بعد أيام على اعتقال السلطات البلجيكية العقلَ المدبّر لتفجيرات باريس صلاح عبد السلام، خلال مداهمة للشرطة أدّت إلى إصابته بجروح طفيفة في بروكسل يوم الجمعة الماضي، عاشت أوروبا عموماً وبلجيكا خصوصاً ساعات عصيبة بعد الاعتداءات الإرهابية التي استهدفَت مرافق حيوية ومفاصلَ أساسية في العاصمة بروكسل، كالمطار، الذي وقعَ فيه تفجيران انتحاريّان في صالة مغادرة الركّاب، ومحطة مترو أنفاق بالقرب من مقر بعثة الاتّحاد الأوروبي، التي شهدت تفجيراً ثالثاً، وخلّفَت هذه التفجيرات عشرات القتلى والجرحى (34 قتيلاً و187 جريحاً) ، ورفعَت السلطات مستوى الإنذار من خطر إرهابيّ إلى أقصى مستواه، وعزّزَت كذلك الانتشار الأمني في مطارات البلاد والمنشآت الحيوية، ولا سيّما في المحطات النووية. وتَردَّد صدى هذه الانفجارات التي أعلن تنظيم «داعش» الإرهابي، مسؤوليتَه عنها وتوعَّدَ بمزيد من العمليات في أوروبا، في عددٍ من العواصم العالمية، التي رفَعت حالات الطوارئ فيها، وسارعَت الولايات المتحدة الأميركية إلى تعزيز الإجراءات الأمنية في مطاراتها بنحو غير مسبوق، كذلك فَعلت بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولاندا وفرنسا، التي أكّد رئيسُها فرنسوا هولاند أنّ أوروبا كلّها مستهدَفة، فيما قال رئيس وزرائها مانويل فالس: «نحن في حربٍ، وفي مواجهة هذه الحرب، يجب تعبئة كلّ الهيئات». تفجيرات بروكسل التي شغلت العالم، سارَع لبنان الرسمي إلى التنديد بها، واعتبَر رئيس الحكومة تمام سلام أنّ ما شهدته بروكسل وقبلها اسطنبول وأنقره وباريس وغيرها، يؤكد أنّ المعركة مع الإرهابيين طويلة، وأنّ هناك حاجة أكثر من أيّ وقت مضى، إلى عمل دولي جدّي ومنسّق لضرب بؤَر الإرهاب أينما كانت.

وحضَّ الرئيس سعد الحريري كلّ الدول «على إرساء آلية تعاون دولي فعّال لمواجهة تحديات انتشار وباء الإرهاب، الذي بات يتخطّى حدود أكثر الدول أمناً وقوّة، ويطاول العالمَ بأسره».

وأكد «أنّ الأمر بات يتطلّب بَلورة أساليب مبتكرة ومتطوّرة تأخذ بالاعتبار مسبّبات انتشار هذا الوباء وتضَع المعالجات المطلوبة لإنهائه وسدّ كلّ الثغرات التي يَنفذ منها هؤلاء الإرهابيون لتنفيذ جرائمهم».

ودانت وزارة الخارجية تفجيرات بروكسل، وشدّد وزير الخارجية جبران باسيل على أنّ «المطلوب من الدول كافة تضافُر الجهود بغية مواجهة الإرهاب مواجهةً فعلية وحقيقية، إنطلاقاً من تحطيم قدراته العسكرية وتفكيك شبكاته الأمنية وتجفيف مصادر تمويله وتقويض مَن يُغذّيه فكرياً».

ورأى «حزب الله» أنّ هذه التفجيرات تؤكد مرّةً أخرى على خطر المجموعات الإرهابية، وتكشف أنّ النار التي تكتوي بها أوروبا خصوصاً والعالم عموماً هي نفسها النار التي أشعلتها بعض الأنظمة في سوريا وغيرها من دول المنطقة.

