صارت بروكسيل بحق أمس عاصمة لأوروبا، فالمدينة التي تضم مؤسسات الاتحاد الأوروبي تلقت الضربة المتوقعة على نطاق واسع منذ هجمات باريس في تشرين الثاني 2015. الهدف كان سهلاً وموجعاً، إذ نفذ الانتحاريون من الثغرات الأمنية في وسائل المواصلات، مطار ومحطة مترو، ليثبتوا مرة جديدة أن أذرع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي تبنى العملية واعداً بالمزيد، بالغة التنظيم والثبات في قلب أوروبا، على رغم العمليات الأمنية لمكافحة الإرهاب في الخارج.
توقيت العملية أثار تساؤلات، إذ جاء بعد أيام من توقيف صلاح عبدالسلام، المشتبه فيه الوحيد في هجمات باريس الذي لا يزال حياً، في بروكسيل نفسها، وقد يكون توقيفه عجّل في الهجوم. غير أن المدعي العام الفيديرالي فريديريك فان لو صرح في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال بأنه "لا يزال من المبكر جداً إقامة صلة مع هجمات باريس"، مع العلم أن بلجيكا كانت تعيش هاجساً أمنياً متصاعداً منذ تشرين الثاني الماضي. وإذ أعلن ميشال الحداد ثلاثة أيام بعد الهجمات الأكثر دموية في تاريخ البلاد والتي سقط فيها 34 قتيلاً، أكد تشديد الإجراءات الأمنية على حدودها.
ويبدو أن الهجوم كان يفترض أن يكون أكبر حجماً، إذ عثر على حزام ناسف لم ينفجر وقنبلة في مطار بروكسيل زافنتيم بعد الهجوم الذي استهدف كذلك محطة المترو في مايلبيك، على مقربة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وأعلنت النيابة العامة الفيديرالية أن عبوة ناسفة تحوي مسامير، إلى مواد كيميائية وراية لتنظيم "الدولة الاسلامية"، عثر عليها خلال عمليات دهم في شايربيك بمنطقة بروكسيل.
ودعت الشرطة البلجيكية الى التعرف على صورة التقطت لأحد منفذي الهجمات المفترضين. ونشرت الصورة في حسابها الرسمي بموقع "تويتر" تحت عنوان "من يعرف هذا الرجل؟"، وكان يرتدي سترة وقميصاً فاتحي اللون، ويضع نظارتين ويعتمر قبعة سوداء، ويدفع بعربة عليها حقيبة سوداء كبيرة.
وفي وقت سابق، نشرت السلطات البلجيكية صورة له الى جانب شخصين آخرين أسودي الشعر، وهم يدفعون بعربات في المطار المستهدف بقفازات سود. وفي وقت لاحق أعلن مصدر رسمي أنهم كانوا يضعون القنابل داخل حقائب.
وصدرت مذكرة التوقيف في حقه غداة مذكرة مماثلة أصدرها قاضي تحقيق في حق نجم العشراوي (25 سنة) الذي سافر إلى المجر في أيلول 2015 في رفقة صلاح عبدالسلام. ونظراً إلى رداءة الصور المأخوذة عن كاميرات المراقبة في المطار، لم يتضح ما إذا كان الرجل الذي يرتدي القميص والسترة هو نفسه العشراوي الذي تصدرت صورته الصفحات الأولى للصحف البلجيكية صباح أمس.
وأظهر التحقيق الأولي أن انتحاريَين "على الأرجح" فجرا اثنتين من العبوات الناسفة صباحاً في مطار بروكسيل.
وبعد الظهر سمح مجدداً للمسافرين بدخول محطة القطارات الرئيسية في وسط العاصمة، بمجموعات من عشرة أشخاص، في ظل مراقبة شديدة من رجال الشرطة والجنود. وكان من الصعب إجراء اتصالات هاتفية في العاصمة البلجيكية نتيجة الضغط على الشبكة. وأقفلت المراكز التجارية الكبرى والسوبرماكت في بعض أحياء المدينة. وأخليت جامعة وشُددت اجراءات الأمن حول المنشآت الأمنية وصدر نفي لإخلاء القصر الملكي.
وقد عم التعاطف مع بلجيكا أنحاء أوروبا، وحذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مواطنيه من السفر غير الضروري إلى بروكسيل. وأعلنت السلطات الإيطالية توقيف عراقي بموجب مذكرة أوروبية صادرة في حقه للاشتباه في فرنسا وبلجيكا في صلته بالإرهاب، وبهجمات باريس وبروكسيل.
وجاء في بيان مشترك لزعماء الدول الـ28 في الاتحاد الأوروبي أن ما تعرضت له بلجيكا "هجوم على مجتمعنا المنفتح والديموقراطي".
وقال مسؤولون أميركيون إن واشنطن لم تكن تملك معلومات استخبارية تحذر من تفجيرات في بلجيكا، لكنها أعربت عن اعتقاد قوي أن حصولها محتمل. وسارع الرئيس الأميركي باراك أوباما الموجود في كوبا إلى تأكيد التعاطف الكامل مع بروكسيل في مواجهة الإرهاب وأن الائتلاف الدولي الذي تقوده بلاده سيواصل ضرب تنظيم "الدولة الإسلامية".
وجاء في بيان نُشر بالانكليزية على الانترنت أن "مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية شنوا سلسلة هجمات بأحزمة ناسفة وعبوات استهدفت مطاراً ومحطة مترو في وسط العاصمة البلجيكية بروكسيل، الدولة التي تشارك في الائتلاف الدولي ضد تنظيم الدولة الاسلامية. المقاتلون فتحوا النار داخل مطار زافنتيم، قبل ان يفجر عدد منهم أحزمتهم الناسفة، كما فجر استشهادي حزامه الناسف في محطة مايلبيك للمترو".
وامتد الهاجس الأمني إلى المدن الأميركية، فسيرت الشرطة دوريات مسلحة بالرشاشات في "تايمس سكوير" في نيويورك، غير أن وزير الأمن الداخلي الأميركي جي جونسون نفى وجود معلومات استخباراتية عن مخطط لشن هجمات داخل الأراضي الأميركية.