لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والخمسين بعد المئة على التوالي.
فرض الإنجاز الأمني الذي حققه الجيش اللبناني في الشمال نفسه على المشهد الداخلي، خصوصاً أنه نزع فتيل عملية إرهابية كانت على وشك التنفيذ (اليوم أو غداً).
وفيما شدد الجيش، غداة اصطياد المجموعة الإرهابية في عاصون في منطقة الضنية، إجراءاته الأمنية، في جميع المناطق اللبنانية، حاولت المجموعات الإرهابية التسلل إلى بلدة عرسال عبر وادي حميد، وذلك بالتزامن مع قيام مسلحين بالاعتداء على دورية للجيش في محيط خان العسكر في طرابلس، ما أدى إلى إصابة ضابط بجروح، ثم ما لبث الأمر أن تطور إلى اشتباكات بين الجيش والمسلحين بالأسلحة الرشاشة والصاروخية سرعان ما اتسعت إلى ساحة النجمة والسرايا العتيقة والسوق العريض ومدخل الزاهرية وصولا إلى «إشارة المئتين».
واستقدم الجيش تعزيزات الى المنطقة، فيما اتخذ المسلحون من الأسواق الداخلية منصة لاستهداف الجيش الذي رد بقوة على مصادر النيران، في وقت وجهت رسائل صوتية عبر مواقع التواصل غلبت عليها لهجات غير لبنانية تدعو إلى مواجهة «الجيش الكافر» عبر ما أسموها «انتفاضة الأسواق».
وأدت الاشتباكات، حتى ساعة متأخرة ليلا، إلى مقتل احد المسلحين وجرح عدد كبير منهم فضلا عن إصابة ثمانية عسكريين بينهم ملازم أول بحال الخطر، كما تم توقيف عدد من المشتبه بتورطهم في الاعتداء على الجيش، إضافة الى اصابة 6 مدنيين بجراح نتيجة الرصاص الطائش.
ووصفت مراجع رسمية ما يجري في طرابلس بأنه ليس غريباً ولا مفاجئاً، بل كان متوقعاً ربطاً بالتطورات الأمنية الأخيرة، وقالت لـ«السفير» إن «هذه المعركة إن اتسعت رقعتها في طرابلس هذه المرة، ستكون مفصلية ومختلفة عن باقي المعارك».
وعلّقت أوساط وزير الداخلية نهاد المشنوق على ما يجري في طرابلس بالقول لـ«السفير» إن العلاج بالمسكنات «لم يعد مفيداً».
وسبق ذلك، تنفيذ الجيش سلسلة مداهمات في طرابلس، على خلفية اعتقال «مجموعة الضنية»، وكذلك مداهمة أماكن مشتبه بها في بلدة بخعون بحثاً عن صاحب الشقة التي شغلتها المجموعة الإرهابية في عاصون. وشملت عمليات الجيش جرود الضنية بحثاً عن سائر أعضاء المجموعة الذين تمكنوا من الفرار، وأيضاً مجموعة إرهابية ثانية كانت متمركزة عند سفح «جبل الأربعين»، وتوارى عناصرها بعد اصطياد مجموعة الضنية.

محاور التحقيق مع ميقاتي

وقالت مصادر أمنية واسعة الاطلاع لـ«السفير» إن التحقيق مع الرأس المدبر لتلك المجموعة أحمد سليم ميقاتي ما زال في مرحلته الأولية، إلا أن التركيز لا ينصب لا على انتمائه، ولا على دوره مع المجموعات الارهابية، ولا على نشاطه الإرهابي، فكل ذلك معروف لدى مخابرات الجيش، بل هو ينصب على الآتي:
أولاً، دوره في ما خص العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى المجموعات الإرهابية، خصوصاً أن له علاقة مباشرة ووثيقة بالمجموعات الخاطفة، فابنه عمر الملقب بـ«ابو هريرة» ينتمي الى «داعش»، ويحارب الى جانب هذا التنظيم في جرود عرسال، وكذلك ابن شقيقه بلال عمر ميقاتي الملقب بـ«ابو عمر ميقاتي» المتورط بذبح الرقيب الأول الشهيد علي السيد.
