يتأكّد يوماً بعد يوم، أن لا سقف للمدى الزمني الذي ستبقى فيه السلبية هي المتحكّمة بالمشهد الداخلي على كلّ المستويات، وبالتالي محكومٌ على اللبنانيين أن يبقوا في سجن الانتظار إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، فأبواب الفرج السياسي مقفَلة بالكامل، رئاسة جمهورية يأكلها الفراغ والمكايدات، وتكاد تصبح حلماً. ومجلس نيابيّ ذاهب في رحلة تعطيل طويلة ويكاد يَطويه النسيان، وحكومة غادرَت الفعالية والإنتاجية وحوّلت نفسَها منصّةً للاشتباك السياسي على أبسط الأمور، حتى على جنس الملائكة. وأمّا باب الفرج الاقتصادي فإنّ العثور على مفتاحه يتطلّب معجزة. وربّما إعادةُ توليد موازنة عامة للمرّة الأولى منذ العام 2005 من شأنها أن تعيد تشغيلَ البلد، وربّما تعطي بعضَ الأمل بسلوك الملف المالي والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، الاتّجاه الصحيح.
مِن الطبيعي وسط هذه الأجواء، عدم التعويل على أيّة نتائج نوعية أو حتى عادية من «ثلاثية الحوار» بدءاً مِن 2 آب المقبل، خصوصاً وأنّ مختلف القوى السياسي تقارب هذه «الثلاثية» بوصفها لزومَ ما لا يلزم، وفي أحسن الأحوال واحدة من الجولات الحوارية، التي يدلي فيها كلّ طرف بدلوه ويؤكّد على ثوابته ومسلّماته، من دون القدرة على ابتداع حلول أو التراجع عن قناعات، حتى ولو كانت خاطئة، ولا تقاربها بوصفها «ولادة حلول»، خصوصاً وأنّ الملفات التي تتناولها هي الأكثر تعقيداً أو الأكثر استحالةً في إمكان صياغة تفاهمات حولها، سواء رئاسة الجمهورية والانقسام الحاد حولها، أو الحكومة المقبلة التي يحكمها المجهول، أو القانون الانتخابي العالق، لا بل الثابت ما بين تفصيله توجّهات ورؤى وأفكاراً تفصّله بحسب المقاسات السياسية والتقسيمات المصلحيّة. ولعلّ جلسة اللجان المشتركة بالأمس، خير مثال على ذلك.

رئيس مجلس النواب نبيه بري يعاكس كلّ الأجواء السلبية، وبحسب أوساطه، فإنه لا يرى موجباً للنعي المسبَق للجولات الحوارية، بل هي محطة وفرصة مهمّة لطرح الأمور الاساسية على الطاولة والبحث عن مخارج، ويَعتبرها «الخرطوشة الأخيرة»، لعلّنا نستفيد منها للولوج إلى الحلول، وخصوصاً حول رئاسة الجمهورية، التي برَز حولها موقف بالأمس من الرئيس سعد الحريري الذي كرّر الدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن، مؤيّداً القائلين بأنّ لبنان دخل موسوعة «غينيس»من حيث استمرار الفراغ الرئاسي.

إشتباك الاتصالات

من جهة ثانية، واضحٌ أنّ الرياح ما زالت تعصف بالحكومة، وشكّلَ ملف الاتصالات الشرارةَ التي أشعلت اشتباكاً عاصفاً خلال جلسة مجلس الوزراء أمس، ما بين وزراء «التيار الوطني الحر» ووزير الاتصالات بطرس حرب، إلى جانب الحملة العنيفة التي يشنّها وزراء «اللقاء الديموقراطي» على رئيس مجلس إدارة أوجيرو عبد المنعم يوسف « لمحاسبته وإقصائه».

فكلُعبة كرة الطائرة كانت النقاشات داخل الجلسة التي وصَف أجواءَها الوزير الياس بوصعب بالقول: «وزير بعللي ووزير بيكبس». وقد كرّسَت الجلسة الخلافَ الكبير حول الخلوي والإنترنت والتخابر غير الشرعي في حرب «حرب ـ باسيل» والذي لا يبدو أنّه سينتهي في أفقٍ منظور، ولو اقتربَ النقاش من حسمِ مصير يوسف. فقد علمت «الجمهورية» أنّ تيار«المستقبل» رفعَ الغطاء عنه، وبدأ الحديث عن بديل له لتولّي مركز مدير عام أوجيرو.

والمرشّح لهذا المنصب عماد كريدية، وقد لفتَ إلى هذا الأمر الوزير جبران باسيل لدى مغادرته، بقوله لـ»الجمهورية»: «لن يدوم الغطاء السياسي وغطاء الفساد طويلاً على عبد المنعم يوسف».

تقرير حرب

وعلمت «الجمهورية» أنّ حرب عرض 4 ملفّات تتضمن الإنترنت غير الشرعي، التخابر الدولي غير الشرعي، عقد أوجيرو الذي انتقل من المديرية العامة للإنشاء والتجهيز إلى يوسف، ووضع يوسف الذي يَعتبره وزراء «التيار الوطني الحر» غيرَ قانوني بعدما صادرَ صلاحيتين. ويتضمّن تقرير حرب ملخّصاً من 20 صفحة مرفقاً بكلّ المستندات التي يمكن لأيّ شخص أن يطلبها للاستفسار عن الملفّات الأربعة، وعددها نحو 700 صفحة.

