أجواء متناقضة تلفّ التسوية، وتتراوح بين مَن يؤكد أنها قطعت شوطاً مهماً، وبين مَن يتحدث عن عقبات عدة وعراقيل مهمة تعترض سبيلها. وفي هذا السياق قالت أوساط مطلعة على مجريات الإتصالات لـ«الجمهورية» إن هناك من دعا النائب سليمان فرنجية صراحة إلى فتح باب الحوار مباشرة مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لتذليل العقبات التي تعترض ترجمة التسوية الرئاسية، وعدم الإكتفاء بلقاء رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، واعتبرت أن الأمور معقّدة أكثر مما يتصوّره البعض، وأن الدفع السياسي-الإعلامي للتسوية يتناقض مع الأجواء الفعلية على الأرض. غير أن مصادر أخرى لم تنفِ بدورها لـ«الجمهورية» وجود مناخ ديبلوماسي دولي وعربي وإقليمي مشجع للتسوية من باب ترسيخ قواعد الإستقرار في لبنان، ونقلت عن ديبلوماسي أميركي كبير قوله أن «لا مانع من التسوية المطروحة»، إنما لن تضع واشنطن أي جهد لإنجاحها أو إسقاطها. ورأت الأوساط انه في موازاة وضع «الكتائب» سلة ضمانات للموافقة على التسوية تبدأ من تحييد لبنان ولا تنتهي بقانون الإنتخاب، إعتبرت أن أي محاولة لتجاوز «التيار الحر» و«القوات اللبنانية» ستمنحهما ورقة إكتساح الإنتخابات البلدية والنيابية نتيجة الشعور بالتهميش السياسي. وتزامناً لفت ما قاله عون أمس من أن «موقفه يحلحل الوضع أو يعقّده»، في إشارة واضحة إلى أن مصير التسوية يرتبط بكلمته النهائية. وأما الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» فدعا أمس إلى «الإسراع في الوصول الى التفاهمات الوطنية»، وذلك مواكبة للإتصالات المتصلة بالتسوية الرئاسية. وأما لناحية ملف العسكريين المخطوفين، فتوقعت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» ان تكون العملية انجزت فجراً، على رغم كل الحذر الذي أحاط ويحيط بهذا الملف، خصوصاً مع انتقال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى حدود عرسال لمتابعة القضية عن قرب. وعلمت «الجمهورية» أنّ اتفاقاً مبدئيّاً حصل على إنجاز العملية بين ساعات الفجر الأولى وساعات الصباح الأولى. على أن يتوجَّه موكب العسكريين برفقة ابراهيم الى السراي الحكومي أياً تكن الساعة، وينضمّ إليهم الأهالي ليُعلن الرئيس تمام سلام في حضور خليّة الأزمة انتهاء العملية ونجاحها، مباركاً بعودة العسكريين. البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس تيار «المرده» النائب سليمان فرنجيه أكّد المؤكّد، وهو أنّ التسوية على شخصه قائمة فعلاً، وأنّها قطعت شوطاً مهمّاً، وأنّه يتعامل مع الأمور بكثير من الجدّية، وأنّه ليس في وارد المساومة على ترشيحه، وقد ظهَر كلّ ذلك من خلال ثلاث رسائل تضَمّنها بيانه المقتضَب: الرسالة الأولى إلى رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بأنّه على استعداد لمنحِ ترشيحه «مزيداً من الوقت إذا كان هناك من نيّة فعلية للتوافق حول اسمِه»، ولكنّه لن يقبل باستمرار الترشيح فقط لتعطيل ترشيحِه، بمعنى أنّ الوقت لم يعُد مفتوحاً. والرسالة الثانية إلى الأقطاب الثلاثة بأنّ رفضَهم مبرّر فقط «إذا كان هناك عذرٌ مسيحي أو وطني»، وما سوى ذلك غير مقبول.