المشنوق

ومِن لندن، حصَل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على دعم بريطاني بقيمة 27 مليون دولار، وهي عبارة عن أجهزة ومعدّات لمطار بيروت، وأكد «أنّ الأولوية التي سيعطيها فور عودته إلى بيروت ستخصّص»لمعالجة الثغرات الأمنية في المطار، نظراً لخطورته، فالثغرات فيه قد توازي تلك التي كانت موجودة في مطار شرم الشيخ، وتَسبَّبت في تفجير الطائرة الروسية، وذلك حسب التقارير الغربية». وشَكا مِن أنّ «التجاوب كان محدوداً في مجلس الوزراء، الذي لم يأخذ في الاعتبار حجمَ الأخطار وانعكاساتها السلبية على سمعة مطار بيروت الدولية».

ولفتَ المشنوق إلى أنه التقى قائد جهاز أمن المطار العميد جورج ضومط الموجود حاليّاً في العاصمة البريطانية للقيام بدورة تدريبية، وأعطاه التعليمات اللازمة بضرورة «رفع الجهوزية الأمنية في مطار بيروت، إضافةً إلى الطلب من مختلف الأجهزة الأمنية رفعَ أقصى درجات الحيطة والحذر وتشديد الإجراءات الاحترازية».

وأشار إلى أنّه خلال أسابيع قليلة، وبناءً على مشاورات مع رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير المالية علي حسن خليل ووزير الأشغال العامة غازي زعيتر، سيكون لموضوع أمن مطار بيروت أولوية، وسنعمل على معالجته». وشدّد المشنوق على أنّ «الخيار الوحيد لمواجهة الإرهاب هو بالمزيد من التعاون الأمني والتنسيق بين مختلف الجهات الأوروبية والعربية والدولية لمواجهة التطرّف».

مصدر عسكري رفيع

وفي وقتٍ يخوض الجيش اللبناني معركة مع الإرهاب على طول السلسلة الشرقية، ويُلقي القبض على الشبكات في الداخل، بَرزت أمس زيارة مساعد قائد القوات البرّية في القيادة الوسطى الأميركية اللواء وليم هيكمان على رأس وفد عسكري إلى لبنان، حيث التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي في اليرزة.

وأكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «لقاء قهوجي وهيكمان كان إيجابياً، حيث تمَّ بحثُ التعاون العسكري والتنسيق بين الجيشَين اللبناني والأميركي»، مشيراً إلى أنّ «هيكمان أكّد استمرار الدعم الأميركي للجيش اللبناني في مجال التدريب والتسليح، خصوصاً أنّ موقف واشنطن واضحٌ وحازم في هذا الخصوص، وأنّ مساعداتها العسكرية إلى الجيش اللبناني مستمرّة تلبيةً لحاجاته من الأسلحة والذخائر، وهي تَدعمه في حربه ضدّ الإرهاب ولحفظِ الأمن والاستقرار الداخلي، ولا تَراجُع عن هذا الأمر».

فرصة أميركية

أمّا الفرصة الأميركية لدعم الاستقرار النقدي والمالي والمصرفي في لبنان بموازاة الدعم الأمني والعسكري للجيش اللبناني، فلمسَها وزير المال علي حسن خليل في لقاءاته في واشنطن، حيث نَقلت له مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى والأوسط آن باترسون أنّ الإدارة الأميركية تَبذل جهداً مع دول مجلس التعاون الخليجي وتحديداً السعودية والإمارات، لإعادة النظر في موقفها.

ونَقلت إليه أنّها لمست من هذه الدول عدمَ الاستمرار بأيّ إجراءات تساعد على إضعاف لبنان. كما أكدت له التزامَ بلادها بدعم الجيش اللبناني واعتباره شريكاً أساساً في مواجهة الإرهاب، وقيَّمت إيجاباً زيارةَ قائد الجيش العماد جان قهوجي الأخيرة إلى الولايات المتّحدة.