وعرضَ حرب بطريقة سريعة هذا الملخّص. فقال رئيس الحكومة تمّام سلام: «ماذا تريدوننا أن نفعل؟ فأجاب الوزير جبران باسيل: «يا دولة الرئيس نقولها مرّةً جديدة، ليس هذا ما نريده.

نحن نريد أن نفهم كيف يحقّ لوزير الاتصالات أن يُبرم عقداً يَنقل فيه صلاحية المديرية العامة للإنشاء والتجهيز لصالح أوجيرو وعبد المنعم يوسف. أي، كيف يصادر صلاحيات ناجي أندراوس وبأي حق وأيّ موجب وأيّ سند؟ وكيف يلغي عقداً بقيمة 90 مليار ليرة لمصلحة عقدٍ بقيمة 170 مليار ليرة؟

هناك مرسوم تكلّفت بموجبه أوجيرو بأن تقوم بمهمّات وزارة الاتصالات، بما فيها إبرام عقود، لكنّ هذه العقود لا تصدر إلّا بمرسوم، وهنا نقطة الخلاف. المرسوم إمّا أن يكون عادياً أي بتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص، وإمّا يكون مرسوماً يصدر عن مجلس الوزراء.

حتى المرسوم العادي يحتاج إلى توقيع 24 وزيراً بدلا من رئيس الجمهورية، ونحن بغَضّ النظر وفي كلتا الحالتين نسأله كيف تصدِر مرسوماً بمفردك؟ وقدّمَ باسيل رأياً من ديوان المحاسبة يؤكّد أنّ العقد المبرَم من حرب ما كان يجب إتمامه وكأنّه عديم الوجود.

هنا تدخّلَ الوزير نبيل دوفريج وقال: «لو طبّقنا القرار 431 الذي يحرّر قطاع الاتصالات لَما كنّا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم».

وأدلى كلّ وزير بدلوه وقدّم معطياته وأفكاره، ولوحِظ أنّ الوزير وائل ابو فاعور دخلَ للمرة الاولى على خط هذا النقاش منتقداً كيف يمكن ليوسف أن يتولّى حقيبتين متناقضتين، داعياً إلى انتزاعهما منه واتّخاذ تدبير إداري اليوم بهذا الشأن، مهدّداً بالانسحاب من الجلسة.

أمّا الوزير محمد فنيش فطالب بمعالجة الخلل الإداري، سائلاً حرب عن الانترنت غير الشرعي وقضية الألياف الضوئية وعدم تشغيلها.
وتناوبَ الوزراء على الكلام منتقدين كلّ التجاوزات في الملفات المتعلقة بوزارة الاتصالات، فكان لكلّ وزير معطياته واتّهاماته وآراؤه.

فلم يُجب حرب بكلمة، واستمعَ إلى الوزراء من غير أن يتسنّى له الردّ، بعدما طلبَ منه سلام تأجيلَ الرد قائلاً: «إذا أراد وزير الاتصالات أن يردّ على كلّ ما أثرتموه فلن ننتهي اليوم، لذلك أقترح أن يؤجّل حرب ردّه إلى الجلسة التي تُعقد الخميس المقبل، على أن يكون هو البند الاوّل، لكن «بَدنا نِخلص»، ويجب أن يتّخذ مجلس الوزراء قرارات لبتّ هذا الملف على أساس ردّ حرب.

مصادر وزارية

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «إنّ النقاشات لم تتناول إقالة يوسف ومصيرَه، واتّخذت مسارين: التخابر الدولي غير الشرعي والإنترنت غير الشرعي الذي أصبح بيد القضاء، أمّا عَقد المديرية العامة للإنشاء والتجهيز فسينتظر مجلس الوزراء ردَّ حرب بشأنه».

وأضافت: «كلّ الوزراء أجمعوا على ضرورة حسمِ هذا الملف وعلى ضرورة أن يأتي حرب باقتراحات عملية طلبَها منه رئيس الحكومة». وقالت إنّ «عقود الخلوي لم تُبحث، وفي هذه النقطة على الأرجح أن يأخذ حرب باقتراح الوزير روني عريجي لحلّ الموضوع».

وعن حسم مصير يوسف أجابت المصادر: «يجب أن لا ننسى أنّ يوسف هو مدير عام الصيانة والاستثمار في وزارة الاتصالات بالأصالة، وإقالته تحتاج إلى قرار إداريّ سيكون من الصعب إصداره في هذه المرحلة، ما يمكن أن يحصل هو أن يبقى يوسف في مركزه، وتعيين بديل له في أوجيرو التي يشغلها وكالةً، وإذا كان هناك قرار سياسي، لا يبدو أنّه متوافر حتى الساعة، يوضَع يوسف في التصرّف. في كلّ الاحوال، فإنّ ردّ حرب والذي يمكن أن يحمل جديداً سيَحسم هذه المسألة».