ورسالة إلى كلّ مَن يحاول النَيل من ترشيحِه مسيحياً ووطنياً من خلال الكلام عن مقايضة أجراها مع الرئيس سعد الحريري يسَلِّم له بموجبها بقانون الستّين، فأكّد أنّه تَوافقَ والحريري على «رفض أيّ قانون يضرب كيان أيّ طائفة».

وإنْ دلّ ما تَقدّم على شيء، فعلى أنّ الأمور دخلت مرحلة التفاوض الجدّي والتفصيلي، وأنّ الحلقة الوحيدة المفقودة ما زالت «حزب الله»، فيما جَزمت أوساط مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ فرنجية لا يمكن أن يخوض معركتَه من دون غطاء الحزب وموافقته

«الحوار»

وإنعقدَت جلسة الحوار الحادية والعشرون بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» مساء أمس في عين التينة بحضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيّد نادر الحريري، والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر، كما حضَر الجلسة الوزير علي حسن خليل.

وبعد الجلسة صدر البيان التالي: «جرى البحث في التطورات السياسية وما يتعلّق بالاستحقاقات الدستورية تحديداً، وتمّ التأكيد على الاستمرار بالحوارات القائمة للإسراع في الوصول إلى التفاهمات الوطنية».

وقد تطرّقَت هذه الجلسة بطبيعة الحال، إلى التسوية الرئاسية التي أصبحت الشغلَ الشاغل لكلّ اللبنانيين، ولكنّ المبادرة في هذه التسوية هي خارج هذه الطاولة عملياً، لأنّها بيَد الحريري شخصياً، كما لا مصلحة لـ»حزب الله» في الظهور بمظهر من يناقش تفاصيلَها تجَنّباً لإحراج عون الذي ألغى اجتماع تكتّل «التغيير والإصلاح» بسبب وفاة شقيقه.

وفي مقابلة مسجّلة مع قناة «روسيا اليوم» تساءلَ عون مساء أمس «لماذا سعد الحريري هو مَن سيختار سليمان فرنجيه؟»، وأكّد أنّه لم «يبَلّغ رسمياً حتى الآن بالاتفاق بين الحريري – فرنجية»، وأشار إلى أنّ «موقفه من ترشيح فرنجية إمّا يُعقّد الوضع أو يحَلحله»، وشدّد على أنّه «مع قانون انتخابات نسبي»، وأشار إلى أنّ «الحل السِلمي في سوريا يجب أن يتوازن مع القوى على الأرض».

إتّصالات لتذليل العقبات

وفي هذا الوقت لا تزال التسوية الرئاسية تواجه عقبات عدّة، إلّا أنّ الاتصالات مستمرّة لإيجاد مخرج للمأزق القائم. وقد تبيّنَ وفقَ معلومات «الجمهورية» أنّ هذا الترشيح بقدرِ ما هو جدّي العقباتُ أمامه جدّية أيضاً، وظهر أنّ تأييد هذا الترشيح سواءٌ الاميركي أم الفرنسي أم الأوروبي ليس تأييداً مطلقاً، إنّما مرتبط بمدى التزام فرنجية بثوابت السياسة اللبنانية التي هي التزام بالمواثيق والقرارات الدولية وتحييد لبنان عن صراعات المحاور، وأن يكون رئيس الجمهورية فوق المحاور.

وأمّا عن طهران، فقد أملَ مستشار الإمام الخامنئي للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي بعد لقائه رئيس الوزراء تمّام سلام «أن نشهدَ في القريب العاجل اختيارَ وانتخاب رئيس للجمهورية يكون موضعَ قبول وموافقة جميع الأطراف اللبنانية وكلّ الشعب اللبناني الشريف».

وعلمَت «الجمهورية» أنّ فرنجية يرَكّز الآن على تأييد حزب الكتائب، ولكنّ هذا التأييد غير وارد من دون حصول الحزب على ضمانات واضحة. وقد أكّد وزير الكتائب سجعان قزي أمس أنّ مِن واجب أيّ مرشّح «أن يعلن ما هي خياراته ومواقفه وقناعاته تجاه الرأي العام اللبناني؟ ما هو موقف أيّ مرشّح للرئاسة من حياد لبنان ووضع «حزب الله» والسلاح غير الشرعي والحرب الدائرة في سوريا (...)».

