على رغم تسارُع الأحداث الإقليميّة، يَستمرُّ المأزَق السياسي الداخلي، في ظلّ تواصُل أزمةِ الشغور الرئاسي والتعطيل التشريعي على حالِها، في وَقتٍ لم تُسَجّل الاتّصالات الجارية أيَّ جديد في شأن انعقاد جلسة مجلس الوزراء، على رغم اللقاء الذي انعقَدَ أمس الأوّل في عين التينة بينَ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس الحكومة تمّام سلام.

برّي

وقال برّي أمام زوّاره، أمس، إنّه أبلَغَ إلى سلام خلالَ لقائهما، أنّه إذا دعا إلى جلسة لمجلس الوزراء غداً أو في نهاية شهر رمضان، أو بعدَ شهرَين، «فإنّ وزرائي سيَحضرون هذه الجلسة، وهذا هو موقفي».

من جهتِه، أكّدَ سلام لبرّي أنّه «مضى حتّى الآن ثلاثة أسابيع ولم ينعقِد مجلس الوزراء، وباتَ ضروريّاً حسمُ هذا الأمر، وأنّ هناك جدولَ أعمالٍ موَزَّعاً أصلاً على الوزراء». وعُلِمَ أنّ سلام يَقِفُ في هذا الصدَد أمام احتمالَين: الدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء خلالَ الأسبوع الجاري، أو في الأسبوع المقبل.

وقيل لِبرّي إنّ هناك اقتراحاً بِعَقدِ 3 جلسات لمجلس الوزراء، واحدة لجدول الأعمال وثانية للموازنة وثالثة للتعيينات، فقال: «البعضُ يتعامل مع الدستور كأنّه وجبةٌ رمضانيّة تبدأ بالشوربة ثمَّ بالفتّوش وتنتهي بالتَحلية، فَلْنَعُد إلى الكتاب والدستور، فهذا هوَ الطريق الصحيح لعملِ المؤسّسات».
وفي ما يتعلّق بفتحِ دورةٍ تشريعيّة استثنائيّة لمجلس النوّاب، فإنّ المعلومات تُفيد بأنّ هناك إمكانيّةً لفتحِ هذه الدورة بمرسوم يوَقّعه رئيس الحكومة و13 وزيراً، أي النصف زائداً واحداً مِن أعضاء مجلس الوزراء.

أمّا الموضوع الرئيسي الذي حازَ على القِسط الأكبر من البحث بين برّي وسلام فكان الملفّ النفطيّ، وقد توقّفا عند قرار الإدارة الأميركية بإعادة إحياء مهمّة المسؤول الأميركي أموس هوشتين، الذي خلف فريدريك هوف، وإيفاده مجدّداً إلى لبنان والمنطقة ومتابعة مهمّته في ما يتعلق بحقوق لبنان النفطية في مياهه الإقليمية وحدود منطقتِه الاقتصادية الخالصة التي قرصَنَت إسرائيل منها نحو 675 كيلومتراً مربّعاً.

وعُلِم أنّ إيفادَ واشنطن هذا المسؤولَ الاميركي يأتي بعد توحيدِ الموقف اللبناني في الملف النفطي في ضوء اتّصالاتٍ واجتماعاتٍ عَقدَها برّي مع سلام والرئيس فؤاد السنيورة ووزير الخارجية جبران باسيل، أسفرَت عن تأليف لجنة من مستشاريه ومستشاري سلام وباسيل، وعُقِدت اجتماعات توَصّلت إلى موقف موَحّد أُبلِغ إلى الأميركيين والأمم المتحدة، وهو التمسّك بترسيم حدود لبنان البحرية بإشراف الأمم المتحدة ورفضُ أيّ انتهاك إسرائيلي لحقوق لبنان النفطية والبحرية.

وعُلِم أنّ برّي كان قد أجرى اتصالات مع الأميركيين والأمم المتّحدة منذ أكثر مِن شهر ونصف في ضوء اكتشاف اعتداء إسرائيلي على المياه اللبنانية ومحاولة سَرِقة النفط من هذه البقعة، وزوّد بري المسؤولين في الأمم المتّحدة والأميركيين وثائقَ وصوَراً ومعلوماتٍ حصَل في ضوئها تحرّكٌ دوليّ وأوقفَ هذا الاعتداءَ الإسرائيلي.

