لعله الإثنين الأخير الذي يمرّ على الجمهورية من دون رئيس.. فبعد مبادرة تلو أخرى ومسعى يعقبه آخر وبنفس وطني طويل لا يكلّ ولا يملّ ولا يبخس الدولة حقها على أبنائها في بذل التضحيات مهما غلا ثمنها، نجح الرئيس سعد الحريري أخيراً في تعطيل التعطيل ومحاصرة صنّاع الفراغ فارضاً بمبادرته الرئاسية الأخيرة طوقاً محكماً ضيّق الخناق حول الشغور حتى بات اليوم في مرحلة لفظ الأنفاس الأخيرة. إذ تدلّ كافة المعطيات والتصريحات المتعاقبة غداة تأييد الحريري ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، على أنّ الأسبوع الجاري سيكون أسبوع الشغور الأخير قبل بزوغ عهد رئاسي جديد الاثنين المقبل تنتهي معه لعبة تطيير النصاب التي انتهجها «حزب الله» طيلة عامين ونصف العام وكاد أن يطيّر معها البلد.

أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورغم معارضته السياسية العلنية لمآل الأمور التي رست على ضمان عون تأييد أكثرية نيابية وازنة تؤمن انتخابه رئيساً للجمهورية، فهو، وعلى دارج عادة رجال الدولة في تحمّل المسؤوليات الوطنية أمام المحطات الفصلية، «لم ولن» يلجأ إلى تعطيل النصاب الرئاسي كما أكد جازماً من جنيف أمس، كاشفاً أنه كان قد قال لعون خلال لقائهما الأخير في عين التينة: «تعطيل النصاب في جيبتي الكبيرة لكنني لست أنا من يلجأ إليه».

نصرالله

وفي سياق مؤكد لانتخاب عون رئيساً للجمهورية بعد مبادرة تأييد الحريري ترشيحه، جاء إعلان الأمين العام لـــــ«حزب الله» أمس أنّ كتلته البرلمانية ملتزمة المشاركة في جلسة الانتخاب المقبلة ومنح أصواتها كاملةً لصالح عون، مبدياً استعداد نواب الكتلة لكشف أوراق اقتراعهم «السرية» تبديداً للشكوك التي تراود العونيين حيال هذا الأمر. وفي خطاب متلفّز ألقاه أمس لمناسبة ذكرى أسبوع على مقتل القيادي في الحزب حاتم حمادة، تناول السيد حسن نصرالله الشأن الرئاسي من بوابة «التطوّر المهم» الذي تمثل بإعلان الحريري تأييد ترشيح عون، مؤكداً أنّ هذا التطوّر «فتح الباب على مصرعيه أمام إنجاز الاستحقاق بشكل واقعي في الموعد المقبل» في إشارة إلى جلسة 31 الجاري.

وبمعزل عن محاولة الأمين العام لـــــ «حزب الله» التعاطي مع مسألة تولي الرئيس الحريري سدة رئاسة الحكومة في العهد الرئاسي الجديد بذهنية «تربيح الجميلة» للعونيين بأنه لو أراد أن ينسف حظوظ التوافق على انتخاب العماد عون لكان رفض هذه المسألة أو لكان صعّد لهجة موقفه تجاه الحريري، برز إقرار نصرالله بوجود أزمة «لا ثقة» من جانب قواعد «التيار الوطني الحر» بصدقية دعم «حزب الله» لانتخاب عون ربطاً بالمستجدات الرئاسية الأخيرة، طالباً من جمهور التيار في المقابل عدم الالتفات إلى ما يثار من تشكيك بحقيقة موقف الحزب. وأردف كاشفاً أنه أرسل لعون يقول له: «إذا كان قانون المجلس لا يسمح بأن يفتح نوابنا ورقة الاقتراع أمام الكاميرات والناس لتتبيّن أنه مكتوب عليها إسم ميشال عون «بعات« مندوب من النواب ليقعد بين نوابنا ويرى الواقع»، مضيفاً: «عيب أن نصل إلى هذا الموقع لأنّ هناك قلة أخلاق وقلة عقل».

أما على ضفة حلفائه المعترضين على انتخاب عون، فتعهد نصرالله انطلاقاً من إعلان رئيس «تيار المستقبل» تأييد ترشيح عون أنه سيواصل جهوده للوصول «مع بقية الأصدقاء والحلفاء» إلى استحقاق رئاسي «هادئ ومعقول ومطمئن»، وقال: «نحن بدأنا ببذل جهد على هذا الصعيد وسنكمل، لكن هل نوفق أو لا، هذا متروك للوقت»، مع تأكيده متانة العلاقة مع كل من الرئيس بري والمرشح النائب سليمان فرنجية اللذين اعتبرهما «متفهمين» لموقف الحزب، رغم أنه ردّ بشيء من العتب على عبارة فرنجية التي أشار فيها بشكل غير مباشر إلى كون «كثرة أخلاق» حزب الله هي التي حالت دون انتخابه رئيساً، قائلاً: «سليمان بك تحدث عن كثرة الاخلاق.. معليش كترة الأخلاق جيدة».