خليل

وقال خليل لـ«الجمهورية»: «لمسنا في كلّ اللقاءات التي أجرَيناها مع المسؤولين الأميركيين، سواءٌ لدى الخزانة الأميركية أو الديبلوماسيين، أنّ هناك التزاماً جدّياً بدعم لبنان، والأجواءُ يمكن تصنيفها بالمفيدة والإيجابية. وعرَضنا وجهة نظرِنا بشكل واضح وصريح، مع الأخذ في الاعتبار حساسية المكوّنات اللبنانية وعدم التعرّض لأيّ منها، حيث يمكن أن ينعكس ذلك على استقرار لبنان».

وأضاف: «لمسنا أيضاً لدى المعنيين تفهّماً لحساسية الوضع اللبناني، إنْ كان في ما يتعلق بالإجراءات المتصلة بالقطاع المصرفي والنقدي، أو في الجانب السياسي، وتَلقّينا تطمينات بتجميد الإجراءات التي تمسّ استقرار لبنان.

وهناك فرصة سنحاول تثميرَها لمصلحة الاستقرار الداخلي في لبنان لتجاوز نتائج التداعيات السلبية لِما يمكن أن يُتّخَذ من قرارات. والمسؤولون الأميركيون أكّدوا لنا أنّ إجراءاتهم لا تَستهدف مجموعات لبنانية، وبالتحديد لا تستهدف الطائفة الشيعية، وأخَذنا وعداً بالتدقيق الجدّي والمراجعة لأيّ إجراء سيَحصل على هذا الصعيد.

جلسة الانتخاب

رئاسياً، لا تغييرَ متوقّعاً في المشهد الرئاسي، على رغم بلوغ عدّاد الجلسات الانتخابية اليوم الرقم 37، وبالتالي سيسجّل اليوم تمديد إضافي للشغور وموعد جديد لجلسة انتخابية جديدة.

برّي

وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمس إنّ حَلحلة الأمور تتوقّف على انتخابات رئيس الجمهورية. وأكد مجدّداً أنّ ثمرة الاستحقاق الرئاسي نضَجت، لكنّه يخشى سقوطها، وشدّد على أنّ لبنان لا يمكن له أن يفرّطَ بالمقاومة أو أن يتنازلَ عنها طالما إسرائيل لا تزال في أرضنا» وأكد «أنّ استعادة زخم العلاقة بين السعودية وإيران يمثّل ضرورة إسلامية وعربية، ويمثّل ضرورة لبنانية، وكذلك سوريّة وعراقية ويمنية وبحرينية، وإلى آخر المشوار، ولا بدّ مِن وقف التحديات ووقفِ التوترات السائدة، نظراً لِما لها من انعكاسات مرّة على شعوب المنطقة».

«الإصلاح والتغيير»

مِن جهته، اعتبَر تكتّل «الإصلاح والتغيير» أنّ جلسة الانتخاب اليوم مصيرُها كسابقاتها، وأكّد أنّ «النصاب ينشأ من الميثاق بدليل نسبة الثلثين، فإنْ راعَينا الميثاق تَأمَّن نصاب الحضور تمهيداً لتأمين أكثرية التصويت المنصوص عنها في الدستور لانتخاب رئيس للجمهورية».

وردّ «التكتّل» على برّي من دون أن يسمّيه، وقال: «لن يَسقط الاستحقاق كالفاكهة التي أينَعت، ولا بالإنهاك، بل سيحصل بصورة طبيعية وسلِسة، بمجرّد الالتزام بالميثاق، لا أكثر ولا أقَلّ».

واعتبَر «التكتّل» أنّ الوضع الحكومي «غير متماسك بسبب التشرذم، والتجاذب والاستنساب، وعدم الإنتاجية والعجز عن الأداء، في وقتٍ تمارس الحكومة، إضافةً إلى السلطة الإجرائية، صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالةً. ولوَّح مجدّداً بالنزول إلى الشارع. وقال في بيانه الأسبوعي إنّ حكومة المصلحة الوطنية تحوَّلت» إلى «حكومة فجور واستئثار، واختزال وحَرفِ المسؤوليات».

