مع بدء العدّ العكسي لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الاثنين المقبل، ما تزال ترتسم في الأفق على رغم الأجواء الإيجابية تساؤلات وعلامات استفهام حول ما ستؤول إليه مواقف داخلية وخارجية تبدي اعتراضاً في الشكل حيناً وفي المضمون أحياناً على التسوية المعقودة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون الذي نال بركة بكركي أمس. ولذلك ينتظر أن تتركّز الاهتمامات والمشاورات على معالجة مواقف المعترضين، مرشّحين أو كتل سياسية، على أمل أن تنتهي بفوز الرئيس العتيد بأكثرية مرموقة.
المؤكّد أنّ لقاء الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله مع عون مساء أمس الاوّل والذي حضَره رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل والمعاون السياسي لنصرالله الحاج حسين الخليل ومسؤول لجنة التنسيق والارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا، قد أسّس لورشة المشاورات الهادفة الى تمهيد الساحة امام جلسة انتخاب ناجعة تفضي إلى إنجاز الاستحقاق.

وعلمت «الجمهورية» أنّ عون أبدى خلال اللقاء ارتياحه الكبير الى المواقف التي أعلنها نصرالله قبَيل اللقاء بينهما، مُبدياً الامتنان الشديد، خصوصاً أنّ هذه المواقف بدّدت ما كان سائداً في أوساط «التيار» من تشكيك في صدقية تأييد حزب الله لترشيح عون.

وكان باسيل قد نشَر على حسابه على موقع «تويتر» صورةً للقاء عون ونصرالله، وأرفقَها بالعبارة الآتية: «الصدق في السياسة».

وشرَح نصرالله لعون أهمّية قبول الحزب بالتسوية والتي من ضِمنها القبول بالحريري رئيساً للحكومة تسهيلاً منه لحلّ أزمة الاستحقاق الرئاسي، ولاقتناع الحزب بأنّ هذا الأمر يمنع انهيار البلد، خصوصاً على المستويات الامنية والمالية والاقتصادية.

وذكر بيان «العلاقات الإعلامية» في الحزب أنّه تمّ خلال اللقاء «استعراض آخر المستجدات السياسية في لبنان والمنطقة، وخصوصاً ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي القائم وضرورة مواصلة الجهود لإنجاحه في أفضل الأجواء الايجابية الممكنة».

وورَد في البيان أنّ عون قال بعد اللقاء: «جئنا الليلة نشكر السيّد حسن نصر الله على مساعدتنا في حلّ المشكلة التي كانت مستعصية في انتخاب رئيس الجمهورية، فأعطى كلّ التسهيلات لحلّ هذه القضية، والحمدلله وصلنا إلى نهاية سعيدة، ونتمنّى أن تستكمل الأمور، ودائماً كنّا نجد كلّ
مساعدة وكلّ تسامح في القضايا الوطنية».

«التيار الوطني الحر»

وقالت مصادر في «التيار الوطني الحر» لـ»الجمهورية» إنّ اللقاء بين نصرالله وعون «جاء تتويجاً للمسار الراهن، وتمّ خلاله تقويم لكلّ المرحلة السابقة واستشراف المستقبل، وتمّ التركيز على سُبل الحفاظ على الحلف القائم والتشديد على أنّ التفاصيل الصغيرة مع جميع حلفاء الطرفين يجب أن لا تفسد في الود قضية».

وأكّدت «أنّ ثقة «التيار» المطلقة بالحزب لم تهتزّ للحظة، وقد عبّر العماد عون عن ذلك في أكثر من مناسبة». ووصَفت المصادر خطاب نصرالله الأخير بأنه «كان خطاباً مطَمئنا على كلّ الصُعد»، مؤكدةً «أنّ الاستحقاق الرئاسي لبنانيّ مئة في المئة»، ومعلنةً «الاستعداد للقيام بكلّ ما يتطلبه إنجاح المرحلة المقبلة، وذلك في إطار سياسة اليد الممدودة».

