هذا الواقع دفعَ رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس إلى رفع صوت التحذير والتنبيه من تخريب البلاد جرّاءَ تعطيل مؤسساتها الدستورية، غامزاً من قناة المعوقات التي تَحولُ دون انعقاد مجلس النواب في عقدِه التشريعي العادي الأوّل في أيّ جلسة تشريعية، خصوصاً أنّ هذا العقد ينتهي في 31 أيار المقبل.

وعندما سُئل بري: هل ستبقى البلاد على ما هي عليه من تعطيل بما يحول دون انعقاد المجلس النيابي؟ قال أمام زوّاره: «لقد قمتُ بما عليّ، وخلافاً لما يتردّد، لن أُجريَ اتّصالات في شأن الجلسة التشريعية، فليتحمّلوا مسؤولياتهم ويراجِعوا مواقفَهم. المجلس النيابي بوضعِه الحالي يملك صلاحية التشريع «من بابها الى محرابها» في كلّ شيء، سواءٌ أكانَ رئيس الحكومة مستقيلاً أو رئيس الجمهورية غائباً او مغيّباً، وهذا ما يقوله الدستور. ومع ذلك راعيتُ إحساس البعض وقبلتُ بـ«تشريع الضرورة»، ليس على أنّه عرفٌ أو قاعدة، وإنّما انطلاقاً من هذا الإحساس والرغبة في تسهيل الامور.

وكان هناك أناس مع تشريع الضرورة وتراجعوا، وكان هناك أناسٌ مع التشريع العادي وتراجَعوا (التيار الوطني الحر). إنّ سلوكاًُ كهذا يقود الى خراب البَلد، وأريد القول صراحةً إنّ على الإعلام تسليط الضوء على كلّ الحقيقة. إذا كانوا يقاطعون التشريع بحجّة عدم انتخاب رئيس الجمهورية، ويقاطعون الجلسة التشريعية، فلينزلوا إلى المجلس ولينتخبوا رئيساً.

وهناك مَن يَجول في الخارج، من رؤساء طوائف وغيرهم، ويندبون على الرئاسة، فليسعَوا لدى طائفتهم وشارعِهم للتوفيق بين الأطراف لتحقيق هذا الهدف وانتخاب الرئيس، «حاجي يحطّوها عند رئيس الحكومة ورئيس المجلس والمجلس. المجلس لا يتحمّل المسؤولية، فهم يتسبّبون بأمراض، ونحن نداويها».

وأضاف برّي: «إنّهم يعطلون البلد بالمقاطعة، والمجلس لا يعطّل البلد. فلنَقلها صراحةً وكفى تعمية للرأي العام، وعلى الإعلام كشف الحقيقة، وهي أنّ الدَين العام ليس 68 مليار دولار بل أصبح يفوق السبعين مليار دولار، وبالكاد تستطيع الدولة تسديد خدمة هذا الدين، وإنّ منحىً مماثلاً وتصرّفاً كهذا يُعطّل البلد، وليس المجلس النيابي هو من يُعطل.

فعلى جدول أعمال الجلسة التشريعية مشاريع حيوية ومهمّة، منها على سبيل المثال، ما يتعلّق بِرَيِّ بيروت من سدّ بسري، والمالية العامة وبُنى تحتية بقيمة 70 مليون دولار لكسروان، فضلاً عن اتّفاق الدفاع مع فرنسا والمتصل بالهِبة العسكرية للجيش، والتي تقضي باستقدام مدرّبين فرنسيّين على الأسلحة الفرنسية الجديدة، وإذا لم يحصل هذا الأمر، فلن تصلَ الى لبنان أيّ أسلحة فرنسية جديدة».

وردّاً على سؤال عن الوضع الحالي، قالَ برّي: «إذا كانت الحكومة لا تستطيع إقرارَ مشروع الموازنة المنتظر منذ عقدٍ من الزمن، فما الفارق بينها وبين حُكومة تصريف الأعمال. هناك فرصةٌ وُجِدَت من خلال إنجاز موازنتَين في المهلة الدستوريّة والقانونيّة، فالموازنة لا تُقَرّ في مجلس الوزراء، وهناكَ من لا يريد إقرارَها بدمج سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، فهل يجوز الاستمرار على هذا المنوال؟».

