إذا كان الطرح الذي أطلقه نواب «14 آذار» من بكركي والداعي الى انتخاب رئيس الجمهورية بنصاب النصف + واحداً، قد وُلد ميتاً ودُفن في «المقبرة السياسية» فورا بإشراف البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أشرف على رتبة الدفن، فإن الاستحقاق الأهم يكمن في جلسة مجلس الوزراء المقبلة التي تحاصرها من جهة جرود عرسال ومن جهة أخرى التعيينات الامنية، ما يضعها امام «اختبار وجودي»، مرة جديدة.
ولا يبدو أن أحدا يستطيع منذ الآن رسم سيناريو دقيق للتطورات المتوقعة، وسط تعدد الاحتمالات وتداخل الحسابات التي يستند اليها كل طرف في تحديد موقفه. ولعل «حزب الله» يواجه أكثر من غيره الحرج، وهو الذي يسعى الى التوفيق بين دعمه التام لطروحات العماد ميشال عون، ورغبته في عدم تعريض الحكومة لأي مغامرة غير محسوبة، فيما تشكل «فيتوات» «تيار المستقبل» على مستويي جرود عرسال والتعيينات الامنية التحدي الاكبر للتماسك الحكومي.
والتحديات التي تواجه الحكومة كانت موضع نقاش خلال اللقاء الذي جمع النائب وليد جنبلاط مع مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في «حزب الله» وفيق صفا، في كليمنصو، حيث كان توافق من قبل الطرفين على ضرورة عدم الاستقالة من الحكومة في ظل التعطيل الذي يصيب المؤسسات الدستورية الاخرى، الامر الذي يترك أمام الحزب هامشا للتضامن مع عون في الخيارات الاعتراضية التي هي ما دون الاستقالة.
وبرغم الإجماع اللبناني النظري على ضرورة التصدي لإرهاب التطرف التكفيري، إلا ان مجلس الوزراء يبدو منقسما إزاء كيفية التعامل مع هذا الارهاب المقيم في جرود عرسال والمتمدد الى داخل البلدة، فيما يشكل موقف «تيار المستقبل» الرافض لخيار الحسم عامل إرباك للرئيس تمام سلام.
وتفيد المعلومات ان وزراء «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» في صدد فتح ملف جرود عرسال على مصراعيه في جلسة غد الخميس بعد مهلة السماح التي منحوها للحكومة خلال الجلستين السابقتين، حيث كان سلام يسارع الى تأجيل البحث في هذا الملف، خشية من تداعياته.
ويُتوقع ان يطرح هؤلاء الوزراء أسئلة حول خطة الحكومة وسياستها لمواجهة الخطر الناجم عن احتلال المجموعات المسلحة لجرود عرسال اللبنانية، وسيطلبون من وزير الدفاع شرحا للوضع الميداني في الجرود والبلدة وللخيارات الممكنة من أجل بسط سيادة الدولة على الجزء الخاضع لاحتلال التكفيريين.
وقال وزير بارز في «8 آذار» لـ «السفير» ان الحكومة مدعوة الى تحمل مسؤولياتها في تحرير جرود عرسال من المسلحين المحتلين، مشيرا الى ان المنتظر من وزير الدفاع ان يقدم المعلومات والمعطيات التي يفترص انه جمعها خلال الايام الماضية حول حقيقة الوضع في عرسال وجرودها حتى يبنى على الشيء مقتضاه.
وأضاف المصدر الوزاري: إذا كانت الدولة لا تملك حتى الآن المعلومات الضرورية حول حقيقة الواقع الميداني فهذه مصيبة، وإذا كانت تملكها ولا تتحرك فهذه مصيبة أكبر.
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر سياسية واسعة الاطلاع «السفير» ان جلسة الغد ستكون مفصلية، لافتة الانتباه الى ان ملفي جرود عرسال والتعيينات الامنية سيكونان ضاغطين عليها.
واعتبرت المصادر ان البلد كله في خطر، لا الحكومة فقط، مشيرة الى ان مسار الجلسة يتوقف على النقاش الذي سيحصل والوجهة التي سيسلكها، محذرة من مخاطر ان تعتمد الحكومة سياسة النأي بالنفس في التعاطي مع واقع جرود عرسال.
ولفتت المصادر الانتباه الى ان الجيش يستطيع ان يتحرك من تلقاء ذاته لحماية القرى اللبنانية المحيطة بجرود عرسال، لان هذه المهمة تندرج في صلب دوره، وهو لا يحتاج الى إذن من أحد لتأديتها، ولكن هذا لا يمنع ان توافر الغطاء السياسي له من قبل مجلس الوزراء هو أفضل في الظروف الراهنة، لان من شأن ذلك تحصين أي عمل يمكن ان يبادر اليه، أو يكلف به.