وتوقّفت هذه المصادر عند تلويح البعض بعرقلة تأليف الحكومة، معتبرةً «أنّهم بذلك يعرقلون البلد وليس العماد عون، فهذه ليست جمهورية «بيت بيّو»، بل جمهوريتُنا جميعاً، نعمل لعهد جديد وأمل جديد، وقد بدأ الجميع يستبشر خيراً». ولفتَت المصادر الى «أنّ الحكومة التي ستؤلّف يفترض أن تكون حكومة تشرف على إنجاز الانتخابات النيابية، والأساسي هو الحكومة التي ستؤلّف بعد الانتخابات».

وعلمت «الجمهورية» أنّ عون شدّد خلال اللقاء على ضرورة مساعدة الحريري في تأليف حكومة العهد الأولى، معتبراً «أنّ إعاقة تشكيلها وعرقلتَها بشروط غير تقليدية ستشكّل ضربة للعهد في أيامه الأولى أكثر ما ستكون إعاقة مهمّة الحريري الحكومية».

عون في بكركي

وفي هذه الأجواء التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عون في بكركي مساء أمس، واطّلع منه على آخر التطورات في الملف الرئاسي قبل الجلسة الانتخابية المقبلة، فأبدى البطريرك ارتياحه الى حصول ما كان يطالب به دائماً وهو إعلان الكتل السياسية والنيابية موقفَها في شأن الترشيح، الأمر الذي بات يضمن انعقاد الجلسة الانتخابية المقررة، وانتخاب رئيس للبلاد طالما انتظرَه الشعب بفارغ الصبر.

وأكّدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «اللقاء ساده جوّ من التفاهم والإيجابية، حيث بارك الراعي الحراك الرئاسي الأخير وأبدى تفاؤله بوصوله الى خواتيمه السعيدة، خصوصاً أنّ الراعي كان من أشدّ المطالبين بانتخاب رئيس في كلّ عظاته ومواقفه».

وكشفَت أنّ «عون أبدى حرصَه على التفاهم مع كلّ المكوّنات الوطنية والمسيحيّة»، لافتةً إلى أنّ «الراعي الذي أبدى حرصَه على الوحدة المسيحية والوطنيّة ناقشَ وعون كلَّ الملفات والاستحقاقات التي ستواجه العهد الرئاسي، وكان هناك اتّفاق تامّ على معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، وإعادة عمل مؤسسات الدولة إلى سابق عهدها». (التفاصيل ص 6)

جنبلاط و«الطريق الأخضر»

وإلى ذلك كشفَ رئيس اللقاء الديموقرطي» النائب وليد جنبلاط في تغريدة عبر «تويتر» أنّه بعد التشاور مع «اللقاء الديموقراطي» سيَجتمع مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي اليوم. وكان جنبلاط قد نشَر صورةً لطريق برّية غير معبّدة وعلى جوانبها أشجار خضراء، وعلّق قائلاً: «الطريق الأخضر إلى بعبدا».

فرنجية

مِن جهته، أكّد رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في حديث إلى برنامج «كلام الناس» مع الزميل مرسيل غانم عبر «ال.بي.سي»، أنه لن ينسحب من المعركة الرئاسية «وأنا أكثر شخص مرتاح لأنني أعرف ماذا أريد وأعرف انّه سيحصل انتخابات، وإذا خسرنا فنحن مستعدّون نفسياً وسياسياً، وإذا ربحنا مستعدّون لذلك، فنحن نضع احتمالَي الخسارة والربح في جلسة 31 الشهر»، كاشفاً عن أنّ «حزب الله» كان يعوّل على انسحاب عون بعدما رشّحَني الحريري، لكنّ دعم الدكتور سمير جعجع لعون قلَب المعادلة وأدّى إلى تشبّثه بترشيحه».

ورأى فرنجية أنّ «كلّ ما يُريده البطريرك هو انتخاب رئيس للجمهورية»، مشدّداً على أنّ «عون رَجل ميثاقي والأقوى عند المسيحيين ولكنّه ليس الوحيد».

