بينما يحاول لبنان الرسمي بناء تحصينات وطنية منيعة تسد المنافذ السياسية والأمنية في وجه الإرهاب العابر للحدود، ويسعى جاهداً لتطبيق مبدأ «النأي بالنفس» عن الأزمات الدموية الجارفة في سوريا والمنطقة، لكن عبثاً يحاول «البنّاؤون» و»الناؤون» أمام إمعان «حزب الله» في جرف التربة اللبنانية نحو الوحول السورية.. يجد اللبنانيون أنفسهم اليوم أمام تحدّ جديد «يحبس الأنفاس» في مواجهة المخاطر الفتّاكة المتجسّدة بوباء «إيبولا» العابر للحدود الأفريقية في أكثر من اتجاه غربي وعربي، ما استدعى استنفاراً رسمياً لسدّ منافذ البلد الجوية والبحرية، علّه ينجح «صحياً» حيث فشل «سورياً» في النأي بنفسه وبمواطنيه عن تداعيات هذا الوباء وخطر تسلّله إلى الساحة الداخلية.

وفي هذا الإطار، طغى على شريط الأحداث اللبنانية أمس المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الصحة وائل أبو فاعور للإعلان عن جملة إجراءات وقائية في سبيل مكافحة مرض «إيبولا» بعدما بات «خطراً داهماً على البشرية جمعاء وصنّفته الأمم المتحدة الأخطر بعد مرض «إيدز»، متوقعةً أن يضطر العالم للتعايش مع هذه الأزمة لفترة ثلاثين عاماً» وفق تعبير أبو فاعور، مع إشارته إلى أنّ «لبنان من الدول المعرّضة أكثر من غيرها» لإمكانية تسلّل هذا الوباء ربطاً بوجود «جاليات لبنانية كبيرة في الدول الموبوءة».

إلا أنّ وزير الصحة عاد فأكد لـ«المستقبل» أن «لا داعي للهلع»، وقال رداً على سؤال عما إذا كانت هناك مؤشرات لبنانية على صلة بمرض «إيبولا» استدعت تحركه أمس: «لا مؤشرات إطلاقاً من هذا النوع لكن في الوقت عينه هناك مسؤوليات تقع على عاتقنا لحماية المواطنين لا سيما مع ترقب مجيء آلاف اللبنانيين من الدول الموبوءة، سواءً من غينيا أو سيراليون أو ليبيريا»، مضيفاً: «نحن كنا قد باشرنا باتخاذ إجراءات وقائية منذ مدة، لكننا منذ 3 أيام بدأنا باتخاذ إجراءات وقائية مشددة تصل إلى داخل الطائرات التي يتبيّن أنها تقل ركاباً من أي من هذه الدول الثلاث».

وكان أبو فاعور قد أوضح في المؤتمر الصحافي الذي عقده في مبنى الإدارة المركزية في الجامعة اللبنانية أنّ التدابير الاحترازية المتخذة تشمل المطار والمرفأ والمستشفيات بالتعاون والتنسيق كذلك مع وزارة الخارجية والسفارات اللبنانية على مستوى اتباع إجراءات استثنائية قبل منح تأشيرات دخول إلى لبنان. وأشار في ما خص الإجراءات الوقائية الواجب اتباعها في مطار رفيق الحريري الدولي إلى اعتماد «استمارات» على متن الرحلات الآتية من المغرب وأثيوبيا ولاغوس ونيجيريا للتأكد من خلو هذه الرحلات من حالات مَرَضية مشتبه بها، على أن يصار إلى إرسال فريق طبي متخصص إلى داخل الطائرة في حال تبيّن وجود أي حالة مشتبه بها على متنها لكي يتم حجزها في غرفة الحجر الصحي في المطار قبل إسعافها إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي حيث أنشئت وحدة عزل متخصصة لاستيعاب مثل هذه الحالات، مشدداً في الوقت عينه على الحاجة إلى «إيقاف خدمة VIP في المطار حتى لا يتم إعفاء أي شخص من المرور بإجراءات التدقيق» التي ستشمل إخضاع كل القادمين من الدول الموبوءة لفحص حراري وطبي في المطار قبل السماح لهم بدخول الأراضي اللبنانية.

وعلى صعيد المنافذ البحرية، أكد أبو فاعور وجوب إبلاغ وزارة الصحة مسبقاً من قبل سلطات المرافئ عن أي باخرة آتية من الدول الموبوءة كي يتولى المراقبون الطبيون التدقيق بطواقمها لحظة وصولها. في حين كشف على مستوى الاستعدادات الاستشفائية عن تجهيز وحدات عزل في المستشفيات الحكومية بالإضافة إلى التعميم على المستشفيات الخاصة التي تتجاوز سعتها مئة سرير «ضرورة إنشاء وحدات عزل» مماثلة ضمن مهلة أقصاها ثلاثة أسابيع على أن تساعد وزارة الصحة في تدريب الطواقم الطبية التي ستعمل ضمن نطاق هذه الوحدات. ولهذه الغاية ستعقد المستشفيات الخاصة المعنيّة اجتماعاً غداً في سبيل بحث وإقرار الخطوة.

