العبرة الأساس في مجلس الوزراء العائد، ليست بما صدر عنه من مقررات، أمس، بل بالرد السريع والحاسم لرئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري على الكلام التهديدي الذي صدر عن وزير العدل أشرف ريفي بعد انسحابه من جلسة الحكومة احتجاجا على ما أسماها المماطلة في إحالة قضية ميشال سماحة إلى المجلس العدلي.
قال وزير العدل ما كان مقررا أن يقوله، وعندما لم يتضامن أحد من زملائه الوزراء في «المستقبل» أو «14 آذار» قرر الانسحاب من الجلسة، فلم يُعِره أحدٌ اهتمامًا لولا مبادرة أحد وزراء «الكتائب» بالركض خلفه في أروقة «السرايا». ولم تمضِ دقائقُ على كلام ريفي أمام الصحافيين المعتمدين في «السرايا الكبيرة»، حتى رد سعد الحريري عليه عبر «تويتر» قائلا: «موقف ريفي لا يمثلني ولا يزايدَنَّ أحدٌ علينا باغتيال وسام الحسن أو محاكمة سماحة، فكل من ارتكب جريمة سينال عقابه».
هذا المؤشر الإيجابي، على مسافة نحو أسبوع من لم «الغسيل الوسخ» لبعض «8 آذار»، إن دل على شيء، إنما يدل على ترسخ معادلة الاستقرار، بفعل إرادة فريقَين أساسيَّين هما «حزب الله» و«تيار المستقبل»، برغم عدم تخليهما عن المساحة الضرورية لكل منهما، من أجل انتقاد الآخر، وهو أمر أكثر من حيوي وضروري خصوصا لـ «تيار المستقبل» في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات إقليمية تصب في خانة خصوم السعودية.
ومن الإشارات الإيجابية أيضا استمرار جلوس «حزب الله» و«المستقبل» على طاولة واحدة، وهما يتبادلان أطراف الحديث الإقليمي والمحلي، في إطار تقليد صار الطرفان أصحاب مصلحة في تكريسه برغم «الاهتزازات الهينة» التي تحصل بين حين وآخر، أو كتلك التي سنشهدها في الأيام المقبلة، خصوصا في احتفال ذكرى استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري!
وإذا كانت عودة الحكومة للعمل قد شكلت دليلا إضافيا على الحاجة إلى حماية الحد الأدنى من الاستقرار، فإن الاستحقاق الرئاسي، وبرغم تشديد كل الأطراف على أبعاده المحلية، فإن الاستنتاج الذي خلصت إليه أوساط الرئيس نبيه بري هو أن لا لقاء معراب ولا لقاء باريس كفيل بإنتاج رئيس للجمهورية، سواء أكان اسمه ميشال عون أو سليمان فرنجية، طالما أن الاشتباك السعودي ـ الإيراني مفتوح على مصراعيه.
وما يزيد الطين بلة هو المناخ الإقليمي المحموم الذي يرافق القرار الروسي ـ الإيراني بالإمساك بمعظم الحدود السورية شمالا وإنهاء معركة مدينة حلب وريفها الشمالي، وشكَّل الإعلان السعودي عن إرسال قوات برية إلى سوريا وتوسيع المشاركة الجوية في الحرب ضد «داعش»، أحد أبرز مؤشراته، لكن مرجعا لبنانيا واسع الاطلاع جازف بالقول لـ«السفير» إن كل الهدف من هذه «البروباغندا» هو محاولة فرض وقف سريع لإطلاق النار يؤدي إلى وقف اندفاعة الجيش السوري بدفع روسي ـ إيراني باتجاه حلب والحدود التركية.
ويؤكد المرجع أن السعوديين لن يتجرأوا على إرسال جندي واحد إلى سوريا إلا بموافقة الأميركيين وبانخراطهم إلى جانبهم في أي معطى ميداني بري، والكل يعلم أن الأميركيين ليسوا في وارد استفزاز الروس، لا بل يحرصون على تغطية أي عملية بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهو أمر سيكون صعب المنال، إلا إذا كان قرار السعوديين سيصب في مصلحة النظام السوري، أي إرسال قوات لقتال «داعش» على الأرض السورية، وذلك عبر البوابة الأردنية التي باتت محكومة بإيقاع التنسيق الأمني السوري الأردني غير المسبوق بإيقاعه المنتظم منذ خمس سنوات حتى الآن.
وكشف المرجع نفسه أن الأميركيين بعثوا بإشارات إيجابية إلى الحكومة السورية في الآونة الأخيرة، عبر أكثر من قناة، وبينها رسالة من موفد يمثل «البنتاغون» تتعلق برئاسة الجمهورية في لبنان.
واللافت للانتباه أنه بالتزامن مع هذه الرسالة، كان جيمس اوبراين المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص المكلف ملف الرهائن الأميركيين في العالم وتحريرهم، يقوم بزيارة معلنة لبيروت في مطلع شباط الحالي، إذ أمضى فيها حوالي 24 ساعة التقى خلالها فريق السفارة الأميركية في عوكر وشخصية رسمية لبنانية وحيدة، وتمحورت أسئلته حول كيفية تقديم المساعدة له من أجل تنفيذ المهمة التي كلفه بها الرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية آب 2015 الماضي، وبينها إماطة اللثام عن ملف المخطوفين والمفقودين الأميركيين على الأرض السورية، فكانت زيارة لبنان و«الأسئلة السورية» خطوة في هذا السياق..
وقال المرجع نفسه إن التطمينات التي تلقتها مراجع لبنانية في الأيام الأخيرة، على خلفية ما تسرب عن تداعيات معركة حلب لبنانيا (سيناريو تحريك خلايا نائمة في الشمال باتجاه الحدود اللبنانية ـ السورية) تشي بأن لا قرار بتخريب الاستقرار في لبنان من جهة، ولا قرار بالتخريب من لبنان أو عليه من جهة ثانية.
وقال المرجع اللبناني إن العامل التركي السياسي والعسكري قد سقط بشكل شبه نهائي من معادلة الحل العسكري والسياسي في سوريا «وما يقوم به الأميركيون هو لجم الاندفاعة التركية مقابل الحد من التأثير الإيراني في سوريا، أي سحب قدرة الأطراف الإقليمية على التأثير، وذلك لمصلحة خريطة الحل السياسي التي أرساها الروس والأميركيون في جنيف».