وأضاف: «إذا فتحتم قلبَ السيّد حسن نصرالله ستجدون اسمَ سليمان فرنجية في داخله، وأنا أعتب على أبواق 8 آذار التي خوّنتني رغم تنسيقي الكامل مع «حزب الله»، وجَعلوا من عون بطلاً قومياً رغم ما فَعله، وأنا نّسقت كلّ شيء مع «حزب الله» ووافقوا على أن يأتي الحريري رئيساً للحكومة».

واعتبَر أنّ «حظوظ العماد عون أقوى للوصول إلى رئاسة الجمهورية بوجود الورقة البيضاء، لكن إذا تحوّلت هذه الأوراق البيضاء إلى رصيدي سترتفع حظوظي»، موضحاً «قد لا أسمّي الحريري لرئاسة الحكومة إذا طلبَ منّي برّي هذا الأمر».

«الكتائب»

وعَقد المكتب السياسي الكتائبي اجتماعه الأسبوعي في إطار اجتماعاته المفتوحة برئاسة رئيس الحزب النائب سامي الجميّل ولم يُصدِر أيّ موقف نهائي في شأن الاستحقاق الرئاسي.

ورفع الاجتماع لبعض الوقت عندما زار النائب مروان حمادة بيتَ الكتائب المركزي في الصيفي والتقى الجميّل في حضور النواب إيلي ماروني وفادي الهبر ونديم الجميّل، وخصّص اللقاء للبحث في التطوّرات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي والمواقف منه.

«المستقبل»

وفي انتظار عودة الحريري من الرياض قريباً، أوضَحت مصادر بارزة في كتلة «المستقبل» لـ«الجمهورية» أنّ زيارته للسعودية «هي زيارة خاصة كانت مقرّرة مُسبقاً، وتتعلق بأعماله هناك ولا ترتبط بالتطورات الرئاسية».

وإذ أبدت المصادر اطمئنانَها إلى سير الامور، لفتت الى انّ ما حصل يؤكد ما كنّا نردّده دائماً بأنّ الموقف السعودي واضح بأنّ الرئاسة شأن لبناني وهي لا تتدخّل فيه، وأنّ على اللبنانيين ان يجدوا الحلّ.

وتعليقاً على قول السيّد نصرالله «نحن نقدّم تضحية كبيرة جداً عندما نقول إنّنا لا نمانع في أن يتولى الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة»، اعتبرَت المصادر أنّ تضحية الحزب تكمن في قبوله بالدستور، فبحسَب هذا الدستور ينال الرئيس الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة غالبية الأصوات، يكلّف على أساسها تأليفَ الحكومة، والحزب ليس معتاداً على الرضوخ للدستور، وهذه تضحية كبيرة بالنسبة إليه، هناك استشارات تحكم».

وعن إمكانية عرقلة تأليف الحكومة، لفتت المصادر إلى «أنّ هذا الاحتمال قائم دائماً، بغضّ النظر عمّا يقال اليوم، لكن بذلك يكونون يعرقلون العماد عون».

وكرّرت المصادر التأكيد أن «لا انقسام داخل «المستقبل»، بل هناك أقلّية من النواب عبّرت عن رأيها علناً، إنّما الغالبية الساحقة من كتلة «المستقبل» تؤيّد مبادرة الرئيس الحريري، وإنّ الاتصالات مع هذه الأقلية غير مقطوعة أساساً، فهؤلاء النواب عبّروا عن موقفهم وأبدوا رأيَهم، لكنّهم لم يستقيلوا من الكتلة، والحوار دائم في داخلها، فنحن أهل حوار وليس منطقنا إقامة مجالس تأديبية أو طرد من لا يلتزم».

وعن مقولة أنّ الحريري بمبادرته «خسرَ سياسياً وشعبياً، اعتبرَت المصادر «أنّ الوقت كفيل بتبيان من يعمل صحيحاً ومن يعمل خطأ، فالرئيس الحريري قال إنّه «إذا كان أحد يبتزّني برصيدي الشعبي فأنا أقبل».