الحريري

في غضون ذلكَ، يُلقي الرئيس سعد الحريري، اليوم، محاضرةً في «ويلسون سنتر»، يَحضُرها باحثون وكتّاب وخبراء أميركيّون في شؤون الشرق الأوسط ورؤساء مراكز أبحاث، يتطرّق خلالها إلى الوضع في المنطقة وتداعيات الأزمة السوريّة على دوَل الجوار، خصوصاً لبنان، والتطوّرات في المنطقة والتحدّيات التي تواجهها في ظلّ تنامي التطرّف وسُبل مواجهته ودعم قوى الاعتدال.

وكان الحريري اجتمعَ إلى مُستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في البيت الأبيض، بحضور نادر الحريري ومديرة مكتب الشرق الأوسط في المجلس يائيل لامبيرت ومديرة مكتب لبنان كاتلين كوستيلو. وتطرّقَ المجتمعون إلى الأوضاع اللبنانيّة والتطوّرات في المنطقة، خصوصاً في سوريا والعراق واليمن.

وأكّدت رايس التزامَ بلادها الثابت دعمَ سيادة لبنان واستقراره وقدرته على تحمّل تداعيات المنطقة، واستمرارها في تقديم المساعدة إلى الجيش اللبناني وتسليحه.

وكان الحريري زارَ مقرَّ وزارة الدفاع الأميركيّة «البنتاغون» وعرضَ مع نائب وزير الدفاع كريستين ورموس للأوضاع في المنطقة وسُبل زيادة الدعم للجيش والقوى الأمنيّة اللبنانية لتتمكّن من تأدية المهمّات المنوطة بها، بما فيها حفظ الأمن ومحاربة الإرهاب.

كذلك، التقى الحريري ممثّلي ومندوبي الصحافة العربية المعتمدين في واشنطن، وتحدّثَ إليهم عن زيارته للولايات المتحدة ولقاءاته المسؤولين الاميركيين والتطوّرات في لبنان والمنطقة.

وأفاد المكتب الإعلامي للحريري أنّه «التقى الاسبوع الماضي نائبَ الرئيس الاميركي جو بايدن ومستشارةَ الأمن القومي سوزان رايس ووزيرَ الخارجية جون كيري وعدداً من أبرز أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ، وعَقد معهم محادثات تناوَلت مجملَ الأوضاع في لبنان والمنطقة، وترَكّزت خصوصاً على ضرورة تحييد لبنان عن تداعيات الأزمة السورية وما تَشهده المنطقة».

تقويم الزيارة

إلى ذلك، لم تشَأ المصادر الدبلوماسية البحثَ في نتائج زيارة الحريري الأميركية، في انتظار ما ستسمعه منه حول هذه الزيارة والكثير من التفاصيل التي ما زالت غامضة.

وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» إنّ ما رافقَ الزيارة من تغطية إعلامية كشفَ عن مواقف الحريري ولم يعطِ كثيراً مِن الانطباعات عن حقيقة المواقف الأميركية المتردّدة.

وأضافت: «لا يبدو أنّ الإدارة الأميركية تمتلك صيَغاً أو مخارجَ حتى الآن سوى في مستقبل الملف النووي الإيراني، في انتظار معرفة انعكاسات هذا التفاهم النهائي إذا تمَّ التوصل اليه في 30 حزيران، ليبدأ البحث عملياً في بقيّة الملفات المتفرّعة منه، أو تلك التي ارتبطَت به من باب عرض القوّة الذي كان قائماً بين ايران والغرب طوال السنوات الماضية، والذي فجّر الأوضاع في اكثر من دولة من العراق وسوريا الى اليمن.

توازياً، أفادَ مراسل «الجمهورية» في موسكو أنّ الحريري سيزور العاصمة الروسية منتصَف أيار المقبل، وسيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعضَ المسؤولين الروس الكبار.

الراعي

من جهة ثانية، وصَل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى فرنسا، بعدما شاركَ في الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية في يريفان. وحضرَ الملف الرئاسي، الى موضوع تهجير مسيحيّي الشرق بقوّة في لقاءات الراعي وعِظاته ومحاضراته، على أن يتوّج لقاءاته غداً في قصر الإليزيه بلقاءِ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

ولاحَظ المراقبون أنّ الراعي يحاول حضَّ فرنسا على الاستمرار في مساعيها الرئاسيّة، مستنِداً إلى العلاقات التاريخيّة بين الموارنة وفرنسا، ومحاولاً استدرارَ عطفِها مجدّداً، وهو كان قد ذكّرَ قبَيل مغادرته لبنانَ «أنّ فرنسا أمُّنا الحنون ولن تتخلّى عنّا».

