عدم استحضار الأزمات الخارجية الى الداخل اللبناني، وأنه لمس إصراراً لدى الرئيس نبيه بري لإنجاح الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، آملاً أن تستجيب كل القوى السياسية لهذا الحوار ليسلك المسار الطيب لتقريب وجهات النظر وتبديد الخلافات، ولافتاً الى أن الخلافات بين اللبنانيين كبيرة، لكن هناك أولويات، وأن أولى الأولويات هو ملء الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية.
وعلمت «اللواء» أن الرئيس الحريري أطلع كل قيادات قوى 14 آذار على مبادرته بشأن الحوار مع الحزب، في سياق مشاورات حصلت بين هذه القيادات، حيث اتفق على أن يكون موضوع انتخاب رئيس الجمهورية، مفتاحاً للحوار مع الحزب، ثم يستأنف الحوار بعد ذلك على مستوى وطني.
التحذير الأميركي
ووصفت مصادر نيابية البيان الأميركي بالمقلق، نافية أن تكون لديها معطيات حول الخلفية التي انطلق منها، أو ما إذا كان يأتي في سياق إجراء روتيني، أم نتيجة معلومات أمنية، تجمعت لدى الاستخبارات الأميركية، في ضوء تخوفات من لجوء عناصر مسلحة في القلمون السورية الى فتح ثغرة في الجدار اللبناني، تحت وطأة العواصف والثلوج القاسية، وما يشاع عن استعدادات لدى الجيش النظامي لإطلاق هجمات جديدة في تلك المنطقة، في ضوء صفقة الأسلحة التي ذهب وزير الخارجية السورية وليد المعلّم الى موسكو لإتمامها، ومنها صواريخ إس.إس 300.
ولم تشأ مصادر ذات صلة أن تسقط من حسابها ما توفر لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية والأجنبية من تحوّل بعض أحياء مخيّم عين الحلوة الى «ملاذ آمن» لعناصر مسلحة متطرفة تجمعت هناك، وأخرى جاءت من سوريا وبلدان أخرى لتوفير النصرة والدعم لهذه العناصر.
ولاحظت المصادر الأمنية ازدياد نفوذ التنظيمات المتطرّفة في عين الحلوة على حساب تواجد الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، معربة عن خشيتها من تحوّل المخيم الى ملاذ للعناصر المتطرفة التي تجد عاطفة من الجماعات الإسلامية المتواجدة في المخيم والتي تتمتع بتسليح جيد.
وفيما اشارت مصادر ذات صلة بالسفارة الأميركية في بيروت، إلى ان التحذير الأميركي لا يرتبط بوضع استثنائي أو معطيات حول حصول عمليات إرهابية قريبة، بل بوجود تهديدات دائمة من قبل الجماعات المتطرفة باستهداف لبنان، لاحظت مصادر أخرى ان البيان لم يتضمن إشارة لا إلى اشتباكات عرسال الأخيرة ولا حتى حوادث طرابلس وعكار شبيهة بالتحذير السابق الذي اصدرته واشنطن في 15 آب الماضي حيث ذكرت حينها بالتفجيرات التي طالت بيروت وطرابلس، واكتفى التحذير الجديد بالاشارة إلى أن الهجمات الانتحارية يمكن ان تحصل من دون سابق إنذار، لافتاً الانتباه الى تقارير في وسائل الإعلام تؤكد احباط هكذا هجمات مفترضة.
خلية الأزمة
ولم تغب خطوة «حزب الله» بالنسبة لنجاحه في إطلاق اسيره من بين ايدي «الجيش السوري الحر»، عن اجتماع خلية الأزمة الوزارية المكلفة متابعة ملف العسكريين المحتجزين الذي انعقد في السراي الكبير برئاسة الرئيس تمام سلام، في الوقت الذي كان فيه اهالي العسكريين يلوحون بتصعيد تحركهم ابتداء من غد الجمعة، سيشمل كل مداخل بيروت، إذا لم تأخذ خلية الأزمة قراراً واضحاً وصريحاً ومعلناً لحل قضية العسكريين واعادتهم بأي شكل من الاشكال.