زوّار سلام

في غضون ذلك، نُقِل ليلَ أمس عن رئيس الحكومة قوله إنّه سيَستكمل مشاوراته هذا الأسبوع مع ممثّلي الكتَل الوزارية، مستنِداً إلى الدعم الذي تلقّاه مِن رئيس مجلس النواب في لقائهما أمس الأوّل.

وقال سلام أمام زوّاره إنّه ما زال يتريّث، لكنّ ذلك لا يعني أنّه يمكن أن يتنازلَ عن صلاحياته في دعوةِ مجلس الوزراء إلى الانعقاد وتحديد جدول أعمال الجلسة، مؤكّداً «أنّ هذا الأسبوع لن يمرّ مِن دون قرار».

وجَدّدَ سَلام التشديدَ على مضمون الخطاب الذي ألقاه في إفطار جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت لجهةِ عدمِ تخَلّيه عن مسؤولياته وإنّه لا بدّ لمرحلةِ التريّثِ أن تنتهي، فالبلادُ لا تتحمّل شَللاً حكوميّاً بهذا الحجم، وهناك قضايا ملِحّة تَعني جميعَ اللبنانيين، ولا بدّ مِن العمل على تسيير شؤونِهم.

قزّي

وفي المواقف من الأزمة الحكومية، قال وزير العمل سجعان قزي «إنّ اجتماع الرئيس تمام سلام بالرئيس برّي لم يَنتج عنه بعد قرار بدعوةِ مجلس الوزراء إلى الاجتماع الخميس المقبل، لكنّ سلام مصَمّم على دعوة الحكومة للاجتماع في موعدٍ ليس ببعيد.

وشَدّد على «أنّ الحكومة شُكّلت لتعملَ، وأنّ أيّ ترَدّد في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد هو استِسلامٌ لمنطِق الدويلة على حساب منطق الدولة». وأضاف: «هناك 18 وزيراً على الأقلّ يريدون انعقادَ مجلس الوزراء، ولهم وزنُهم وتمثيلهم ودورُهم وكرامتُهم، فلا يجوز تجاهلهم.

نحن نَرفض ذلك ولدَينا القدرة على التعطيل أيضاً إذا لزمَ الأمر». واعتبَر أنّ مِن شأن دعوةِ مجلس الوزراء إلى الانعقاد «كسرَ مشروعِ تعطيل الحكومة، فلا نترك انطباعاً أنّ الحكومة دَخلت في مرحلة الشَلل كالمجلس النيابي ورئاسة الجمهورية». وقال: «علينا احترام أحكام الديموقراطية والدستور، وإلّا فلنُعِد النظرَ بالحُكمِ في هذا البلد».

ولفتَ قزّي إلى «أنّ موضوع صلاحيات رئيس الحكومة غيرُ مطروح في الوضع الحالي، لكن إذا استمرّ تغييبُ مجلس الوزراء فسنطرحُها، لأنّ صلاحيات رئيس الجمهورية ستكون ضائعةً بين رئيس الحكومة ومجلس الوزراء. وحينئذ سنسأل أين هي صلاحيات رئاسة الجمهورية لا صلاحيات رئاسة الحكومة فقط».

خليل

مِن جهتِه، دعا وزير المال علي حسن خليل إلى «عدم تحويل الخصومة السياسية إلى عداوةٍ تَجعلنا منقطعين بعضنا عن بعض»، وقال: «نحن نصِرّ على الدعوة الى الحوار بين المكوّنات اللبنانية على اختلافها، وتحديداً بين المكوّنات التي تتّسِم العلاقات الحاليّة في ما بينها بتوَتّر عالٍ.

هذا الأمر بمجرّد أن يحصل يوصِلنا بنحو أو بآخر الى تخفيف منسوب هذا التوَتّر الذي علينا أن نبحث دائماً لتخفيفه. لهذا نصِرّ على الحوار، وأعتقِد أنّه سيستمرّ وسيُستأنف الأسبوع المقبل وربّما بعكسِ ما يتصوّرالبعض، لنصِل إلى تفاهمات على الحدّ الأدنى حول طريقة إدارة شؤون بلدِنا».