بيان «المردة»

وفي بيانٍ هو الأوّل من نوعه عن المكتب الإعلامي لفرنجية، ردّاً على التسريبات التي رافقت زيارته السبت الماضي لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في البترون، أكّد أنّ «اللقاء كان ودّياً وصريحاً من غير أيّ التزامات»، وأشار إلى أنّ «الحريري طالبَ بقانون انتخابي لا يضرب تمثيلَ طائفة من دون تحديد شكل القانون»، ولفتَ إلى أنّ فرنجية أكّد استمرارَه بدعم ترشيح عون و«منح الموضوع مزيداً من وقت، أمّا إذا استمرّ الترشيح فقط لتعطيل ترشيح فرنجية فهذا موضوع آخر»، واعتبَر أنّ «الحديث عن رفض الأقطاب لترشيح فرنجية نُناقشه إذا كان هناك عذرٌ مسيحي أو وطني، أمّا إذا كان على قاعدة «ليش إنت مش أنا» فالأمر مختلف تماماً وغير مقبول».

أهداف البيان

وفي قراءتها لمضمون بيان «المردة»، قالت مصادر عملت على صياغته بدقّة متناهية واختارت كلماته بعناية لـ»الجمهورية» إنّه «الموقف الأوّل في المواجهة غير المعلنة بين ترشيح فرنجية واستمرار ترشيح عون بلا سقف زمني محدّد»، ورأت في شكله ومضمونه وتوقيته «إعطاءَ ما يشبه مهلةً للخروج عن تعهّده باستمرار الوقوف خلفَ ترشيح عون، ولكن ليس إلى ما لا نهاية، ومطالبة ضمنية بتبادل الدعم الذي لقيَه عون طيلة الفترة الفاصلة، والانتقال إلى دعم فرنجية متى حقّق خرقاً في صفوف الفريق الآخر من قوى 14 آذار والمستقلّين».

ولفتَت المصادر إلى أنّ في الموقف «إشارةً أخرى إلى حلفاء عون وفرنجية ولا سيّما «حزب الله»، للنظر في هذه العملية وعدم تضييع مزيد من الوقت قبل ملء الشغور الرئاسي في أقرب وقت ممكن. ولذلك قد يصيب مضمون البيان أكثرَ من عصفور بحجر واحد لِما يشكّله من دعوة صريحة لبداية الفصل بين استمرار ترشيح عون وترشيح فرنجية والبتّ بالموقف المناسب على مستوى 8 آذار قبل أن يقول الحريري وجنبلاط موقفَهما من مسألة الترشيح».

كرَم

ووصَف عضو كتلة «المردة» النائب سليم كرم علاقة بنشعي بالرابية بأنّها طبيعية، وأكّد أنّ الانتخابات الرئاسية ستجري وسيُنتخَب رئيس الجمهورية عاجلاً أم آجلاً، ونتمنّى أن تحلّ الأعياد ويكون للبنان رئيسٌ جديد.

وقال كرم لـ«الجمهورية» إنّ لقاء باريس الذي تمّ بناءً على دعوة الرئيس الحريري دخلَ في كلّ التفاصيل وبحثَ في سلة متكاملة تشمل قانون الانتخاب والقضايا ذات الطابع الخلافي. وأشار إلى أنّ فرنجية ينتظر أن يعلن الحريري ترشيحَه رسمياً، معتبراً هذا الإعلان «مِش مطوّل بَقا»، لافتاً إلى اتصالات تجري لاحتواء البَلبلة التي أحدثَها هذا الترشيح في صفوف 8 و14 آذار. وعن المهلة التي يمنحها «المردة» لعون لتبيان موقفه النهائي، أجاب كرم لنسأل أوّلاً: «هل إنّ البلاد تحتمل بعد؟»

وأضاف: «لا يزال مرشّحنا حتى الآن هو العماد عون، ونريد أن نعرف ما إذا كان الاعتراض على ترشيح فرنجية هو اعتراض على شخصه أم على شيء آخر، خصوصاً أنّنا نتحدّث بسلّة متكاملة. نحن ننتظر لنرى هل سيكون ردّ الرابية على بياننا إيجابيا؟».

