لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثامن والثلاثين بعد الثلاثمئة على التوالي.
ما بين «جسر الشغور» في سوريا، و «شغور الجسر» المؤسساتي في لبنان، يترنح الوضع الداخلي الذي قد يزداد دقة - لا سيما في جانبه الامني - على وقع التطورات العسكرية في الميدان السوري.
أما في المشهد السياسي، فإن أشباح الفراغ في قصر بعبدا لا تزال تصول وتجول في الجمهورية غير المكتملة، تعبث بالمؤسسات الدستورية وتشلها.
وليس أدل على هذا الواقع المزري من أن التجاذب حول التشريع النيابي، بين من يجده ضرورياً ومن يجد فيه ضرراً، آخذ في التصاعد والاحتدام الى حد أصبح يهدد بفرز طائفي، بعدما قررت الكتل المسيحية الأساسية («التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب») مقاطعة الجلسة التشريعية المفترضة، ما أغضب الرئيس نبيه بري وأثار امتعاض الرئيس تمام سلام والنائب وليد جنبلاط.
وبدا واضحاً أن أزمة التشريع انعكست سلباً على العلاقة بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، فيما كان لافتا للانتباه في مواقف رئيس المجلس امس انتقاده الضمني لبعض طروحات البطريرك الماروني بشارة الراعي.
بري: إنهم يخرّبون البلد
وقال بري أمام زواره أمس: لقد قمت بما عليّ فعله وبما يمليه ضميري وواجبي، وخلافاً لما يتردد لن أجري أي اتصالات اضافية في شأن عقد الجلسة التشريعية، وعلى المقاطعين ان يتحملوا مسؤولياتهم ويراجعوا مواقفهم، تحت طائلة تحمل تبعات تعطيل مصالح الدولة والمواطن.
وشدد على ان قناعته المستندة الى الدستور هي ان «من حق المجلس النيابي ان يُشرّع من الباب الى المحراب في كل شيء، من دون استثناء، حتى لو كان رئيس الحكومة مستقيلا ورئيس الجمهورية غائبا أو مغيبا، لكن مع ذلك، راعيت إحساس البعض في هذه المرحلة الدقيقة وقبلت بتشريع الضرورة حصراً، ليس كعرف أو قاعدة، وإنما من باب مراعاة الخواطر والرغبة في تسهيل الامور».
وأضاف بري: المفاجأة اننا رضينا بالهم ولم يرض الهم بنا، فإذا بفريق كان مع التشريع، هو «التيار الوطني الحر»، يتراجع عن موقفه.
ونبّه الى ان «سلوك المقاطعة والتعطيل يقود الى خراب البلد، والمفارقة ان من يعطلون التشريع بحجة عدم وجود رئيس للجمهورية هم أنفسهم يقاطعون جلسات انتخاب الرئيس، ولذلك أنا أدعوهم الى ان ينزلوا الى المجلس وينتخبوا الرئيس، حتى نخرج من هذه الدوامة».
وغامزا من قناة البطريرك الماروني بشارة الراعي، قال بري: البعض يجول في الخارج، من رؤساء طوائف وغيرهم، ويندب على الرئاسة، ولعل الأفضل لو ان هذا البعض يسعى لدى طائفته الى التوفيق بين أطرافها من أجل انتخاب رئيس الجمهورية.
وأضاف: كفى تحميل المجلس النيابي والحكومة تداعيات الشغور الرئاسي.. هم يتسببون بالامراض ونحن نداويها، هذه هي الحقيقة التي حان أوان البوح بها. ولفت الانتباه الى ان الدين العام تجاوز الـ70 مليار دولار «وبالكاد نستطيع تسديد خدمة الدين، فإلى متى سيستمر التعطيل الذي يساهم في تفاقم أزماتنا؟».
وأشار الى ان جدول أعمال الجلسة التشريعية يضم مشاريع حيوية وضرورية تتعلق بالمياه لبيروت والبنى التحتية لكسروان واتفاقية الدفاع مع فرنسا والمتصلة بالهبة العسكرية للجيش، واتفاقيات قروض يجب الاستفادة منها قبل انتهاء صلاحيتها. ولاحظ ان الحكومة تدفع ايضا ثمن المنحى المعتمد، متسائلا: إذا كانت الحكومة لا تستطيع إقرار مشروع الموازنة، فما الفارق بينها وبين حكومة تصريف الاعمال؟