مخاطر «فترة الحضانة»

وإذ أكد الطبيب في مركز الحجر الصحي في المطار وفيق شرف الدين لـ«المستقبل» زيادة عدد الممرضات والممرضين في المركز تحت وطأة الحاجة الملحّة لذلك، أشارت مصادر مسؤولة في وزارة الصحة لـ«المستقبل» إلى أنّ الإجراءات المشددة المتخذة في المطار تهدف بشكل أساس إلى التصدي لمخاطر ما يُعرف بـ«فترة الحضانة» للمرض، موضحةً أنّ هذه الفترة الممتدة على مدى نحو عشرين يوماً هي الأشد خطراً لناحية إمكانية تسرّب الأشخاص المصابين بفيروس «إيبولا» نظراً لكون عوارض المرض لا تكون قد ظهرت على المصاب خلال فترة حضانته الأولى للفيروس بحيث لا تكون درجة حرارته مرتفعة وبالتالي يمكن أن يتخطى الإجراءات العادية المتبعة في المطار والدخول إلى لبنان مع ما قد يشكّله ذلك من خطر كبير على الصحة العامة في البلد.

أمام ذلك، لفتت مصادر الوزارة إلى أنّه بموجب الإجراءات المشددة التي أعلن عنها أبو فاعور أمس «سيصار إلى عزل كل الركاب الآتين من أي من الدول الموبوءة وإخضاعهم في غرفة الحجر الصحي المعزّزة بكوادر متخصصة في المطار لفحص دقيق في سبيل التأكد من خلوهم من المرض قبل السماح لهم بدخول لبنان»، موضحةً أنّ إجراءات الفحص تتنوّع بين استشعار درجة الحرارة وفحص التنفّس والرئة منعاً لأي خطأ في التشخيص يؤدي إلى دخول مصاب ممن لا يزالون في فترة حضانة الفيروس من دون أن تظهر عوارضها عليهم. وأفادت في معرض تأكيد إمكانية حصول ذلك أنّ «قرابة 7 حالات مرضية تمكّنت من الدخول إلى البلد في الفترة السابقة من دون أن يظهر عليها أي عوارض لحظة عبورها المطار، لكنّ العناية الإلهية وحدها أنقذت البلد من كارثة صحية بعدما تبيّن أنها حالات مصابة بمرض ملاريا وليس إيبولا».

وعن وضع اللبنانيين الموجودين في الدول الموبوءة، كشفت المصادر أنه وبعدما أبدت وزارة الصحة استعدادها لاستقبال أي من هؤلاء اللبنانيين الراغبين بالعودة إلى لبنان والتكفل بإجراء كل الفحوص اللازمة للتأكد من خلوّه من الفيروس «تلقت الوزارة سيلاً من الإشعارات الآتية عبر السفارات اللبنانية تفيد أنّ عدداً كبيراً من أبناء الجاليات اللبنانية الموجودة في الدول الأفريقية يريدون التوجّه إلى لبنان لإجراء هذه الفحوص»، مشيرةً إلى أنّ الوزارة ستتعامل مع هذا الملف بشكل مدروس لتنظيم مساره ومنع إغراق المستشفيات بأزمة تشخيص وفحص لحالات وافدة في التوقيت نفسه قبل التأكد من زيادة سعة الوحدات المتخصصة في المستشفيات بشكل يمكّنها من استيعاب مثل هذه الحالات.

نيجيريا «خالية»

وفي الإطار الدولي المتصل بمكافحة مرض «إيبولا»، برز أمس إعلان منظمة الصحة العالمية نيجيريا «دولة خالية» من المرض بعد مرور 42 يوماً من تاريخ اكتشاف آخر إصابة. وقال ممثل المنظمة روي غاما فاز في مؤتمر صحافي عقده في أبوجا: لقد أوقف (انتشار) الوباء في نيجيريا وهذا نجاح هائل يظهر للعالم أنّ بالإمكان وقف تقدّم «إيبولا».

الاتحاد الأوروبي

تزامناً، تعهّد الاتحاد الأوروبي إثر اجتماع على مستوى وزراء الخارجية في لوكسمبورغ أمس «تعزيز وتنسيق الجهود» في ما بين دول الاتحاد من أجل مكافحة «إيبولا»، واعداً بتقديم مساعدات تتجاوز نصف مليون يورو لكل من ليبيريا وسيراليون وغينيا وضمانات لتأمين إجلاء ومعالجة عاملي القطاع الإنساني الذين يصابون بالفيروس. 

وإذ حذّر الاتحاد من أنّ هذا المرض الذي أسفر عن وفاة أكثر من 4500 شخص حتى اليوم «ما زال ينتشر بسرعة هائلة» في الدول الموبوءة الثلاث، كشف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن الاتجاه نحو تعيين «منسّق أوروبي» لمكافحة الوباء «قبل نهاية الأسبوع» الجاري.

وبينما يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي يومي الخميس والجمعة في بروكسل لبحث التحديات التي يفرضها مرض «إيبولا»، أعلن الفرع النروجي لمنظمة أطباء بلا حدود أنّ طبيبة نروجية تعمل لصالح المنظمة التقطت عدوى «إيبولا» أثناء قيامها بمهام طبية في سيراليون ثم سرعان ما امتثلت للشفاء بعد إسعافها ومعالجتها في وحدة حجر خاصة في مستشفى أوسلو الجامعي.

تجدر الإشارة إلى أنّه في إطار الجهود الغربية لاحتواء المرض ومنع تفشّيه عالمياً، من المقرر أن تنشر الولايات المتحدة الأميركية ثلاثة آلاف جندي في ليبيريا بينما ستعمد بريطانيا إلى إرسال 750 جندياً إلى سيراليون. أما فرنسا فبادرت إلى إنشاء مركز متخصص للعلاج في الغابة الاستوائية في غينيا.