ما عجز عنه على مدى السنوات الخمس المنصرمة حصل عليه الرئىس التركي رجب طيب اردوغان في لعبة سياسية، واستخباراتية، وديبلوماسية بارعة، انتهت بتأمين غطاء اميركي لاقامة شريط حدودي تركي قد يكون بعرض عشرات الكيلومترات، وبطول يتجاوز المائة كيلومتر.
وبذريعة مباشرة اقترنت بقصف تكتيكي متبادل لازالة تنظيم «داعش» من مدينة جرابلس السورية، اجتاحت الدبابات التركية الاراضي السورية دون أي اعتراض لا من الامم المتحدة ولا من جامعة الدول العربية، في خطوة رأى فيها مراقبون وخبراء دوليون تمهيداً لعملية اوسع بكثير وتنتهي باقامة الشريط.
وبدا ان اردوغان الذي لعب على الخطين الروسي والايراني سيقبض الثمن الباهظ بغطاء اميركي وعربي، وهو الوجود الدائم على الارض السورية وبحجة مواجهة الخطرين الداعشي والكردي.
والذي اضفى بعداً اضافياً خطيراً على العملية هو ان الدخول الى جرابلس تم بقيادة تركية انضوى تحت لوائها نحو 1500 من مقاتلي المعارضة السورية تحت مسمى «الجيش السوري الحر».
وقد عكس تصريح لنائب الرئىس الاميركي جو بايدن في انقرة مدى تلاعب واشنطن بالحلفاء، اذ بعدما كانت الطائرات الاميركية تشق الطريق امام الميليشيات الكردية في خطة لاقامة كردستان السورية، حذر بايدن هذه الميليشيات من العبور الى غرب الفرات تحت طائلة وقف المساعدات لها.
وفي هذا المجال، تساءل خبراء دوليون ما اذا كانت الصفقة بين واشنطن وانقرة التي لم يتسرب شيء من تفاصيلها، تلحظ اقامة شريط تركي بدل شريط كردي، وهو ما يقطع الطريق على حزب الاتحاد الكردي والربط بين كانتون عين العرب (كوباني) وكانتون عفرين.
ولوحظ ان بيان الخارجية الروسية لم يأت بالشدة المطلوبة بل اكتفى بابداء القلق من التطورات على الحدود السورية ـ التركية.
واذ دانت الخارجية السورية انتهاك انقرة للاراضي السورية، كانت لافتة الشائعات التي واكبت العملية التركية، والى حد الكلام ان ما حصل جزء من سيناريو تشارك فيه واشنطن وموسكو وتركيا وايران، دون اي اشارة الى المملكة العربية السعودية، لبلورة تسوية في سوريا تضمن بقاء الرئىس بشار الاسد لمدة انتقالية تمتد الى خمس سنوات.
لكنّ اياً من العواصم المعنية لم تتحدث عن اي صفقة في هذا المجال وان اشارت الى ان عناصر جديدة طرأت على الازمة السورية يمكن ان تساهم في حلها تدريجياً.
وكان تصريح تركي يقول ان الشعب السوري هو الذي يحدد صيغة الحكم في بلاده قد وصف بأنه بمثابة انقلاب في موقف انقرة التي طالما طرحت نفسها على انها الوصية الاستراتيجية والتاريخية على سوريا.
ماذا على الجبهة اللبنانية التي تشهد حالياً الغليان السياسي؟ رفاق قدامى للعماد ميشال عون يسألون الى متى الحرب، حيناً، مع طواحين الهواء وحيناً مع طواحين السياسات الاقليمية والدولية، لا شك انه تناهى اليه ما قاله وزيرخارجية عربي راحل «يستطيع عون ان يصل الى قصر بعبدا، ولكن كهيكل عظمي».
ويقولون «حتى الآن لا تزال حرب الاستنزاف، وهي ضمناً حرب الالغاء، على استعارها، ضد الجنرال، وحين كان الوزير جبران باسيل يعلن من الرابية ان جلسة مجلس الوزراء اليوم ستكون اختباراً لها، وما اذا كانت تلتزم احكام الميثاقية والشراكة، كان الرفاق القدامى، وبينهم من لا يزال «عاشقاً» له، يسألون ما اذا كان النزول الى الشارع الاختبار الاخير، والقاتل، لرئيس تكتل التغيير والاصلاح...
الاسئلة التي تطرح حالياً ما اذا كانت «القوات اللبنانية» ستنزل معه الى الشارع ما دام قد رفع شعار الشراكة، وما اذا كان الحليف الآخر «حزب الله» سيجاريه في «لعبة الاقدام»، وهو الذي يعتبر، كما اظهرت محطات كثيرة، ان المؤسسة العسكرية ينبغي ان تبقى بمنأى عن اي تجاذب سياسي، كما ان سقوط الحكومة يعني سقوط الدولة.
الذين يطرحون الاسئلة يعرفون ان الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن الشارع، لكن باسيل قال علناً بهذا الخيار اذا ما تم التمديد للعماد جان قهوجي.

