«درع الفرات» هو الاسم الذي اختارته أنقرة لعمليتها العسكرية داخل الأراضي السورية، للمرة الأولى، ضد «داعش» وحزب «الاتحاد الديموقراطي« الكردي ومكنت فيها، بعد غارات جوية وقصف مدفعي وبحماية دبابات، قوات المعارضة السورية من انتزاع مدينة جرابلس الحدودية من «داعش»، في تطور ميداني لافت سيترك بالتأكيد انعكاسات مباشرة على الحسابات السياسية للحل السوري المحتمل.

واشنطن دعمت عسكرياً «درع الفرات» التي بدأت قبل ساعات من وصول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الى أنقرة، ساعياً الى طي صفحة الضيق التركي عقب الانقلاب الفاشل، والى بحث الموضوع الكردي الحساس جداً بالنسبة لتركيا، خصوصاً مع وجود رئيس كردستان مسعود بارزاني في أنقرة للتنسيق في ظل تغييرات كبيرة في المنطقة على حد قوله.

موسكو قالت إنها «قلقة جداً« وهي التي تجهد لمنافسة الولايات المتحدة على الإمساك بالورقة الكردية، فيما كان نظام بشار الأسد وحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي يستنكران وينددان.

ويُعتبر تحرير جرابلس من قبل الجيش السوري الحر محورياً للمعارضة السورية ولأنقرة على حد سواء، فالمعارضة تتمكن من خلال تحرير جرابلس من العودة إلى مناطق انتزعها منها «داعش» في بدايات الصراع المسلح وتفتح لها الطريق نحو مدينة أعزاز شبه المحاصرة، وبالنسبة لتركيا فإن انتزاع جرابلس يُعد منطلقاً لقطع الطريق من أمام الاتحاد الديموقراطي الكردستاني الهادف إلى السيطرة على كامل الشريط الحدودي السوري ـ التركي لإقامة كيان كردي مستقل أو حكم ذاتي على أقل تقدير.

فقد أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن مسلحين من المعارضة السورية تدعمهم تركيا استعادوا بلدة جرابلس السورية من تنظيم «داعش» بعد عملية شاركت فيها دبابات وقوات خاصة تركية ودعمتها طائرات أميركية وتركية.

وقال الرئيس التركي عقب لقائه بايدن إن خوض منظمة إرهابية حرباً ضد منظمة إرهابية أخرى لا يجعلها بريئة، وإن كلا من تنظيم «داعش» ووحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من واشنطن في سوريا، منظمتان إرهابيتان.

وأكد اردوغان في كلمة ألقاها بالعاصمة أنقرة أن تركيا مصممة على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وأنها ستتولى الأمر بنفسها إذا اقتضى الأمر ذلك. وأضاف أن تركيا لا تريد سوى مساعدة شعب سوريا وليست لها نيات أخرى.

وفي تناغم أميركي مع المخاوف التركية، قال بايدن إن بلاده أوضحت للقوات الكردية السورية أن عليها العودة إلى شرق نهر الفرات بعد السيطرة على مدينة منبج السورية حتى تحافظ على الدعم الأميركي. وقال بايدن «قلنا بوضوح إن على هذه القوات أن تعبر مجدداً النهر» مشيراً الى قوات سوريا الديموقراطية. وشدد بايدن على أن القوات الكردية «لن تلقى أي دعم من الولايات المتحدة إذا لم تحترم تعهداتها، نقطة على السطر».

ولفت اعتذار بايدن من الرئيس التركي لعدم مجيئة بعيد الانقلاب الفاشل في تركيا منتصف شهر تموز الماضي. وقال بايدن لاردوغان الذي انتقد بمرارة حلفاءه الغربيين وخصوصاً واشنطن لعدم التضامن معه إثر المحاولة الانقلابية وعدم زيارتهم أنقرة، «أنا أعتذر. كنت وددت لو أني جئت في وقت مبكر».

وقالت وكالة الأناضول إن القوات التركية لم تتكبد أي خسائر بشرية في العملية بينما قُتل عنصر واحد من الجيش الحر.

وقال القيادي في «فرقة السلطان مراد» أحمد عثمان مساء أمس: «باتت جرابلس محررة بالكامل»، الأمر الذي أكده مصدر في المكتب الإعلامي لـ»حركة نور الدين الزنكي» مشيراً الى «انسحاب تنظيم داعش الى مدينة الباب»، وكلا التشكيلين يتبعان الجيش الحر.

واعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن عملية تطهير بلدة جرابلس ستكون نقطة تحول في المعركة مع التنظيم المتشدد. وأضاف على حسابه الرسمي على موقع «تويتر» أن هذه العملية ستعجل باستئصال «داعش» من منطقة حلب في سوريا. وتابع قائلاً «لا نريد مكافحة البعوض. هدفنا هو إزالة المستنقع والقضاء على التهديدات ضد تركيا». وشدد جاويش أوغلو على ضرورة أن ينسحب المقاتلون الأكراد إلى شرقي نهر الفرات وإلا فإن تركيا «ستفعل ما هو ضروري».