وأكّد أنّ قرارَه الحاسم «يتجاوز الموقف الكلامي إلى محاكاة الاستنهاض الشعبي»، وأنّ «خطّةً عملانية على الأرض، بالأمكنة والمواقيت هي قيد التحضير» وذكّرَ بدعوة النائب ميشال عون «شمِّروا عن سواعدكم»، وقال: «لقد آنَ أوانها بانتظار إشارة الجنرال».

«المستقبل»

مِن جهتها، دعت كتلة «المستقبل» جميعَ النوّاب للقيام بواجبهم الذي يفرضه عليهم الدستور للمشاركة في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ونبَّهت من أنّ استمرار تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية الذي يقوده «حزب الله» وبدعمٍ من «التيار الوطني الحر» يتسبَّب بتداعيات خطيرة على لبنان واللبنانيين.

واستنكرَت تكرارَ الأمين العام للـ«حزب» السيّد حسن نصر الله التهجّمَ وحملات التجريح والافتراء التي يكيلها ويُوجّهها تجاه المملكة العربية السعودية والمسؤولين فيها وتجاه الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي من دون أيّ اعتبار لمصالح لبنان العليا ولمصالح اللبنانيين الذين يتعرّضون لمشكلات ومخاطر كبرى بسبَب استمرار انعكاسات تورّط «حزب الله» في الحرب الدائرة في سوريا، وكذلك في أكثر من ساحة وبلد عربي. واعتبرَت أنّ استمرار «الحزب» والسيّد نصر الله في ممارساتهما هو استهتار بمصالح اللبنانيين واستقرارهم ولقمةِ عيشهم.

ملف القمح تابع...

وفي قضية «القمح المُسرطن»، يبدو أنّ الاجتماع الوزاري الثلاثي أمس الأوّل لإغلاق ملفّ القمح الملوَّث، لم ينجح في مهمّته، بدليل استمرار الجدل والاتّهامات المتبادلة حول هذه القضية.

وفي جديد المعلومات، أنّ نظرية وجود قمح مهرّب غير خاضع لأيّ نوع من أنواع الرقابة باتت مرجّحة، بدليل ما كشفَه مصدر مشارك في الاجتماع الوزاري الثلاثي، من أنّ وزارة الصحة كشفَت في الاجتماع، أنّ عيّنات القمح الفاسد أخِذت من إحدى الشاحنات، ممّا يستبعد نظرية أنّ القمح الفاسد أخِذ مِن الإهراءات.

وتزداد الشكوك حول مضمون التقرير الذي تسلّحَ به أبو فاعور لإعلان وجود قمح مسرطن، على اعتبار أنّ المختبر الذي أجريَت فيه الفحوص هو مختبَر تطبيقي لطلّاب الجامعة، وليس مختبراً معتمداً من الدولة.

وقرّر أمس كلٌّ مِن وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم ووزير الصحة وائل أبو فاعور التوجّه إلى القضاء في محاولةٍ لحسم الملف.
من جهته، أحالَ أبو فاعور الملف إلى النيابة العامة التمييزية، واتّخَذ صفة الادّعاء على كلّ مَن يُظهره التحقيق متورّطاً في هذه القضية، لِما لها من أثر مباشَر على الصحّة العامة.

توازياً، وجَّه حكيم كتاباً إلى النيابة العامة التمييزية طالبَها فيه أخذَ عيّنات من القمح المخزّن في إهراءات مرفأ بيروت وتحليلها في مختبرات معهد البحوث الصناعية تحت إشراف مندوبين من قبَل النيابة العامة، وذلك حفاظاً على الأمن الغذائي في لبنان، وإزالة الالتباس الحاصل.