أبو فاعور

بدوره، سأل وزير الصحة وائل أبو فاعور: «ألا تكفي كلُّ النيران المندلعة الممتدّة على وجه الكوكب وليس فقط في هذا الشرق، أن تكون حافزاً للقوى السياسية مع كلّ التقدير والاحترام لكلّ الطموحات والمطالب والرغبات، للعودة إلى المؤسّسات؟ وقال: «إذا كان البعض لا يرى في هذا الأمر الحافزَ الكافيَ فهناك مشكلةٌ كبرى، في البصيرة السياسية وفي المسؤولية السياسية والوطنية. أيّ وضعٍ يمكن أن يكون أسوَأ من هذا الوضع لكي يعودَ مجلس الوزراء إلى الانعقاد؟.

وجَدّد أبو فاعور مطالبتَه سلامَ بالدعوة إلى جلسةٍ عاجلة لمجلس الوزراء، ودعا القوى السياسية إلى تقدير حجمِ المخاطر، وأن تتنزّه عن كلّ المطالب مهما كانت محِقّة أو معَبّرة عن آرائها، لكي تحضرَ مجلس الوزراء وينعقد المجلس وتستقيم مؤسّساتنا الدستورية به وبمجلس النوّاب ورئاسة الجمهورية».

بوصعب

واعتبَر وزير التربية الياس بوصعب «أنّ عدمَ قبولِ الآخر، هو السبب الرئيسي في تعطيل عمل الحكومة وشَلّها»، لافتاً إلى «أنّ حَلحلة الأمور بنَحوٍ أسهَل في البلد تَبدأ عندما يفَكّر الجميع بالشراكة في مجلس الوزراء، وليس في العَداء»، مشَدّداً على أنّ حرّية الرأي والاختلاف في السياسة أمرٌ طبيعيّ، ولكنّ الاختلاف لا يَعني العَداء، وعَدوُّنا الوحيد هو العَدوّ الإسرائيلي الذي يَحتلّ أرضَنا، إضافةً إلى موجة الإرهاب والتكفير التي لن ترحمَ أحداً».

وسألَ بو صعب عن السبب الذي يَمنع من استكمال التعيينات الأمنية، وتعيين قائد للجيش، خصوصاً أنّ هذه الحكومة أقرّت أكبرَ التعيينات، منها تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي، داعياً إلى البحث عن «حلّ شامِل يُعيد العملَ إلى مجلس الوزراء والتشريعَ إلى مجلس النواب، ويساعد في حلّ قضيةِ التعيينات، ويكون مخرَجاً يؤدّي لانتخاب رئيس للجمهورية».

مجلس (14 آذار)

على صعيدٍ آخَر، انعقدَت الجمعية التأسيسية للمجلس الوطني لمستقلّي حركة «14 آذار» في مجمّع «بيال»، وانتخَبت سمير فرنجية رئيساً لها، على أن تلتئمَ في مؤتمر جديد خلال ثلاثة أشهر لتنتخبَ مكتبَها التنفيذي، بناءً على طلب الهيئة العامة.

فالقَيّمون أرادوا تسريعَ الخطوات لإعلان ولادةِ هذا المجلس من أجل تأكيد الآتي:

أوّلاً، أنّ هناك شريحة واسعة من اللبنانيين ترفض الانكفاءَ إلى المربّعات الطائفية والمذهبية، وحريصة على مواجهة العصبيات الطائفية في اللحظة نفسِها التي يشهَد فيها العالم العربي صراعات وفتَناً متنقّلة.

ثانياً، أنّ 14 آذار التي تجَسّد التعدّدَ والتنوّع وتشَكّل إطاراً عابراً للطوائف ترفض الخضوعَ للأمر الواقع، لأنّه في اللحظة التي تسَلّم فيها بالاصطفافات القبَلية يعني انزلاقَ لبنان إلى الحرب الأهلية.

ثالثاً، إعادة الاعتبار إلى «شعب 14 آذار» الذي تظاهرَ لإخراج الجيش السوري والعبور إلى الدولة التي لا يمكن أن تنهضَ إلّا على أسُس مدنية وحديثة.

رابعاً، إعادة تنظيم واستنهاض وتأطير الرأي العام المستقلّ الذي يشَكّل قيمةً مضافة في الحركة الاستقلالية.

ومِن هنا جاءَ تأسيسُ المجلس بمثابة إضاءةِ شمعةٍ في عتمةِ الحروب والقتلِ واستنفارِ الغرائز. وسيَبدأ هذا المجلس اجتماعاته وأعماله بَدءاً مِن اليوم في سياق تأليفِ اللجان المختصة في كلّ الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.