إذا كان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قد أمسك بالعصا من وسطها، فلم يشأ تأييد مطلب نواب مسيحيين التقوا في بكركي اعتماد الاكثرية المطلقة في النصاب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن رئيس الوزراء تمّام سلام خرج عن صمته، وصوّب في اتجاه المقاطعين، فأعلن في كلمة الى اللبنانيين ان "التعطيل المتكرر لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أدى إلى إدخال البلاد في مسار سياسي واقتصادي خطير، لا يبدو أن الجميع مدركون لفداحته، أو أن الكل يشعر بالدرجة نفسها من المسؤولية الوطنية تجاهه. لا بل يمكن القول إن هناك، ويا للأسف، من لا يستعجل الخروج من هذا المأزق، أيا كانت الأضرار الناجمه عنه، وأياً كانت المخاطر المحيطة بالبلاد في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها منطقتنا".

مواقف دولية
وقد مرت الذكرى الاولى للشغور الرئاسي، ودخلت السنة الثانية أيامها الاولى، وسط حركتين خارجية وداخلية. في الاولى، اتصال بالرئيس سلام من نائب الامين العام للامم المتحدة يان الياسون حمل دعوة صريحة الى الاسراع في انتخاب رئيس وملء الفراغ المتحكم بالرئاسة الاولى. وأصدرت الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية فيديريكا موغيريني اعلاناً تناولت فيه تداعيات الفراغ، ودعت "النواب إلى احترام التقليد الديموقراطي العريق للبنان والالتئام لانتخاب رئيس من دون مزيد من التأخير عملاً بأحكام الدستور".
ويصل الى بيروت الجمعة الموفد البابوي وزير خارجية الفاتيكان سابقا الكاردينال دومينيك مامبرتي، وسيكون الموضوع الرئاسي على جدول أعمال لقاءاته. وفي المقابل، توقعت مصادر ان تزور ممثلة الامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ طهران والرياض مطلع حزيران المقبل للبحث في السبل المتاحة لتسهيل انتخاب رئيس من طريق فك ارتباط ملفه بأزمات المنطقة، وهي محاولة كان بذلها سابقاً سلفها ديريك بلامبلي بجولات مكوكية قادته الى اكثر من عاصمة اقليمية مؤثرة في موضوع رئاسة لبنان.

 

لقاء بكركي
في الحركة الثانية، وفي ظل اصرار في المواقف على عدم اطالة الفراغ من اكثر من جهة، تنادى نواب مسيحيون من قوى 14 آذار ومستقلون ومن"اللقاء الديموقراطي" إلى لقاء في بكركي. وعلم من مصادر المجتمعين أن الدعوة انطلقت بعدما "طفح الكيل" ونتيجة شعور بتململ واضح في كل الأوساط المسيحية والإسلامية من هذا الشغور، إضافة إلى قلق واضح في الأوساط المسيحية من زوال الموقع الرسمي المسيحي الوحيد في الشرق الاوسط، فضلاً عن التهجير الذي يصيب المسيحيين مما يهدد المنطقة بإفراغها من احد مكوناتها الأصلية. ومن هذا المنطلق شارك عدد من النواب بعد استمزاج رأي البطريرك الراعي في الدعوة إلى اللقاء وكان الداعي الأكبر إليها وزير الإتصالات بطرس حرب.
ولفت الراعي في اللقاء إلى أن دور النواب منذ 25 أيار 2014 هو البقاء في مجلس النواب ولو ساعتين يومياً، يرافقهم في ذلك تحرك شعبي ونخبوي داعم لانتخاب رئيس. وأيد نواب هذا الرأي معتبرين أنه يهدف الى إظهار "مشهدية وجود نيابي في المجلس يتفاعل مع القوى المدنية والشعب لإظهار كون اللبنانيين لا يمكنهم إبقاء لبنان بلا رأس في هذه الظروف التي تمر في المنطقة وخصوصاً في سوريا والعراق وامكان انتقال شرارات منها إلى لبنان".
ثم بدأت المناقشات، وتحدث عدد من النواب وأيد الجميع الدعوة إلى اعتصامات وحضور نيابي يومي في المجلس. واقترح النائبان أنطوان زهرا ورياض رحال مشاركة رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية الشعب في اعتصامه "باعتبار ان الجميع يطالبون بانتخاب رئيس وأن رئيس الجمهورية ليس للمسيحيين فحسب انما لجميع اللبنانيين".
واقترح البطريرك دعوة كل النواب المسيحيين من 8 و14 آذار إلى لقاء تشاوري في بكركي "علّنا نصل إلى قواسم مشتركة وحل". وتحدث نواب عن ضرورة تطبيق المادة 49 من الدستور التي تقول بالأكثرية المطلقة في الدورة الثانية أي النصف زائد واحد بعد عدم توافر الثلثين في جلسة الإنتخاب الأولى، وهو اقتراح اقتضى مع اقتراح الإنعقاد الدائم للجلسة دعوة عدد من الحضور ومنهم النواب حرب وزهرا وفادي الهبر الى تأليف لجنة لتفسير الدستور وتصويب هذه الإقتراحات وتطويرها. ووافق النائب روبير غانم مقترحاً التشاور مع الرئيس نبيه بري "لأن مثل هذين الإقتراحين يقتضيان عدة شغل للإنطلاق بهما والوصول الى نتيجة".