وقالت أوساط كنَسيّة لـ«الجمهوريّة» إنّ «مهمّة الراعي في فرنسا غايتُها الاطّلاع على ما إذا كان هناك تغيّراتٌ ستُفضي الى نتائج ملموسة في ملفّ الرئاسة اللبنانية»، معتبرةً أنّ «العقدة ليست فرنسيّة، فباريس دولة حليفة وصديقة لا تعرقِل الإستحقاق، بل تسعى جاهدةً لدى المعرقلين الإقليميين والدوليين لكسر الحلقة السوداء الموضوعة حول الاستحقاق».

وأكّدَت هذه الأوساط أنّ «فرنسا هي من أكثر الدوَل صدقيّة وتهتمّ بالشأن المسيحي، لكنّ فرنسا 2015 هي غير فرنسا 1920»، مشيرةً إلى أنّ «العمل المسيحي يترَكّز في الفاتيكان وباريس لأنّهما الدولتان الأقربان إلى موارنة لبنان ومسيحيّي الشرق، من هنا يحاول الراعي إعادة إحياء العلاقات القديمة ـ الجديدة مع فرنسا ضماناً لبَقاء مسيحيّي لبنان وسط التحوّلات الإقليميّة، لأنّ فرنسا لن تقفَ متفرّجةً إذا تعرّضوا لأيّ أذى».
إلى ذلك، أوضَحت الأوساط نفسُها أنّ «الراعي

سيدعو هولاند الى تحريك ملف الرئاسة اللبنانية مجَدّداً في العواصم الدوليّة ولدى الدول المعرقِلة، فالمبادرة الفرنسيّة السابقة التي سَوّقَ لها الموفد فرنسوا جيرو أعطَت دفعاً وأعادت الرئاسة إلى الأضواء، والمطلوب أن تكونَ فرنسا حاضرةً لصوغ أيّ تسوية رئاسية وسط التقارب الأميركي - الإيراني والاتفاق على الملف النووي»، وأكّدت أنّ «ملفّ مسيحيّي الشرق سيحضر أيضاً بقوّة في لقاء الإليزيه، وسيطالب الراعي هولاند بخطوات ملموسة تَحمي هذا الوجود».

وكان الراعي قد ترَأسَ قدّاساً احتفالياً في كاتدرائية سيّدة لبنان في باريس، بمناسبة المئوية الأولى لوجود الموارنة في الكاتدرائية ولمناسبة تدشين مقرّ أبرشية فرنسا المارونية الجديد في مودون،

وألقى الراعي عظةً أكّدَ فيها «تقديرنا الكبير لفرنسا التي تربطنا بها كموارنة علاقات موَدّة وصداقة وتعاوُن تَرقى الى نحو ألف عام، مع امتنانِنا لوقوفها الدائم الى جانب لبنان ومسيحيّي الشرق الأوسط».

ودعا الكتل السياسية والنيابية إلى «تحَمّل مسؤولياتها التاريخية، والإسراع الى انتخاب رئيس للجمهورية»، مؤكّداً أنّ «من المعيب والمخجِل حقاً أن يبدأ الفراغ الرئاسي شهرَه الثاني عشر في هذا اليوم بالذات. ولا يوجَد أيّ مبرّر لعدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ ما قبل نهاية العهد الرئاسي في 25 أيار من العام الماضي.

ولا نستطيع إلّا أن نعلنَ من جديد أنّ عدم انتخاب رئيس للجمهورية، مهما كانت الاسباب والحسابات، إنّما هو انتهاك فاضِح للدستور والميثاق الوطني، وطعنٌ في كرامة الوطن وشعبِه. وعلى الرغم من هذا كلّه نسعى مع القريب والبعيد ومع الدوَل الصديقة وفي مقدّمتها فرنسا النبيلة، لإنجاز هذا الاستحقاق الرئاسي، قبل أن ينهار الهيكل على رؤوس الجميع».

مسيحيّو الشرق

وكان الراعي قد التقى رئيس أساقفة باريس أندريه 23، وعرَضا للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، إضافةً إلى أوضاع النازحين السوريين والعراقيين وتداعياتها على لبنان.