في كلّ الحالات الناس ليسوا أغبياء، وسيأتي وقت ويرون، والآن قد بدأوا يرون، أنّ هذا الرجل أقدمَ على خطوة ستودي إلى حلّ وستفضي الى انتخاب رئيس جمهورية وتأليف حكومة جديدة، فإذا كان الناس قد بدأوا يرون أنّ هذا الحلّ أثّر إيجاباً على أمنهم وحياتهم ومستقبلهم فهم ليسوا أغبياء، وقد تبيّن أنّ التهويل بالرفض العارم ليس في محلّه، وشاهدنا حجم تأثير من حاوَل القيام بعراضات على مزاج الناس».

الحجّار

وكان عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد الحجّار قد قال إنّ الكتلة ستصوّت بغالبيتها الساحقة لعون في جلسة الانتخاب الاثنين المقبل. وأشار إلى أنّ 3 أو 4 نواب فقط اعترضوا على قرار الحريري.

جعجع

وفي المواقف المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، جدّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع القول إنّ «حزب الله» لا يريد أحداً في رئاسة الجمهورية، لأنه لا يريد جمهوريةً في الأصل، وانطلاقاً من هذا الواقع كنّا أمام خيارين: إمّا الذهاب مع «حزب الله» وكسر الجمهورية، وإمّا سحب العماد ميشال عون من هناك». وتساءلَ جعجع: «لماذا موقف الرئيس نبيه برّي حادّ إلى هذه الدرجة ضدّ العماد ميشال عون؟

فلو كان عون ذراع طهران في السلطة كما يُقال أكان عارضَه برّي بهذا الشكل؟ فعون حين يصل إلى رئاسة الجمهورية، ونظراً لأنه شخص براغماتي سيكون همّه إنجاح رئاسة الجمهورية وهذا ما يُزعج «حزب الله»، وأكّد أنّ «رئيس الحكومة المقبل سيكون بإذن الله سعد الحريري، وطبعاً القوات ستكون ضمن المعادلة الحكومية».

السعودية

إقليمياً، جدّد مجلس الوزراء السعودي خلال جلسة ترأسَها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز «عزمَ المملكة ومواصلتَها مكافحة الأنشطة الإرهابية لـ»حزب الله»، والاستمرار في العمل مع الشركاء في أنحاء العالم، لكشفِ أنشطته الإرهابية والإجرامية، وما اتّخذَته المملكة من تصنيف اسمَين لفردين وكيان واحد لارتباطها بأنشطة إرهابية، وتأكيد فرض العقوبات عليها استناداً لنظام جرائم الإرهاب وتمويله ونظام مكافحة غسل الأموال».

إيران

أمّا إيران فرحّبَت بلسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي «بأيّ اتفاق يتوصّل إليه اللبنانيون في إطار انتخاب رئيس جمهورية»، مؤكّداً «أنّ الحفاظ على وحدة أراضي لبنان واستقلاله يَحظى بأهمّية كبيرة لدى إيران».

وقال قاسمي: «إنّ توصّلَ الأحزاب اللبنانية الى نقطة مشتركة واتّفاق لملف رئاسة الجمهورية يُعتبَر أمراً مباركاً ويدعو إلى التفاؤل والسرور»، مؤكّداً دعمَ بلاده وترحيبَها بأيّ اتّفاق في هذا الصدد.

واعتبَر «أنّ التوصّل الى اتفاق نهائي في هذا الملف من شأنه إيصال رسالة إيجابية الى المنطقة عموماً، آملا في «أن يتّحد أبناء الشعب اللبناني بعد مزيد من التفاهمات والتوافقات بين الأطراف اللبنانية
المختلفة».

روسيا

وعشية وصول نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الى بيروت، رحّب السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسيبكين بـ»الحراك السياسي الذي يجري في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية»، مشدداً على «ضرورة أن يكون القرار في هذا الشأن للّبنانيين وحدهم»، ومؤكّداً أنّه «لا بدّ من استمرار المشاورات بين الأطراف السياسية في لبنان لبَلورة التصوّر الكامل والمقبول لإنجاح عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وتلك مسألة جوهرية في ظلّ الظروف التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط».