احتضنت بلدة القاع البقاعية وسط أجواء من الحزن البالغ، جثامين شهدائها الخمسة الذين افتدوا الوطن في التفجيرات الانتحارية التي طالت البلدة وسقط الى جانبهم قرابة ثلاثين جريحاً لا يزال بعضهم في حال خطرة في المستشفيات. 

وكان أبناء البلدة تجمعوا منذ ساعات الصباح لتهيئة الكنيسة ومدفن البلدة لاستقبال جثامين الشهداء رافق ذلك انتشار واسع للجيش اللبناني وفوج المجوقل وكافة الأجهزة الأمنية على الطريق الرئيسية المؤدية للبلدة وفي الطرقات الداخلية ومناطق السهل والمرتفعات المحيطة تحسباً لأي أمر طارئ قد يحدث.

ووصلت جثامين الشهداء قرابة الثالثة والنصف من بعد الظهر الى ساحة كنيسة مار الياس وسط نثر الأرز والورود والزغاريد وأُدخلت الى قاعة الكنيسة التي غصّت بأهالي وأقرباء الشهداء وأهالي البلدة لبدء مراسم الجناز الذي شارك فيه وزير السياحة ميشال فرعون ممثلاً رئيس الحكومة تمام سلام، النائب اميل رحمة ممثلاً الرئيس نبيه بري، محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر ممثلاً وزير الداخلية نهاد المشنوق، العميد حسن المعلم ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، النقيب أبو زكي ممثلاً رئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان، النائب انطوان زهرا ممثلاً الدكتور سمير جعجع، وزارء سابقون ونواب، السفير البابوي في لبنان غبريال كاتشيا، راعي أبرشية بعلبك دير الأحمر للموارنة المطران حنا رحمة، راعي أبرشية بعلبك للروم الكاثوليك المطران الياس رحال، ضباط وقادة الأجهزة الأمنية وفعاليات سياسية ودينية وحشد من أهالي المنطقة.

وشدد الرقيم البطريركي الصادر عن بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام على «الوقوف صفاً واحداً مع هذه البلدة المباركة التي تودع اليوم شهداءها وتتذكر شهداء الحرب اللبنانية». 

وأكد المطران الياس رحال في كلمة أن «بلدة القاع هي صخرة لبنان، وعلى هذه الصخرة تكسر الإرهابيون وفتحت لهم أبواب الحجيم، أما شهداؤنا ففتحت لهم أبواب السماء، وإلى هناك انتقلوا وسيدفنون في أرض القاع أرض الشهداء والعزة والكرامة«.

ولفت إلى أن «هذه الأرض هي أرضنا، أرض القداسة وصخرة المحبة ونعيش فيها بمحبة تامة وبانفتاح تام مع أهلنا في محافظة بعلبك الهرمل»، لافتاً إلى أنه «بقلوب منفتحة وأيادٍ ممدودة سنتعاون معاً للعيش بكرامة وفخر في المنطقة، لأن جميعنا عيشنا واحد وحياتنا واحدة، لا نفرق بين دين ودين وبين طائفة وطائفة وبين إنسان وإنسان، لننتصر على الإرهاب والتكفير«.

وأكد أن «شهداءنا في القاع هم شهداء الوطن وماتوا عن جميع اللبنانيين، وهم وقفوا في جه الإرهاب وقدموا أرواحهم فداء جميع اللبنانيين»، وطلب من الحكومة أن «تنظم من هم من حولنا، أي الـ20 ألف نازح الذين يتنزهون كيفما يريدون»، مشدداً على «ضرورة إغلاق الثغرات التي يتسللون منها، وأن تكون مشاريع القاع منطقة عسكرية تامة لكي لا تُعاد هذه الفاجعة».

من جهته، شدد كاتشيا خلال مراسم الجناز على أنه «لا يجب أن ننجرف أبداً الى العنف»، مشيراً الى أن «المسيح يقول إنه إذا سلمتم على من يحبكم فما الشيء المميز الذي فعلتموه، وهناك من يسير على مبدأ العين بالعين والسن بالسن، والمسيح يقول أحبوا أعداءكم وصلوا للجميع«.

وكان وفد مشترك من «الرابطة المارونية« و«المؤسسة المارونية للانتشار« ضم النقيب انطوان قليموس، نعمت أفرام ونائب رئيس المؤسسة شارل الحاج وعدداً من أعضاء المجلس التنفيذي للرابطة توجه إلى بلدة القاع وقدم العزاء بالشهداء الذين سقطوا في التفجيرات الإرهابية التي ضربت البلدة، ثم عقد اجتماع موسع في بلدية القاع ضم قليموس وأفرام ورئيس البلدية بشير مطر، رئيس بلدية الفرزل ملحم الغصان ومختارها هاني ضاهر ورجل الأعمال ميشال ضاهر ونائب رئيس «حركة لبنان الرسالة» العميد خليل حلو.

وبعد عرض مفصل للواقع الذي تعانيه القاع وقرى المنطقة على كل المستويات تلا قليموس بياناً أشار فيه إلى أنه تم الاتفاق على مجموعة من الإجراءات لتعزيز ثبات أبنائها في أرضهم، وتقرر اعتبار الاعتداء على القاع اعتداء على كل لبنان من دون أي تمييز.