ـ هاجس زيارة الجنرال الاميركي ـ

وهناك بين حلفاء عون من كان يتمنى لو ينزل الى الشارع رفضاً للشغور الرئاسي، وحيث وجود رئىس الجمهورية او عدم وجوده، هو الاختبار الحقيقي، والكبير، للميثاقية والشراكة، ومن كان يتمنى لو ينزل الى الشارع اعتراضاً على اقفال مجلس النواب، وهو ام المؤسسات الدستورية (وأم الشرائع)، ومن كان يتمنى لو ينزل الى الشارع رفضاً لتسونامي الفساد الذي يضرب كل مفاصل الدولة ويهدد باضمحلالها.
الاسئلة لا تنتهي، لماذا قبل التيار الوطني الحر بالتمديد مرتين لقائد الجيش، وهذه هي المرة الأخيرة، وفي ظروف اقليمية مصيرية بما تعنيه الكلمة؟
ومع ان زيارة قائد القيادة الاميركية الوسطى الجنرال جوزف فوتيل لليرزة مقررة، ومحددة، في وقت سابق، كان هناك داخل التيار الوطني الحر من يعتبر ان التوقيت مبرمج لكي تتزامن الزيارة والمناورة البحرية، مع اجتماع تكتل التغيير والاصلاح لاتخاذ موقف من التمديد لقهوجي...
ثمة من يقول ان فوتيل لا يعرف ان هناك كتلة برلمانية وتدعى تكتل الاصلاح والتغيير، فهل يعقل ان يوقت زيارته مع اجتماع هذا التكتل لكي يظهر في الصورة مع قائد الجيش، علماً أن للصورة دلالاتها الكبيرة بالنسبة للمسار السياسي في لبنان، لمن يتذكر صورة العماد ميشال سليمان مع الرئىس المصري حسني مبارك.
الوضع الى المجهول. بكركي قالت كلمتها. لا حكومة من دون التيار الوطني الحر وحزب الكتائب، باعتبار ان «القوات اللبنانية» لم تشارك أساساً في الحكومة.
لبنان أمام مأزق صعب، ماذا اذا استمرت المراوحة الحالية، او الانحدار الحالي، الى 30 ايلول المقبل، واستقالة الحكومة دون توقيع وزير الدفاع سمير مقبل على قرار التمديد لقهوجي؟ في هذه الحال سيصبح لبنان من دون رئىس جمهورية ومن دون قائد للجيش في ظل الحرائق التي تضرب المنطقة.

ـ البطريرك... بطريرك الموارنة ـ

وليس خفياً ان هناك بين الوزراء المسيحيين الثمانية من كان يراهن على تغطية من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قبل ان تصل الى احد هؤلاء الوزراء رسالة مقتضبة ظهر أمس «لا تنسَ ان البطريرك هو بطريرك الموارنة».
ولكن هناك بين الوزراء المسيحيين من يعتبر ان تعيين قائد للجيش في غياب رئىس الجمهورية هو مس بالاصول التي ترعى وضع رئىس الجمهورية الماروني والذي ما تبقى عرفاً من صلاحياته تعيين قائد الجيش باعتبار ان الرئيس هو دستوريا، القائد الاعلى للقوات المسلحة.
وهؤلاء الوزراء يقولون ان من الضروري جداً ابقاء موقع قيادة الجيش بمنأى عن التجاذب السياسي الذي هو، في الواقع تجاذب مصالح، ومع اعتبار انه مع غياب رئيس الجمهورية فان قائد الجيش العتيد بعدما تأكد اختلاف القوى المسيحية حول البديل سيتم اختياره من قبل طوائف اخرى.
اللعبة السياسية تصل الى هذا الحد، اليرزة تفضل ان تقفل النوافذ، وان تقفل الآذان. قهوجي ينفذ ما تقرره السلطة السياسية. هو سيكمل مهمته حتى 30 ايلول. اذا لم يصدر قرار التمديد او قرار تعيين البديل، فسيبادر الى تقديم التحية للعلم ثم يغادر...
واذا كان الرئيس نبيه بري قد قال في اوائل عام 2014 ان انتخاب رئيس للجمهورية سيفجر الاصطفاف الثنائي (8و14 آذار)، فما يقال الآن، من رفض للحكومة واتهاهما باللاميثاقية، ومن خلاف كبير حول قيادة الجيش، سيؤدي الى تغيير دراماتيكي في الخارطة السياسية، ونقطة انطلاقة تفجير العلاقات بين بري الذي يريد للحكومة ان تبقى ولو لم يبق منها سوى الهيكل العظمي، وعون الذي يفضل سقوط الحكومة، وبقاء المؤسسة العسكرية من دون قائد، اذا لم يعين قائد جديد للمؤسسة.