سلام: المقاطعة خطيرة
وفي سياق متصل، أعرب الرئيس تمام سلام عن قلقه من تصاعد حدة السجالات السياسية والمواقف التي يمكن ان تعطل عمل الحكومة، وتعطل التشريع في المجلس النيابي.
وقال سلام لـ «السفير»: «نحن نريد من الجميع ان يلجأ الى الحكمة والدراية بالأمور لمواجهة المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة، والتي لا تحتمل مزيدا من المزايدات التي يمكن ان تؤدي الى صدامات نحن في غنى عنها».
وتمنى سلام «ان تنعكس أجواء الحوارات القائمة بين القوى السياسية على أداء هذه القوى بالممارسة العملية، تهدئة للسجالات وللاحتقان، لأن وضع البلد لا يحتمل المزيد في ظل الوضع الصعب القائم».
ورأى سلام أن موقف الكتل المسيحية بمقاطعة التشريع «أمر خطير ويجب إيجاد حل له، وكذلك الحال بالنسبة لمشروع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب وسائر الملفات الاخرى العالقة أمام المجلس والحكومة لتسيير مصالح الدولة والمواطنين».

جنبلاط: لا للتعطيل
وقال النائب وليد جنبلاط لـ «السفير» ان الرئيس بري محق في موقفه وصرخته ضد تعطيل التشريع، وأضاف: نعم.. الأزمة الرئاسية هي في جوهرها مسيحية - مسيحية، والشغور في رئاسة الجمهورية ناتج بالدرجة الاولى من عدم إدراك بعض القيادات المسيحية لضرورة الوصول الى مرشح توافقي.
وتابع: كنا في أزمة رئاسة، واليوم أصبحنا أمام أزمة تشريع، والنتيجة أن البلد كله بات مهدداً بالتعطيل الشامل.
وشدد على عدم وجود أي مبرر لمقاطعة الجلسة التشريعية المقررة، لافتا الانتباه الى وجوب الإسراع في إقرار مشروع الموازنة في مجلسي الوزراء والنواب، من أجل مواجهة الاستحقاقات المالية والاقتصادية ووضع ضوابط لصرف المال.

كنعان: هذه أولوياتنا التشريعية
في المقابل، أبلغ عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان «السفير» ان موقف التكتل كان ولا يزال مع المشاركة في أي جلسة نيابية تتوافر فيها مقومات «تشريع الضرورة» الذي «نقصد به القوانين المتعلقة بتكوين السلطة أو بالمصلحة العليا للدولة، مثل قانون الانتخاب واستعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني والموازنة وسلسلة الرتب والرواتب».
وأوضح ان «قرارنا بمقاطعة الجلسة المقررة أتى نتيجة افتقار جدول أعمالها الى المشاريع التي تندرج في إطار تشريع الضرورة، ولو حضر بعض هذه المشاريع لكنا قد شاركنا، كما فعلنا في الجلسة السابقة، وبالتالي لا صحة للاتهام الموجه إلينا بأننا نعطل مجلس النواب».
وتساءل: ماذا عن مصير قانون الجنسية المعلق منذ 14 عاما، وأين قانون الانتخاب العادل الذي ننتظره منذ 24عاما، وأين سلسلة الرتب والرواتب التي نبحث فيها منذ سنتين.. أليست هذه أولويات في أي تشريع، وهذا الكلام ليس موجهاً الى الرئيس بري بل الى كل الكتل النيابية.
وأضاف: نحن أول من أطلق مفهوم تشريع الضرورة منذ حصول الشغور الرئاسي، اقتناعاً منا بأن عمل المؤسسات الدستورية لا يمكن ان ينتظم في ظل غياب رئيس الجمهورية، والرئيس بري يعرف جيدا موقفنا الذي لم نتراجع عنه.
وتابع: أزمة الرئاسة ليست عند المسيحيين، وأنا أطمئن الجميع بأننا نعالج الأمور بين بعضنا البعض، والمطلوب من الآخرين ان يفكوا أسر حقوقنا الدستورية والميثاقية.