سبعة أيام ويأتي موعد «الاختبار الكبير». هل يكون للبنان «رئيس صنع محليا» في الحادي والثلاثين من تشرين الأول، أم أن هذا التاريخ سينطوي كغيره من التواريخ على مدى سنتين ونصف سنة من الفراغ الرئاسي؟
«على الورقة والقلم»، صار العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اعتبارا من 31 ت1. هذا أقله بالنسبة الى العونيين ورئيسهم جبران باسيل. بالنسبة الى المعارضين «حتى على الورقة والقلم» لم يُحسم الأمر، «وكل يوم يمر، يزداد معه تسرب الأصوات المعارضة». حتما لن يكون هؤلاء جميعا من حصة سليمان فرنجية، ولكن للورقة البيضاء معناها في هذا الاستحقاق.
في هذه الأثناء، بدا خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في أسبوع القيادي الشهيد حاتم حمادة (الحاج علاء)، أمس، في القماطية، موجهاً الى الحلفاء أكثر منه الى الخصوم، وذلك من موقع الحرص على التفاهم القائم مع عون، من دون المس بالعلاقة التاريخية بين «حزب الله» وحركة «أمل» لا بل العلاقة السياسية والعاطفية والشخصية بين «السيد» والرئيس نبيه بري.
الأهم من ذلك، أن الأمين العام لـ «حزب الله»، من حيث يدري أو لا يدري، أبرز دوره الناظم للعلاقات الداخلية، بما فيها تلك العابرة لكل الاصطفافات الآذارية، ولو بشكل غير مباشر.
وليس خافيا على بعض المتابعين للاستحقاق أن الرسالة الأبرز من خطاب نصرالله هي إبراز حجم «التضحية الكبيرة جداً» التي قدمها «حزب الله» بعدم ممانعته بعودة سعد الحريري رئيسا للحكومة، خصوصا أن رئيس «تيار المستقبل» لم يوفر قناة مباشرة وغير مباشرة، وخصوصا عبر «الحوار الثنائي» في عين التينة، على مدى شهور، من أجل الحصول على كلمة واحدة من الحزب.
لم يعد الحريري الى بيروت إلا بعدما بلغه الجواب بصورة غير مباشرة ثم لاحقا في خطاب الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006، عندما قالها «السيد» بالفم الملآن، «إننا إذا توافقنا على رئاسة الجمهورية (انتخاب عون)، فنحن منفتحون في موضوع رئاسة الحكومة».
وبرغم أن تلك الرسالة الايجابية المنتظرة لا بل المطلوبة وصلت إلى «من يهمه الأمر»، لم يتردد الحريري وقتها ومن ثم كتلته في الرد بعنف على الأمين العام لـ «حزب الله» الذي قرر أن يبلع الموسى، تسهيلا لأمر حليفه «الجنرال».
كانت المعادلة عند الحريري واضحة: موافقتي على عون رئيسا للجمهورية مرتبطة بموافقة «حزب الله» على عودتي إلى السرايا الكبيرة.
نال زعيم «المستقبل» الموافقة وتبنى ترشيح «الجنرال»، ولم يتوان عن «شيطنة حزب الله»، فيما كانت الرسائل تتوالى من تحت الطاولة ومؤداها أن من يضع يده بيد السيد نصرالله «يكسب الرهان محليا».
أما «حزب الله»، فكان لسان حاله التزام الصمت وعدم الرد لا بعنف ولا بهدوء على الحريري وكتلته، من باب سحب الذرائع ونزع أي لغم محتمل من أمام الدروب التي ستسلكها سيارة عون في طريقها من الرابية إلى بعبدا.
بالنسبة إلى «حزب الله»، فقد أدى قسطه للعلى، بقبوله المعادلة التي تعيد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وهو الذي لم يساير من قبل الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان مصراً على عودة الحريري رئيساً للحكومة، بعد استقالة وزراء «8 آذار» من الحكومة، لحظة دخول رئيسها إلى البيت الأبيض للقاء باراك أوباما في الثاني عشر من كانون الثاني 2011.
كانت حجة الرئيس السوري للتمسك بالحريري، وهو أبلغ ذلك إلى «الخليلين» (حسين خليل وعلي حسن خليل)، بأنه ملتزم مع الملك عبدالله بن عبد العزيز (مرحلة السين سين)، على الحريري رئيسا لوزراء لبنان وإياد علاوي رئيسا لوزراء العراق. سقط الخياران في كل من بغداد وبيروت، ولم تمض أسابيع قليلة، حتى بدأت أحداث سوريا.
وما يسري على الأسد، يسري أيضا على أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان (قبل أن يصبح رئيسا). أوفد الرجلان وزيري خارجيتيهما حمد بن جاسم وداود أوغلو الى بيروت وانتقلا من مطارها الى الضاحية الجنوبية، وأبلغا السيد نصرالله تمني قيادتهما عودة الحريري، فرفض، وعندما لمسا إصرارا فوق العادة، أخرجا ورقة بيضاء وقالا إنهما مستعدان للموافقة على الشروط التي يضعها الحزب، وفي الأولوية منها إسقاط المحكمة الدولية التي كانت سبب الخلاف مع الحريري واستقالة وزراء «8 آذار» منها!