برّي
وقد علق رئيس مجلس النواب على مطالبة النواب باعتماد النصف زائد واحد لانتخاب رئيس الجمهورية، فقال: "نحن في بلد ديموقراطي. ولا تعليق". وتوقف عند البيان التوضيحي الذي اصدرته بكركي بعد اجتماع النواب. واعتبر "ان المجلس في حال انعقاد دائم. واذا حصل توافق يساعد في الانتخاب، فسأحدد موعدا لجلسة في اليوم التالي، وقبل موعد الجلسة المقبلة في 3 حزيران. واقول للجميع إن للبرلمان كرامته ولا أحد يعلّمني كيف أدعو الى الجلسة. وبالنسبة الى النصاب، فان الدستور هو من يحدد النصاب".

مجلس الوزراء
على صعيد آخر، توقعت مصادر وزارية أن يحضر موضوع عرسال على طاولة الجلسة العادية لمجلس الوزراء غداً الخميس من خلال مبادرة بعض وزراء 8 آذار الى السؤال عن الاجراءات التي تنوي الحكومة تكليف الجيش اتخاذها بما يجعل الدولة ممسكة بزمام الامر في البلدة بالتوازي مع التطورات الميدانية التي قد تشهدها التلال في المنطقة. ورأت أن وزراء 14 آذار قرروا في المشاورات الجارية، إضافة الى تلك التي تمت الاثنين الماضي في "اللقاء التشاوري" الوزاري، أن يكون الطرح شاملا لجهة توفير الامن في البلدة فلا تكون بؤرة توتر، وعرض ما يجري في القلمون والخرق الحدودي المتمثل بالتعاون بين "حزب الله" وجيش دولة أجنبية بهدف إنشاء شريط حدودي بين "حزب الله" وسوريا على الحدود الشرقية.
وقالت المصادر لـ"النهار" إن اتصالات أجريت بين الوزراء للحد من التباين في البنود الخلافية في جدول الاعمال، علما أن مجلس الوزراء سيعقد اليوم جلسة مخصصة لمشروع الموازنة من المنتظر أن تشهد أيضا تباينات في شأن بنود الانفاق واعتماد سياسة الانماء المتوازن.

الأمن
أمنياً، دهمت قوة من مخابرات الجيش اللبناني مبنى ومستودعاً على طريق التيرو في الشويفات وأوقفت 13 سورياً تبين أنهم ينتمون الى تنظيم "داعش"، بعدما توافرت معلومات عنهم وصور لهم على هواتفهم الخليوية وهم يقاتلون في سوريا في صفوف هذا التنظيم، كما أظهرت صور أخرى بعضهم وهم في وضع قتالي خلف رشاشات ثقيلة ومتوسطة. ولم تُشر المعلومات المتوافرة لدى "النهار" عن مصادرة أسلحة لدى هؤلاء.