لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الحادي والستين بعد المئة على التوالي.
لا دخان أبيض من جرود عرسال، لا بالأمس ولا في الغد القريب، غير أن ذلك لا ينفي حقيقة أن المفاوضات قد بدأت، ولو من نقطة بداية تكوين الملف. فالجهات الرسمية اللبنانية، بعثت «برسالة إيجابية» وهي عبارة عن قافلة مساعدات غذائية، اتجهت نظرياً إلى النازحين في جرود عرسال، ووصلت مفاعيلها إلى خاطفي العسكريين.. لا بل العسكريين أنفسهم.
يفترض أن تنظيمي «النصرة» و«داعش» قد تلقفا الرسالة. أما الرد الموعود، فلم تكتمل شروطه بعد. وها هو الموفد القطري، يمضي يوماً ثانياً في بيت ابنة شقيقته في عرسال بحماية الأمن العام اللبناني، في انتظار جولة جديدة له في جرود عرسال، قبل أن تتساقط الثلوج وتتقطع السبل المؤدية إلى مقري «أبو مالك التلي» («النصرة») و«أبو عبد السلام» («داعش»).
وفي هذه الأثناء، يشرف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على تفاصيل رحلة الوسيط القطري المنتظر أن يعود الى بيروت اليوم، وبحوزته الهدف المنشود: استلام شروط الخاطفين خطيا «حتى يُبنى على الشيء مقتضاه».
وتوحي خطة العمل التي وضعها فريق التفاوض اللبناني، بإدارة ابراهيم، أن السلطات اللبنانية باتت تملك الكثير من الأوراق للتفاوض مع الخاطفين، ولكن تحت سقف لا يمكن التنازل عنه وهو رفض مقايضة العسكريين اللبنانيين بأي من الموقوفين الصادرة بحقهم أحكام في سجن روميه.
ويستنتج من مسار المفاوضات أن الجهات الخاطفة، باتت تدرك استحالة كسر الخطوط الحمراء التي وضعها الجانب الرسمي اللبناني، مع تسليمها بأن تسريع المحاكمات يمكن أن يحرر العشرات من الموقوفين ممن تجاوزت مدة توقيفهم ما يمكن أن يصدر من أحكام بحقهم، فضلا عن واقع لا يمكن إنكاره وهو دخول ما يزيد عن 200 إلى 250 موقوفا إلى سجن روميه وباقي السجون في الأسبوعين الأخيرين وحدهما، ومعظمهم من المشتبه بانتمائهم إلى المجموعات الإرهابية.

مستودع دقماق

في غضون ذلك، تمكن الجيش اللبناني، للمرة الأولى منذ العام 2008 حتى الآن، من كسر بعض المحرمات، من خلال مداهمات وتوقيفات في طرابلس، شملت بعض الأماكن والمواقع المحمية، سياسيا ودينيا، وكان عنوانها الأبرز مداهمة شقة يمتلكها «النجم التلفزيوني» الشيخ بلال دقماق، وهو لطالما خاض مناظرات وتحدث مع قادة أمنيين ووزراء ونواب من لون سياسي معين، كان يعتبر نفسه محسوبا عليهم.
وقد عثر في الشقة التي يملكها دقماق في محلة أبي سمراء في طرابلس على مخزن كبير للأسلحة روّج ليل أمس، بأنه لا يخصه بل يخص داعي الإسلام الشهال الموجود خارج لبنان (على الأرجح في السعودية) والذي كان قد حرّض قبل نحو أسبوع ضد الجيش اللبناني بطريقة غير مسبوقة.
لكن مصادر أمنية معنية أكدت أن المخزن «يخص دقماق وهو قيد الرصد منذ فترة طويلة»، وقالت إن ما عثر عليه من أسلحة وذخائر «يدل على نيات تخريبية خطيرة»، وسألت «ما هي وظيفة العبوات الناسفة وقاذفات الـ«آ ربي جي» والقذائف والقناصات ورشاشات الكلاشنيكوف»؟
وقالت المصادر إن دقماق (رئيس جمعية «اقرأ») «شكل في مرحلة ما رأس حربة في محاولة نقل الحالة الأسيرية من صيدا إلى الشمال، وكان في طليعة مباركي حركة الشيخ الصيداوي.. وصولا إلى استضافة الأخير في الشمال وتنظيم تحركات لمصلحته».
وتضيف المصادر أن دقماق «كان يتباهى في منابر المدينة بأنه من المحسوبين على أحد وزراء المدينة الحاليين وعلى أحد الأجهزة الأمنية» ولدى التدقيق بـ«داتا» الاتصالات، تبين وجود تلاصق دائم بينه وبين قادة الموقوفين الإسلاميين في سجن روميه، حتى أنه كان يملك صلاحية إصدار بيانات ومواقف في محطات عدة».
وقالت المصادر لـ«السفير» إن الوضع الذي فرضه الجيش في طرابلس بعد ضرب المجموعات المسلحة فيه، «لم يعد يحتمل بقاء حالات شاذة في المدينة لطالما لعبت دورا تخريبيا ومن ضمن هؤلاء المدعو بلال دقماق الموجود حاليا في العاصمة التركية».
وأكدت المصادر أن لا مسايرات لأحد على حساب أمن طرابلس وأهلها أو المؤسسة العسكرية، ولا مكان للمداخلات والوساطات التي اعتاد بعض السياسيين القيام بها كلما ألقى الجيش القبض على أحد المرتكبين، وأشارت إلى أن هناك صفحة جديدة فُتحت في طرابلس، «وبلال دقماق نتصرف معه كمتوار وعندما يعود إلى لبنان.. سيلقى القبض عليه حتما».
وجزمت المصادر أن ما يقوم به الجيش حاليا «يندرج في سياق عملية تفكيك منصات العبث والتحريض والتوتير في مدينة طرابلس وفي سائر المناطق»، وختمت: ثمة رسالة وصلت الى كل من يرعى هذه الحالات أو يموّلها أو يغطيها مفادها «تفضلوا هذه هي حقيقة من تحمونه وترعونه وتمدونه بالمال والدعم، وها هو السلاح الذي يخبئه وهل يمكن أن يقال عنه سوى أنه سلاح الفتنة والقتل»؟

كارثة التبانة

من جهة ثانية، قالت المصادر إن منطقة التبانة نجت من كارثة حقيقية بفعل العبوات التي زرعتها مجموعات شادي المولوي وأسامة منصور في «المربع الأمني» الذي كانا يقيمان فيه، وتحديدا في المنطقة الممتدة بين مسجد الرشواني ومصلى عبدالله بن مسعود في سوق الخضار.
وكشفت المصادر أن المهلة التي أعطاها الجيش للمدنيين لمغادرة التبانة في خضم معركة الأسبوع الماضي، تم تمديدها حتى الفجر بناء على طلب وحدات الهندسة حيث تعذر على الخبراء العسكريين تفكيك العبوات عند الساعة الثانية عشرة ليلا، وطلبوا تأجيل المهمة حتى ساعات الصباح الأولى، وبالفعل عثروا على 12 عبوة، وكانت المفاجأة عندما عثروا، أمس، على خمس عبوات جديدة، بينها واحدة يرجح أن تكون زرعت حديثا ويزيد وزنها عن 20 كيلوغراما من المواد المتفجرة.
وقالت المصادر ان اكتشاف هذه العبوات أدى الى إعادة ترجيح فرضية أن يكون شادي المولوي أو أسامة منصور أو كلاهما لا يزالان متواريين في منطقة التبانة نفسها!