قانون الانتخاب

إنتخابياً، لم تحمل جلسة اللجان النيابية المشتركة، التي أنقَذ نصابَها حضورُ نواب حزب الكتائب يتقدّمهم النائب سامي الجميّل، أيّ جديد في مناقشاتها التي راوَحت حول صيغة القانون الانتخابي من غير أن تتوصّل الى أيّ قرار نهائي، وبات جليّاً أنّ الجميع ينتظر ما ستؤول إليه ثلاثية الحوار المنوي عقدُه في مطلع شهر آب.

حمادة

وقال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «حاولَت اللجان المشتركة توجيه رسالة موحّدة الى الحوار بشأن قانون الانتخاب، وكان الجهد يصبّ في اعتماد حلّ من ضمن القوانين المختلطة، أي اقتراح الرئيس بري واقتراح «المستقبل» ـ «القوات» ـ «الاشتراكي». غير أنّ المواقف بقيَت متباعدة الى حدّ يَدفعني الى الاعتقاد بأن لا شيء سيتغيّر وبأنّ الحتمية الوحيدة هي إجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل بالقانون النافذ».

الجرّاح

ولفتَ عضو كتلة «المستقبل» النائب جمال الجرّاح الى أنّ كلّ طرف لا يزال متمسّكاً برأيه بالنسبة إلى قانون الانتخاب، وقال لـ»الجمهورية»: «لقد طرحتُ في الاجتماع مسألةً كان يمكن أن تدفعنا كثيراً إلى الأمام، أعني، التوجّه العام باتّجاه القانون المشترك، سواء المقدّم من «المستقبل» و«القوات» و«الحزب التقدمي» أو القانون المشترك المقدّم من الرئيس برّي، فلنصوّت على هذين القانون، لكنّ البعض اعترض مُذكّراً بأنّ القانون الأرثوذكسي أقرّ ونحن وافَقنا على النقاش في القانون المشترك وليس على إقراره، ولو قلتم لنا إنّكم تريدون التصويت لَما كنّا حضَرنا».
وأضاف: «واضحٌ أنّ هناك محاولة لمناقشة الموضوع على طاولة الحوار الوطني».

فيّاض

وكان النائب علي فيّاض قد ذكّرَ بموقف كتلة «الوفاء للمقاومة» الذي لا يزال لغاية الآن، النسبية الكاملة، وأوضَح أنّ «نتائج النقاش حتى الآن صِفر»، مؤكّداً أنّ «كلّ الأنظار متّجهة الآن إلى الحوار الوطني في جلساته الثلاث المتتالية بدءاً من الثلثاء المقبل».

الجيش متأهّب

أمنياً، فرضَ الخطر الإرهابي الذي يتهدّد لبنان، تعزيزاً لجهوزية الجيش اللبناني في مواجهته على امتداد المساحة اللبنانية، والعين العسكرية مسلّطة على مكامن هذا الخطر، سواء في بعض المخيّمات الفلسطينية (مخيّم عين الحلوة) أو في مخيّمات النازحين السوريين، أو على الحدود منعاً لتسرّب الإرهابيين إلى الداخل اللبناني.

وخصوصاً إلى القرى المسيحية المحاذية للحدود والتي قد لا تتوانى المجموعات الإرهابية عن محاولة تكرار سيناريو القاع فيها، وكذلك إلى بلدة عرسال التي توفّرَت معلومات للقوى العسكرية والأمنية عن نيّات خبيثة تبَيّتها المجموعات الإرهابية، من «داعش» و«جبهة النصرة»، ضدّ البلدة وأبنائها.

واللافت للانتباه في هذا السياق أنّ الجيش يضع البقاع الشمالي في عين الرعاية والرَصد، بالتوازي مع إجراءات وتدابير عسكرية مشدّدة في تلك المنطقة وعلى امتداد الحدود اللبنانية السورية.

يأتي هذا في وقتٍ تبقى الأولوية لدى الجيش، وفي سياق حربه التي يخوضها على الإرهاب، هي ابتداع السُبل الآيلة إلى تفعيل قدراته لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين، وفي هذا الإطار تندرج المناورات التي درجَ على إقامتها في الآونة الأخيرة، ومِن ضمنها المناورة العسكرية التي نفّذها في الساعات الماضية في السلسلة الشرقية.

وقال مصدر عسكري لـ«الجمهورية» إنّ «ما ميّزَ المناورة هو أنّ وحدات المدفعية المشاركة نفّذت رمايات مدفعية وصاروخية ضدّ مواقع المسلّحين في الجرود، محقّقةً إصابات دقيقة في الأهداف التي قصَفتها. وقد نُفّذت المناورة على طول انتشار مواقع الجيش على السلسلة الشرقية».

ولفتَ إلى أنّ «الهدف منها هو اختبار جهوزية الوحدات وأدائها، إضافةً إلى رفع مستوى التنسيق بين مختلف الوحدات والأسلحة، وهي جزءٌ من خطة دعمِ الجبهة الشمالية، وتعامل الوحدات على الأرض مع أيّ ظروف قد تطرأ، وقد حقّقت الأهداف منها وجاءت النتائج ممتازة»