وكان لافتاً ما كشفَه الكاردينال أندريه 23 أثناء اللقاء، إذ قال إنّ رئيس الحكومة مانويل فالس ووزير الخارجية لوران فابيوس «حدّثاني عن مؤامرة لاستئصال مسيحيّي الشرق وإبادتهم، ويقولان لنا عن «داعش» وأخواتها «إنّنا لم نتمكّن حتى الآن من التوصّل إلى خطّة عمل ضدّ هذا التطرف وضدّ هذا الإرهاب».

ومع ذلك، «إنّهما يعيان خطورة هذا الآفة». وأشار إلى أنّه «دعاهما لنقلِ رسالة إلى الرئيس فرنسوا هولاند مفادُها أنّ علينا الدفاع عن مسيحيّي الشرق، ليس فقط بسبب وجودهم التاريخي، وليس فقط لأنّهم أقلّية، بل لأنّهم يمثلون عاملاً محفّزاً للسلام في الشرق الأوسط».

مؤشّرات الغارات الإسرائيلية

وفي ظلّ الأجواء المسيطرة على المنطقة نتيجة تطوّرات الأحداث في سوريا، توقّفَت مراجع عسكرية وديبلوماسية في لبنان عند الغارات الإسرائيلية التي استهدفَت مواقع استراتيجية للنظام السوري وحزب الله في القلمون، فرأت فيها مؤشّراً إلى محاولةٍ لإعادة موازين القوى بين النظام ومعارضيه.

وقالت مصادر عسكرية وديبلوماسية لـ«الجمهورية» إنّ القصف الإسرائيلي الذي استهدف مقرَّي اللواءَين 155 و65 اللذين يختصّان بالأسلحة الإستراتيجية والصواريخ البعيدة المدى في وسط مدينة القطيفة ومحيط مدينتي يبرود وقارة في منطقة القلمون بريف دمشق لا يَستهدف كما يُقال منعَ وصول أسلحة كاسرة للتوازن إلى «حزب الله» في لبنان، فإسرائيل والعالم يدركان أنّ هذه الصواريخ لا تشَكّل في مواقعِها الحاليّة في شمال سوريا ووسطها خطراً على إسرائيل، بل هي بهدف ضربِ الداخل السوري، وتحديداً مناطق المعارضة في أقصى الشمال ومحيط حلب تزامُنا مع الإستعدادات السورية الجارية لاستعادة مدينتي إدلب وجسر الشغور وإبعاد الخطر عن الساحل السوري ومدُنِه.

وقالت المصادر نفسُها إنّ مِن مصلحة إسرائيل استمرار عمليات الكرّ والفَرّ بين طرفَي النزاع في سوريا، وهي لا ترتاح كثيراً الى سيطرة «جبهة النصرة» وأخواتها على إدلب وجسر الشغور بعد وضعِ اليَد على آخر المعابر السورية على الحدود الأردنية في الجنوب السوري، بل هي تريد استمرارَ المواجهة من دون أن يتمكّنَ أحد من الطرفين حسمَ المعركة لمصلحته.

في الجولان

من جهة ثانية قال مصدر عسكري إسرائيلي إنّ أربعة متشدّدين قُتِلوا بضربة جوّية إسرائيلية أمس بينما كانوا يزرَعون عبوةً ناسفة عند سياج قرب الحدود مع سوريا في مرتفعات الجولان المحتلة.

وأضاف المصدر الذي طلبَ عدمَ الإفصاح عن اسمه: «وضعَ أربعة إرهابيين عبوةً ناسفة على سياج قربَ مجدل شمس وأطلقَت طائرة إسرائيلية النار عليهم وقتَلتهم».

وأصدرَ المتحدّث العسكري الإسرائيلي بياناً مقتضَباً قال فيه: «إنّ القوّة الجوّية أحبَطت هجوماً عند الحدود». وأضاف: إنّ الضربة «استهدفَت المجموعة ومنعَت الهجوم».

الرئيس الإيرلندي

على صعيد آخر، وصَل إلى بيروت ليل أمس الرئيس الإيرلندي مايكل دانيال هيغينز في زيارةٍ رسمية يلتقي خلالها رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة تمّام سلام، ويتفقّد قوات بلاده العاملة في إطار قوّات «اليونيفيل» في الجنوب منذ ثلاثة عقود.

وقالت مصادر إنّ الرئيس الإيرلندي يزور بيروت للمرّة الثانية منذ توَلّيه مهمّاته قبل عامَين ويَسعى إلى تعزيز العلاقات بين بلاده ودوَل البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً على المستوى التجاري والاقتصادي.