وقال النائب وليد جنبلاط لـ «السفير» ان المطلوب في هذه المرحلة المحفوفة بالمخاطر المحافظة على الاستقرار الداخلي. وأضاف: أما وقد وصل «داعش» الى تدمر، وربما يتمدد أكثر، فإن الاولوية الوطنية يجب ان تكون لحماية الحكومة والاستقرار، وهذه الاولوية يجب ان تبقى فوق كل الخلافات.
وردا على سؤال عما إذا كان يؤيد ان يتولى الجيش حسم الموقف العسكري في جرود عرسال، أجاب: تحت السقف الذي حددته، الحكومة هي التي تقرر.
في هذه الاثناء، رفض وجهاء بلدة عرسال «إقحامها في أي صراعات فئوية»، مشددين على «حسن العلاقة مع الجوار».
وطالبوا في بيان أصدروه بعد اجتماعهم، «السلطة اللبنانية بكل أجهزتها الأمنية بالسعي الى تأمين المناخ الملائم داخل البلدة وفي خراجها، بما يُمكّن الأهالي من استثمار مواردهم بحرية»، كما أعربوا عن رفضهم «لوجود السلاح داخل مخيمات النازحين السوريين».

التعيينات الأمنية
ولا يقل ملف التعيينات الامنية وطأة على الحكومة، في ظل إصرار «التيار الحر» على تعيين مدير عام لقوى الامن الداخلي وقائد للجيش، الى درجة التلويح بالاعتكاف الوزاري، وبالتالي تجميد عمل الحكومة في حال التمديد للواء ابراهيم بصبوص والعماد جان قهوجي.
ومن الواضح ان طريقة مقاربة مجلس الوزراء لاستحقاق انتهاء خدمة المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء بصبوص في مطلع حزيران المقبل، بناء على ما سيقترحه الوزير المختص نهاد المشنوق (في الجلسة المقبلة على الأرجح)، سيشكل اختبارا بـ «الذخيرة الحية» للوضع الحكومي ومحكاً لرد فعل عون الذي كثرت التأويلات في شأنه.
وتفيد المعطيات ان هناك قبولا بتعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش في صفوف قوى «8 آذار» والنائب وليد جنبلاط، لكن العقبة تتمثل في تراجع الرئيس سعد الحريري عما كان قد أبلغه لعون من تأييد لهذا التعيين، الامر الذي يجعل أسهم احتمال التمديد لقهوجي مرتفعة، مع ما سيجره ذلك من تداعيات على الحكومة.

تصعيد عون
وليلا، قال العماد عون في مقابلة مع محطة «أو تي في» انه لم ينجح في دور «التوفيقي» لأنه ليست هناك نية أساساً للتوافق، مشيرا الى انه داعم للمقاومة «ولكنني لست 8 آذار وأنا قادر على الكلام مع الجميع».
وأكد ان مجلس النواب ليس قانونياً «وأنا أتعهد بأن أحضر جلسات الانتخاب مهما كانت النتيجة، إذا وُضع قانون انتخابات نيابية جديد».
وأضاف: لا مجال لتكرار خطأ الدوحة، ومعركتي اليوم من دون سقف. سأقاوم، ولن أقبل بتكرار الاضطهاد، فإما أربح وإما أخسر، ولن أترك المعركة إلا شهيدا.. أنا في حالة دفاع عن النفس وعن الحقوق.
ورأى ان الردود على المبادرة التي أطلقها تدل على غباء جماعي أو سوء نية، لأنها تعمدت إثارة موضوع تعديل الدستور، «في حين ليس هناك أي طرح لتعديل دستوري في مبادرتي».
وفي ما خص التعيينات الامنية، تساءل: لماذا يريدون افتعال مشكلة بسبب شخص باق في وظيفته بوجه غير شرعي؟ ضباط الجيش يعرفون جيداً من يجب أن يكون قائدا للجيش ومن الأفضل في الصفوف، ولنا الحق بتسمية الأشخاص في المواقع المسيحية شاؤوا أم أبوا، لأنها مهمة موكلة إلينا من ناخبينا وممن نمثل.
وشدد على ان وزير الدفاع مؤتمن على تطبيق القوانين وليس لاستعمالها على هواه «وإن فعل ذلك فسنسحب الثقة منه».
ودعا الحكومة الى «ان تخبرنا ماذا تريد أن تفعل بشأن جرود عرسال ونحن لا نقبل أن تكون 400 كم من أرضنا في جرود عرسال محتلّة»