في تلك اللحظة، أيقن نصرالله أن المحكمة الدولية مجرد أداة سياسية للاستثمار، بدليل العرض الفاضح الذي قُدّم الى «حزب الله»، وهو كان سببا في سقوط حكومة الحريري، فما كان منه إلا أن قال لضيفيه القطري والتركي: بين مصلحتي ومصلحة البلد، أفضّل مصلحة البلد، والمحكمة بالنسبة إلينا غير موجودة.
هل كان مطلوبا من «حزب الله» أن يقدم تضحية أكبر من قبول عودة الحريري، وهل المطلوب منه أن يعطي تطمينات للحريري بأنه ما دام عون رئيسا للجمهورية، «فإننا نضمن لك أن تستمر رئيسا للحكومة، سواء أكنت تملك الأكثرية أم لا تملكها»؟
عمليا، أعطى نصرالله أصواته لعون والحريري معا، وهو كرر تعهد الحزب بانتخاب عون رئيسا للجمهورية، وشدد على ان نواب «الوفاء للمقاومة» سينزلون كلهم الى المجلس النيابي لانتخاب «الجنرال»، حتى انه أعلن انه إذا كان قانون المجلس يسمح للنواب بفتح أوراقهم أمام الكاميرات، فإن نواب كتلة «الوفاء» مستعدون لجعل العالم كله «يرى أنه مكتوب اسم ميشال عون».
واللافت للانتباه في هذه النقطة بالذات، أن كلام نصرالله لم يشف غليل بعض «المدققين السياسيين»، ممن راحوا يبثون ليلا مناخات سلبية، مفادها أن الأمين العام لـ «حزب الله» لم يتفوّه بتاريخ الحادي والثلاثين من تشرين في معرض تأكيد الانتخاب، وهو الأمر الذي جعل أحد الحزبيين يردد «هل كان مطلوبا من «السيد» أن يذكر أرقام لوحات سيارات النواب والدروب التي سيسلكونها والثياب التي يرتدونها والأقلام التي يحملونها واللحظة التي يجب أن يسقطوا فيها أوراقهم في الصندوقة الانتخابية»!
ولم يغب عن بال نصرالله أن ينطلق، في الشق اللبناني، من عند خطاب الحريري التصعيدي بوجه الحزب، ليؤكد عدم النية بمقابلة التصعيد بمثله، لتأكيد النية بالتهدئة «إذ إنني أريد أن آخذ الجانب الإيجابي من الخطاب، لأننا نحن نريد أن نصل إلى نتائج إيجابية لمصلحة البلد والاستقرار»، وهي المعادلة التي كانت تحكم في مرحلة معينة علاقة «حزب الله» بالرئيس رفيق الحريري، حيث كان السيد نصرالله يؤكد له، خصوصا في آخر لقاءات بينهما في نهاية العام 2014، أننا نعمل في المقاومة سويا، فأنا مسؤول عن المقاومين وأنت المسؤول عن عائلاتهم، أي عن البيئة الحاضنة للمقاومة، عبر تأمين مقومات استقرارها الاجتماعي وأمانها الاقتصادي.
ووجه نصرالله رسالة غير مباشرة الى عون قائلا ان «كل ما يجري عندنا يمكن مقاربته من خلال حوار»، مطمئنا حول ما قيل عن حرب أهلية حيث أكد أن «ليس هناك أحد لا في الحلفاء، في الأصدقاء ولا في الخصوم، ليس هناك أحد يفكر بعقلية الفوضى ولا بعقلية العودة إلى الحرب الأهلية».
كما طمأن المتخوفين من ان «ليس هناك أحد الآن في لبنان يفكر بعقلية إدارة ثنائية للبلد، لا ثنائية على أساس مذهبي، ولا ثنائية على أساس طائفي ولا ثنائية على أساس حزبي»، مشددا على ان هذا الامر غير موجود لدى الحلفاء وعند الخصوم. من دون أن ينفي وجود قلق لدى بعض حلفائه «يجب أن يعالج».
وتضمّن الخطب رسالة رمزية الى «قواعد التيار الوطني الحر»، بأن «لا تسمحوا لأحد بأن يستغل أو يوظف أو يسيء الى العلاقة بيننا وبينكم، أو يحاول أن يشوّهها، ولا أود الدخول بالأسماء، كل الناس تعلم الحرف الأول من الاسم.. والحرف الأخير»، ملمحا الى سمير جعجع.
وفي انتظار ما سيحمله موفد روسي يزور بيروت قريبا، علم أن الموفد الفرنسي جيروم بونافون ألغى بعد زيارته الأخيرة لبيروت سلسلة مواعيد كان قد طلبها في كل من العاصمتين السعودية والايرانية لأسباب لم تعرف بعد.