وقال ردّاً على سؤال: «هناك مرشّحون آخرون غير المرشّحين الأربعة لديهم صداقات مع الرئيس بشّار الأسد ومع غيره. لا نريد أن ندفع ثمن الصراعات الخارجية، فالمرشّح فرنجية له قاعدته الشعبية وتاريخه وهالته، وعلاقتُه مع الرئيس الاسد لا تلغي كلّ هذا الرصيد» .

«الكتائب»

وأمس، جدّدت الكتائب موقفها الثابت من الاستحقاق الرئاسي لجهة تقديم «الضمانات الواجب توافرُها في شخص الرئيس العتيد» قبل تسميته خصوصاً لجهة «حِرصه وتمسّكه بتحييد لبنان وعدم إدخاله في صراع المحاور الإقليمية والدولية، وبخاصة الأزمة السورية، وأن يكون على مسافة وطنية واحدة من مختلف المكوّنات السياسية ويَعمل على بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية».

موفد عند حرب اليوم

وقرّر المكتب السياسي الكتائبي مواصلة اتّصالاته مع القيادات المسيحية. وعلمت «الجمهورية» أنّه، وبَعد الزيارتين إلى معراب والرابية، يزور مستشار رئيس الحزب ميشال الخوري ظهر اليوم الوزير بطرس حرب موفَداً من رئيس الحزب النائب سامي الجميّل، في بداية اتّصالات تشمل النوّاب والوزراء المستقلّين للتشاور في حركة المواقف من الاستحقاق الرئاسي حِرصاً على تكوين موقف مسيحي موحّد بالحدّ الأدنى في سياق ما يطالب به الحزب من ضمانات.

اقتراب «الساعة الصفر»

وعلى خط العسكريين المخطوفين، وبعدما أصيبت المساعي بنكسة فرضتها شروط غير قابلة للتحقيق أدخلتها «جبهة النصرة»، عادت الامور الى سكة التفاوض بعد اشارات ارسلتها «جبهة النصرة» أظهرت فيها تراجعا عن هذه المطالب، فابلغ الوسيط القطري اللواء عباس ابراهيم هذه الرسالة لتعود الامور على نار حامية.

وانتقل اللواء ابراهيم الى حدود عرسال بعدما استطلع صباحا من بعض المعنيين امكانية تعديل بعض المطالب ضمن الثوابت الوطنية الموضوعة من الجانب اللبناني ولكن بشكل يتقدم خطوة في اتجاه بعض المطالب المستجدة، فأنشئت غرفة عمليات طارئة بين الامن العام والجيش اللبناني والمعنيين بملف التفاوض في مقر اللواء الثامن في عرسال، وأدار ابراهيم سلسلة اجتماعات متتالية للضباط بتواصل مباشر مع الوسيط القطري، الذي كان بدوره يتواصل مع ابو مالك التلي امير «جبهة النصرة».

وحتى ساعة متقدمة من ليل امس كانت كل العقبات قد ذللت وكل التحضيرات اللوجستية والامنية قد اتخذت، علماً أن شاحنات المساعدات كانت قد انتقلت عصرا الى مداخل عرسال حيث استطلع ابراهيم نقطة التبادل في وادي حميد في الجرود مع الضباط الامنيين الكبار في انتظار اتمام الصفقة. وبقيت الاجتماعات مفتوحة الى ما بعد منتصف الليل كانت تتقدم فيها المؤشرات في اتجاه اقتراب ساعة الصفر لبدء عملية التبادل.