تشهد بيروت، في ظل حالة الكوما الذي تستبد بالحياة السياسيّة، مواجهة خطيرة وغير مسبوقة، على خلفيّة الاتهامات المتبادلة والفضائح السياسيّة. يمكننا أن نقول إننا نشهد فوق المستنقع الآسن، منذ يومين، بوادر حرب طاحنة وضروس، من خلال شاشات التلفزيون، ما لبثت أن خفتت حدّتها مساء أمس، لكنّّها لم تنطفئ.

مواجهة، كما في الأساطير بين آلهة الإغريق الذين يتراشقون بالرعد والبرق واللعنات وجذوع الاشجار. مواجهة بين رجل أعمال يملك محطّة تلفزيونيّة اشتهرت بجرأتها، ونقدها (النسبي) لـ«الفساد»، وسياسي يمتلك أيضاً محطة تلفزيونيّة، وهو ليس بعيداً عن الأعمال، لكنّه على الأخص بعد عقود في السلطة، أحد بارونات النظام السياسي اللبناني، نظام المحسوبيات والمحاصصات والبزنس على أشكاله. بل هو الرقم الصعب في معادلة هذا النظام الذي يحكم الخناق على شعبه… على شفا الانهيار العظيم، في البيئة والاقتصاد والقضاء والماء والكهرباء و… لقمة الخبز. لكن أحداً لم يتجرأ حتى اليوم، على انتقاده، بصراحة ووضوح، وبصوت عال كما فعل تحسين خيّاط من خلال محطّته «الجديد»، حين ترك لصحافييه أن يوجّهوا سهامهم المشتهاة إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التقرير الطويل الذي بثته «الجديد» مساء الثلاثاء، وجاء أشبه بفيلم قصير، ترك الجمهور أمام حالة ذهول. صراع مصالح ربّما بين الرجلين، لكن نتائجه كسرت أحد محظورات الحياة السياسيّة اللبنانيّة المحاصرة بالمساومات والخطوط الحمراء.


وفي الليلة التي بلغ الخلاف أوجه بين محطتي «الجديد» وnbn، ومن خلفهما خياط وبري، أطلق مجهولون فجر أمس النار على المكاتب الفارغة لرئيس مجلس إدارة «الجديد». «٢١ طلقة» حسب تقرير المحطة، كانت كافية لتهزّ الرأي العام، وتستوجب منّا كل التضامن مع زملائنا. فالرصاص «مُحاور» مرفوض في الحياة السياسيّة والاعلاميّة! «الجديد» في مقدمة النشرة الاخبارية أمس اعتبرت أن ااـرصاص هو «رصاص دولة الرئيس نبيه بري ضدها اذ يبدو أن داعش فتح فرعاً له بين عين التينة وبئر حسن». وبحسب المحطة، ما سبق حصل ردّا على التقرير الذي كانت أوردته حول سعي «وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر ومن خلفه بري إلى تلزيم مشروع مواقف مطار بيروت الى شركة «الخرافي» الكويتية (التي لا يجهل أحد العلاقات الوطيدة التي تربطها بدولة الرئيس برّي)، بهدف تأمين تمويل قناة الـ nbn، في تخط واضح للقانون ومجلس شورى الدولة». وكان تلفزيون بري ردّ على المقدمة بمقدمة أخرى تصف فيها خياط بـ «الدجال» ومحطته التلفزيونة بـ «الدكانة». وازداد الأكشن طرافة، حين هبّت mtv قناة آل المرّ لتساند قناة بري، رداً لثأر قديم بينها وبين «الجديد».
يوم أمس، تأجج الخلاف بين المحطتين أكثر وبدا ذلك واضحا عبر مقدمتي النشرتين الاخباريتين، اذ اعتبرت الـnbn أن حملة «الجديد» على بري ليست سوى اقتصاص من رئيس مجلس النواب الذي أوقف «صفقات وسمسرات» خياط. أما اتهام القناة بالتحريض فليس سوى «استغلال الرصاصات في التهجم على بري». ونصحت خياط «بالتخييط بغير هالمسلة». والقصة كما أوردتها الـnbn تعود الى عامين حين سعى الخياط وشركاه لاتمام صفقة بالتراضي تتعلق بصيانة وتشغيل معملي كهرباء الزوق والجية بقيمة 207 ملايين يورو. يومها، بحسب nbn، «اعترضت وزارة المالية من خلال تقرير أرسلته الى وزارة الطاقة لاعادة النظر بسعر الصفقة. وهو ما ادى الى تعطيلها». المقدمة قابلتها مقدمة أخرى، والصفقة صفقة مضادة، ففندت «الجديد» تفاصيل حصول «الخرافي» على مشروع مواقف المطار، بعدما كانت فازت به شركة أخرى. كيف؟ نتيجة استدعاء بري للمدير العام لادارة المناقصات من أجل تغيير دفتر الشروط ليلائم شركة «صديقه».
الخلاف بين بري وخياط ليس جديدا على ما تقول مصادر بري، بل بدأ منذ عدة أشهر على خلفية منع أحد المسؤولين في الحكومة الليبية المعترف بها من دخول لبنان. المنع استبق تهيّؤ حركة أمل للتحرك ضد المسؤول الليبي، على خلفية عدم تعاون حكومته في الكشف عن مصير الإمام موسى الصدر. وهذه الخطوة، بحسب المصادر، أدّت الى افشال اتفاق مفترض بين رئيس مجلس ادارة الجديد والزائر الليبي. إذ أشيع يومها عن قدومه «لاقرار اتفاق يقضي تسليم الأول طباعة الكتب المدرسية وغيرها في ليبيا، على غرار الاتفاق القديم بين خياط والقذافي».
بين هذا الهجوم العنيف وذاك الرد الأعنف، يتفرّج الجمهور اللبناني مشدوهاً على لعبة التراشق بالتهم. ترفيه اضافي في ليالي الصيف الحارقة، يلهيه عن مشاكله المزمنة التي لا حلّ لها في الأفق. واكتشاف لاسرار الجمهوريّة، والمقلب الآخر من الحياة الاقتصاديّة والسياسيّة والاعلاميّة في بلاد الأرز. ترى ما الذي سيحدث الآن؟ وإلى أين يمكن أن تصل المواجهة؟