ـ الوزراء المسيحيون ـ

مرجع سياسي بارز قال لزواره ان بيد الوزراء المسيحيين الثمانية اما خراب الحكومة ومعها خراب الدولة، او الصمود والمضي في ممارسة مهماتهم دون الاخذ باي ضغوط «سياسية او روحية».
لا بل ان هناك من يسأل، وقد وصلت العلاقة بين بري وعون الى ما وصلت اليه، ما اذا كانت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 7 ايلول  المقبل ستطلق مفاجأة كبرى، انتخاب النائب سليمان فرنجية ليكون الرئيس اللبناني الثالث عشر مع الحديث عن امكانية تحقيق نصاب الثلثين.
الامور قد لا تصل الى هذا الحد، لكن اتصالات جرت وانتهت الى الاتفاق على عدم الاستسلام لعون على ان تعقد جلسة اليوم، ولكن دون اي قرارات استفزازية وربما من دون قرارات «اجلالاً» لقرار المقاطعة من قبل وزيري التيار جبران باسيل والياس بوصعب اللذين انضم اليهما وزير الطاشناق ارتيور نظريان.
مجرد انعقاد جلسة اليوم، حتى ولو كانت  شكلية، يعني ان الرئيس تمام سلام الذي اكد حرصه على ادارة الجلسة دون ان يتجاوز غياب باسيل وبوصعب، قد قبل التحدي، وقال انه ماض في تحمل مسؤوليته الوطنية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد.
واكد «اننا سنبقى حراساً لهذا الهيكل، وسنبقى في موقع المحافظة على الامانة بكل ما اعطانا الله من قوة، ولن نتراجع ولن نضعف ولن نسقط امام التحدي».
ولدى اتصال سلام ببري، ابلغه بان وزيري كتلة التنمية والتحرير علي حسن خليل وغازي زعيتر سيحضران جلسة اليوم «وكان الرأي موحداً في ان يستأخر اي قرار يتسم بالاهمية في هذه الجلسة، على ان يهدينا الله جميعاً في الجلسة المقبلة».
وكان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قد اصدر بيانا جاء فيه «اننا انطلاقا من حرصنا على ضرورة احاطة عمل مجلس الوزراء بمناخات الشراكة الايجابية بين كل مكوناته، وخصوصاً في هذه المرحلة، نطالب دولة الرئيس سلام بتأجيل موعد الجلسة افساحاً في المجال امام الاتصالات والمشاورات بين مختلف مكونات الحكومة لتلافي بعض الالتباسات والمعوقات»
وفي اطار «اللقاء التشاوري» اعلن خمسة وزراء مسيحيين (بطرس حرب، رمزي جريج، سمير مقبل، اليس شبطيني، سجعان قزي) «رفض بعض المواقف التي تهدد انعقاد جلسة مجلس الوزراء»، كما رفضوا «تعطيل عمل المؤسسات الدستورية والتمسك بان يتحمل مجلس الوزراء مسؤولياته، واذا كانت القضية تعطيل مؤسسة مجلس الوزراء فلا حاجة اطلاقاً لبقاء الحكومة او البقاء فيها».
«الديار» سألت اكثر من وزير حول سبب اصرار سلام وبعض القوى السياسية على التئام جلسة مجلس الوزراء اليوم، فكانت الردود متطابقة تقريباً، وهي انه اذا رضخت الحكومة للتهديد والغت جلستها، فمعنى ذلك انها لن تستطيع ان تعقد اي جلسة اخرى.
وفي الاجابات ان ثمة سبباً اساسياً آخر وهو التأكيد على ان الميثاقية موجودة في الحكومة لجهة التوازن الطائفي، وهو الاساس في الميثاقية، اما ربط الميثاقية بالتوازن السياسي فهذا يفقد الحد الادنى من الاصول الديموقراطية...
والى ذلك، تأكيد بان الحكومة لن تسقط لا تحت الضربات الاعلامية ولا بفعل النزول الى الشارع «الذي لا يخدم اي جهة، خصوصاً اذا ما رفعت الشعارات الطائفية كما لاحظنا في التصريحات الاخيرة والخطيرة في آن».
احد هؤلاء الوزراء قال لـ«الديار» هل التمديد لقائد الجيش او لتعيين قائد جديد علاقة بالشراكة ما دام الاثنان ينتميان الى الطائفة المارونية، وما دامت المسألة تتعلق بالتجاذب السياسي لا اكثر ولا اقل...
اضاف «حتى ولو ادت مساعي الساعات الاخيرة الى ارجاء الجلسة، وهذا ما استبعده، فان الحكومة ستواصل مهمتها وستكمل طريقها».
واشار الى ان بري وسلام يصران على انعقاد الجلسة لان انهيار الحكومة ممنوع لبنانياً قبل ان يكون ممنوعاً دولياً...
في سياق متصل، اعتبر رئيس المجلس النيابي السابق حسين الحسيني «ان الحكومة في الاصل غير شرعية، وبالتالي لا تحتكم الى الميثاق الوطني، وبالتالي لا يمكن تعطيلها»، متحدثاً عن نوع من «التخبيص» في النظرة الى الميثاق».
واوضح «ان التمثيل في مجلس الوزراء تمثيل وطني وليس طائفياً او مذهبياً حتى اذا ما تأمن الثلثان يكون النصاب قانونيا».