وطالب المجتمعون الحكومة بـ«إعلان القاع ومشاريع القاع ورأس بعلبك منطقة عسكرية يتولى الجيش مسؤوليتها«، وتطبيق قرار وزارة الداخلية الخاص بتعزيز قدرات الشرطة البلدية، وتعزيز وجود قوى الأمن الداخلي «التي يعتبر حضورها ضعيفاً حتى الآن«.

كما طالبوا رئيس الحكومة بـ«اتخاذ القرار اللازم لتخصيص المبالغ المطلوبة في أسرع وقت لإغاثة بلدة القاع بواسطة الهيئة العليا للإغاثة، والطلب إلى وزارات المال والإتصالات والداخلية التنسيق واتخاذ ما يلزم للإسراع في حصول البلدية على حقوقها من الصندوق البلدي المستقل«.

وأعلن المجتمعون عن تأسيس «صندوق لدعم صمود الأهالي ومساعدة أسر الشهداء والاهتمام بالجرحى« بمبادرة من الرابطة المارونية ، وتعهد الوفد «إجراء الإتصالات اللازمة مع وزارة التربية والمؤسسات التربوية المسيحية لدعم تعليم أبناء المنطقة وتخفيف كلفة الأعباء المدرسية عنهم وإعادة دور القاع كمركز استقطاب للتعليم في البقاع الشمالي«، واعتبر المجتمعون «اجتماعاتهم مفتوحة« وكلفوا رئيس البلدية متابعة تنفيذ المقرارات«.

إلى ذلك، عاد المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار المتطوع مروان مطانوس ليوس في مستشفى الجعيتاوي، حيث أدخل يوم الإثنين الماضي ليعالج من حروق بالغة تعرض لها عند قيامه بإغاثة جرحى انفجار القاع، ليطمئن على صحته. وتمنى له الشفاء العاجل ومعزياً أهله الذين استشهد ابنهم الآخر في الانفجار نفسه. وأثنى خطار على «الجهود الجبارة التي يقوم بها عناصر الدفاع المدني تلبية لنداء الواجب مقدمين الغالي والنفيس في سبيل تأدية الرسالة الإنسانية التي يؤمنون بها«. 

وقدّم مفتي بعلبك الهرمل الشيخ خالد صلح على رأس وفد من العلماء واجب العزاء في البلدة متمنياً الشفاء العاجل للجرحى. وأكد «أهمية حصرية السلاح بيد الشرعية المتمثلة بالمؤسسة العسكرية وأن لا يكون هناك سلاح غير شرعي على الأرض اللبنانية«.

الى ذلك، أعلن المحافظ خضر، خلال مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر أمس «منع سير الدراجات النارية في المحافظة إلا بإذن رسمي«، مؤكّداً أن «أمن المواطن اللبناني فوق كل اعتبار، ونرفض إعطاء اللبناني دروساً بالضيافة والسوريون ضيوف لدينا«.

وإذ شدّد على أن «الإرهاب لا دين له ولا جنسية«، طالب النازحين السوريين بأن «يتعاونوا معنا لنتمكن من القضاء على الإرهابيين»، مشيراً الى أن «الهدف من الانفجارات فشل، ولن ننجر لمواجهات لبنانية سورية«.

*استنكرت نقابة «مخرجي الصحافة ومصممي الغرافيك« في بيان، «الهجمات الإرهابية التي ضربت بلدة القاع الحدودية والتي وإن دلت على شيء، تدل على مدى ما وصلت اليه يد الإرهاب والتكفير من انحطاط أخلاقي عميق»، داعية «الأجهزة الأمنية الى الوقوف بقوة وحزم في وجه هذه القوى الظلامية«. وطالبت أهل السياسة والسياسيين بـ«الترفع عن صغائر الأمور وتحكيم ضمائرهم والمبادرة فوراً الى انتخاب رئيس للجمهورية لما فيه من انتظام للأمور في البلاد«.

كما استنكرت «رابطة مخاتير البقاع الشمالي« التفجيرات الإرهابية في بلدة القاع، ودانت في بيان «التفجيرات الإرهابية التي طالت أهلنا الآمنين في منازلهم في بلدة القاع وترويعهم، والتي تعتبر جريمة في حق الإنسانية من دون تمييز بين إنسان وآخر ودين وآخر«.

ودعت «أهلنا في منطقة بعلبك الهرمل خصوصاً، ولبنان عموماً الى الوقوف صفاً واحداً خلف المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية لمواجهة هذا الإرهاب للحفاظ على وحدة وطننا بجميع أطيافه، متمسكين بالعيش المشترك وبثالوث الجيش والشعب والمقاومة، سائلين الله الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى«.

وفي تعبير عن رفض الإرهاب بكل أشكاله، نفّذ عدد من الناشطين في مدينة طرابلس وقفة تضامنية مع أهالي القاع في ساحة عبد الحميد كرامي (النور)، لفتوا خلالها إلى أن «هذه الوقفة هي موقف رمزي من هذه المدينة المناضلة التي يشهد لها الوطن اللبناني بوقوفها الدائم إلى جانب القضايا الوطنية»، معتبرين أنهم يوجهون «رسالة لكل الشعب اللبناني لنقول بأن أي قطعة من لبنان تتعرض لأي شيء يقف معها لبنان كله، وطرابلس هي جزء من هذا الوطن وطرابلس وكل أهلها رافضين للإرهاب«.