ثانياً: تحديد هدف «مجموعة عاصون»، وما إذا كانت تحضر لعمليات ضد الجيش اللبناني أم في أماكن أخرى، ربطاً ببدء إحياء مراسم «عاشوراء» في عدد من المناطق اللبنانية (من اليوم)، خصوصاً أن نوعية المضبوطات التي عثر عليها في الشقة تندرج في خانة التحضير لتفجير عبوات ناسفة. (الجدير ذكره أن إجراءات أمنية مشددة قد بدأ تنفيذها في الضاحية الجنوبية، وكذلك في الجنوب والبقاع وبعض أحياء العاصمة تحسباً لأعمال إرهابية، لمناسبة عاشوراء).
ثالثاً، تحديد علاقة هذه المجموعة بمجموعات أخرى (خلايا إرهابية نائمة) تحضر لعمليات إرهابية.
وفي هذا السياق، أكدت معلومات أمنية لـ«السفير» أن مجموعة عاصون كانت على قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ عملية عسكرية كبرى ضد الجيش اللبناني، مستندة الى أن المجموعة كانت ستخلي الشقة غداً (الأحد) بعد انتهاء فترة الإيجار لمدة 15 يوماً بحجة الصيد البري في جرود الضنية، ما يعني أن السقف الزمني لتنفيذ العملية كان وشيكاً.
الى ذلك، نقل زوار قائد الجيش العماد جان قهوجي إشادته بالإنجاز النوعي الذي حققه الجيش اللبناني باصطياد مجموعة عاصون، مؤكداً أن الأيام المقبلة قد تشهد المزيد من الإنجازات على صعيد تفكيك المجموعات الإرهابية.
وطمأن قهوجي ان المبادرة بيد الجيش، مشدداً على ان الوضع في منطقة عرسال دقيق جداً ومفتوح على شتى الاحتمالات، والجيش يقاربه بما يستحق من عمل أمني دؤوب، وقال إن الجيش في أتمّ الجهوزية للتصدي لأية مغامرة يمكن ان تلجأ اليها المجموعات الارهابية.
تعزيزات الى البقاع الشمالي
وربطاً بذلك، أكدت المصادر الأمنية أن الجيش دفع في الأيام القليلة الماضية بتعزيزات كبيرة الى منطقة البقاع الشمالي، بالتوازي مع الاعلان عن البدء بتطويع دفعات جديدة من العسكريين، حيث سُجل إقبال ملحوظ على التطوع في الجيش.
وقالت مصادر امنية واسعة الاطلاع ان العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش والمداهمات التي يقوم بها افضت الى توقيف عدد كبير من المطلوبين الخطيرين، ومن دون إثارة إعلامية، واعترف البعض منهم بالتحضير لعمليات إرهابية، وكذلك تفكيك ما سمتها المصادر»شبكات عنقودية» إرهابية تنتمي الى «داعش» و«النصرة» وتنظيمات ارهابية اخرى، كانت تتخذ من بعض مخيمات النزوح السوري ملاذاً لها.
وأشارت المصادر الى أن عمليات البحث تستمر بحثاً عن عدد من المطلوبين الذين «يشكلون قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة»، على حد تعبيير المصادر نفسها.
من جهة ثانية، اكدت مصادر امنية واسعة الاطلاع امتلاك الجهات المعنية معلومات عن أن عدداً من العسكريين الذين اعلنوا انشقاقهم من الجيش في الآونة الاخيرة، لم يغادروا الاراضي اللبنانية، وأنهم تواروا في احدى المناطق الشمالية، ولم يتمكنوا من الانتقال الى الجرود داخل الاراضي السورية نظراً للإجراءات التي ينفذها الجيش، والتي أدت الى إقفال المعابر ما بين تلك الجرود ومنطقة عرسال تحديداً.