وبحسب بيان الأهالي، فان خطوة «حزب الله» احدثت صدمة لديهم اصابتهم بحال من الذهول وخيبة الأمل، معتبراً ان الحزب ليس اقوى من الدولة كي يحرر اسيراً له بسرعة من خلال المفاوضات.
اما خلية الأزمة، فاكتفت باصدار بيان تضمن أن الرئيس سلام «أعطى توجيهاته للمتابعة وفق المعطيات الجديدة، مع ما يتطلبه الأمر من تحفظ على الاعلان عن الخطوات والإجراءات المتبعة، بما يضمن الوصول إلى النتائج المرجوة».
وأوضحت مصادر المجتمعين لـ «اللواء» أن الرئيس سلام شدّد على أعضاء الخلية بضرورة الصمت الكلي عن إعطاء أية تفاصيل أو معلومات عن عملية المفاوضات الجارية، وذلك استناداً الى تجربة تركيا بالصمت، وكذلك «حزب الله».
وأكدت هذه المصادر، رداً على سؤال، بأن الحكومة موافقة على أي صيغة سبق أن طرحها الخاطفون، شرط أن تكون منطقية، وتكون الدولة قادرة على تنفيذها وتضمن تحرير العسكريين.
وكشف المصدر أن وزيري «حزب الله» لم يعطيا أي جواب بالنسبة لموضوع المقايضة، عندما اثير هذا الموضوع في مجلس الوزراء، فيما جاء الرفض فقط من وزراء «التيار الوطني الحر»، مشيراً إلى انه الآن، وبعد نجاح «حزب الله» في «تحرير» أسيره بالتبادل، فان حلفاءه لا يستطيعون المزايدة عليه بالنسبة للمقايضة بإطلاق سجناء اسلاميين مقابل تحرير العسكريين.
الا أن مصادر وزارية رجحت لـ «اللواء» الا يطرح موضوع مقايضة «حزب الله» و«الجيش السوري الحر» كنموذج للتعاطي به، نظراً لاختلاف الاعتبارات والظروف والملابسات والجهات بين حالة الحرب وحالة العسكريين، مؤكدة ان الحكومة ماضية في واجباتها بشأن هذا الملف وهذه هي النقطة الأساسية الواجب اخذها بعين الاعتبار.
وشددت المصادر إياها على أن الكل يُدرك تعقيدات ملف العسكريين، لكنه لم ولن يترك من دون متابعة أو تحرك، وأن استغراقه للوقت عائد إلى تفاصيل خارجة عن إرادة الحكومة، معربة عن اعتقادها بأن كثرة التسريبات بشأنه لا تفيد.
وفي السياق، اشارت المصادر إلى أن الحديث عن تخوف على عمل الحكومة هو في غير محله، مؤكدة أن اداءها أكثر من جيد حتى وأن شهدت النقاشات داخل مجلس الوزراء حدة وتخللتها تحفظات على ملف أو موضوع معيّن.
وقالت أن الوضع لا يزال متماسكاً، وأن هناك متابعة جادة لما يطرح من بنود ومسائل، سواء اتخذت طابع التأجيل أو تمت احالتها إلى لجان تمعن في بحث تفصيلي على غرار ما هو حاصل في ملف الخليوي، وفي ملف النفايات الصلبة.
ولفتت المصادر إلى أن ملف الترخيص لكليات جديدة والمطروح اليوم ضمن جدول الأعمال سوف يرجأ بالتأكيد، فيما سيطرح وزير الاشغال العامة غازي زعيتر الإجراءات التي اتخذتها وزارته لمواجهة أحوال الطقس السيئ في البلاد، خاصة بعدما غطّت الثلوج المرتفعات الجبلية وقطعت الطرق.