أما رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم فقال إن تركيا لن تقبل بتشكيل كيان كردي جديد داخل سوريا وإنه يتعين الحفاظ على سلامة الأراضي السورية. وشدد في مؤتمر صحافي مشترك مع بايدن، على أنه يتعين توفير حل مشترك لإنهاء الأزمة في سوريا، ورأى أنه لا يمكن تجاهل نظام بشار الأسد من أجل التوصل لحل في سوريا لأنه طرف من الأطراف.

ولفت تصريح يلدريم بأن هناك حاجة لتحسين العلاقات مع مصر ولا يمكن أن تستمر العلاقات على هذا النحو.

وفي سياق المعارك الحاصلة على الحدود الجنوبية لتركيا، دعا المسؤول التركي الولايات المتحدة الى إعادة النظر في دعمها لوحدات حماية الشعب الكردية للحيلولة دون زيادة الخطر، مضيفاً أن واشنطن وافقت على أنه لا ينبغي لهم التحرك إلى غرب نهر الفرات.

وكان مسؤول يرافق بايدن خلال زيارته الى تركيا قال أمس إن واشنطن تدعم العملية عبر تبادل معلومات ومراقبة واستطلاع ومشاركة مستشارين عسكريين أميركيين، وإن الدعم ممكن أن يصبح دعماً جوياً إذا لزم الأمر. وأضاف «نريد مساعدة الأتراك لتطهير الحدود من تنظيم «داعش»«. وأوضح أن لواشنطن مستشارين في خلية التخطيط للهجوم التركي. 

وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن مقاتلات التحالف الدولي خصوصاً «أي 10» و»أف 16» أميركية، شنت غارات لدعم الهجوم. وأكد أن الولايات المتحدة أمرت الفصائل الكردية التي تدعمها بعدم التقدم باتجاه الشمال. وتابع أن قوات المعارضة المدعومة من القوات التركية ستطرد المتطرفين وتسيطر على نقطة استراتيجية تسمح لها بإقامة «منطقة عازلة تمكنها من صد أي تقدم للأكراد».

وقدمت ألمانيا دعمها لعملية جرابلس. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن شافر إن برلين «تحترم» قرار أنقرة نقل المعركة ضد المقاتلين الأكراد الى سوريا. وأضاف أن «تركيا تعتبر، سواء من باب الخطأ أو الصواب، أن هناك روابط بين حزب العمال الكردستاني ـ الذي نعتبره أيضاً منظمة إرهابية ـ في الجانب التركي، وقسم على الأقل من الأكراد في الجانب السوري. نحن نحترم هذا الأمر ونعتبر أنه من حق تركيا المشروع التحرك ضد هذه الأنشطة الإرهابية». وتابع خلال مؤتمر صحافي «نحن ندعم تركيا في هذه النقطة».

وفي مقابل الدعم الأميركي والألماني، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن موسكو منزعجة بشدة من تصاعد التوتر على الحدود التركية - السورية بعدما أرسلت أنقرة قواتها إلى الأراضي السورية.

وفي دمشق، ندد نظام الأسد بعبور دبابات تركية الى سوريا، معتبراً أن ذلك «خرق سافر». ونقلت وكالة «سانا» عن مصدر في النظام إدانته «عبور دبابات ومدرعات تركية عند الحدود السورية - التركية الى مدينة جرابلس تحت غطاء جوي من طيران التحالف الأميركي الذي تقوده واشنطن وتعتبره خرقاً سافراً لسيادتها».

وقال زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري صالح مسلم في تغريدة على موقع «تويتر» إن تركيا ستخسر في «مستنقع» سوريا مثل «داعش» وذلك بعدما قصفت القوات التركية أهدافاً في شمال سوريا. كما قال المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية ريدور خليل السور إن التدخل العسكري التركي في سوريا «اعتداء سافر على الشؤون الداخلية السورية» وهو ناجم عن اتفاق بين تركيا وإيران والحكومة السورية. 

وأضاف أن المطالب التركية بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية الى شرقي الفرات لا يمكن تلبيتها إلا من قبل تحالف قوات سوريا الديموقراطية المدعوم من الولايات المتحدة والذي تمثل الجماعة الكردية جزءاً رئيسياً منه ويحارب تنظيم داعش.

والتطورات في سوريا ستكون على مائدة البحث بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري في جنيف غداً وتتركز على الصراع في كل من سوريا وأوكرانيا. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن الوزيرين بحثا في اتصال هاتفي أمس تطورات الأوضاع في سوريا.

وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الوزيرين تناولا الحاجة إلى فصل جماعات المعارضة المدعومة من واشنطن عن «الجماعات الإرهابية» التي لا تشملها عمليات التهدئة في العادة.