على الرغم من حراجة الموقف، فقد نجح لبنان من تجاوز قطوع القمة العربية التي عقدت في شرم الشيخ، والتي وصفها الرئيس تمام سلام في تصريح لـ«اللواء» بأنها كانت «ناجحة جداً»، و«استثنائية في قراراتها»، وذلك من خلال الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة أمام القمة، واتفق أكثر من وزير في الحكومة على وصفه «بالمتوازن»، وأنه «لم يتضمن أي كلمة أو نقطة تسبّب خلافاً أو انشقاقاً في الداخل»، على حدّ تعبير وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب لـ«اللواء».
وقال بوصعب: «اعتدنا أن يتخذ الرئيس سلام قرارات وطنية متوازنة يأخذ فيها بالاعتبار المكونات في لبنان ولا يؤثر في أي خطاب لبنان على التكاتف الداخلي، حتى وإن كان هناك تباين».
واتفق مع هذا الرأي وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية نبيل دو فريج الذي وصف خطاب سلام بأنه «متوازن».
وكان الرئيس سلام قد أعلن موقف لبنان بوضوح في القمة، حيث أكد «أن لبنان وانطلاقاً من حرصه على دعم الشرعية الدستورية في اليمن، وعلى الإجماع العربي ووحدة جميع البلدان العربية واستقرارها يعلن تأييده أي موقف عربي يحفظ سيادة اليمن ووحدة أراضيه وتماسك نسيجه الإجتماعي»، واصفاً ما يحصل في اليمن بأنه «يُدمي القلوب»، داعياً الى إقامة «سد دفاعي وأمني وسياسي وفكري في وجه الإرهاب والإقتتال العبثي».
واستناداً إلى ذلك، أكد سلام من هذا المنطلق: «نساند أي خطوة تتخذها القمة في هذا الإتجاه ونؤكد تأييدنا إنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب وصون الأمن القومي العربي».
وأعرب الرئيس سلام عن أمله في نجاح الحوار الداخلي في لبنان بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون في مقعد لبنان في القمة العربية المقبلة، مجدداً الشكر للملكة العربية السعودية للهبة المالية غير المسبوقة لتسليح القوات المسلحة والقوى الأمنية لمكافحة الإرهاب.
وشدد على التزام الحكومة بمبدأ النأي بالنفس عن الحريق السوري المستعر في الجوار، كاشفاً عن خطة مفصلة لحاجات لبنان أعدتها الحكومة للقمة الثالثة للدول المانحة ليتمكن لبنان من إغاثة مليون ونصف مليون سوري، داعياً لدعم هذه الخطة.
وفي دردشة مع «اللواء» لاحظ الرئيس سلام أن قمة شرم الشيخ كانت استثنائية بكل المعايير بالنظر إلى الأخطار الكثيرة التي تواجه العرب من اليمن إلى ليبيا ومن العراق إلى سوريا، لافتاً النظر إلى الإدارة الحكيمة للقمة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتي أعطت المؤتمر أبعاداً تاريخية وقومية.
ولم يكتف الرئيس سلام بهذا الوصف للقمة، بل قال إنها كانت ناجحة بالنسبة إلى القرارات التي صدرت عنها بالإجماع وأولها إنشاء قوة عربية مشتركة، كاشفاً بأن هذا القرار سيصبح نافذاً في غضون أربعة أشهر، وأن الجامعة العربية ستتولى دعوة رؤساء أركان جيوش الدول العربية لاجتماع قريب من أجل الإتفاق على الخطة الكاملة لتشكيل هذه القوة.
وجزم الرئيس سلام بأن لا أحد من رؤساء الوفود العربية التي شاركت في قمة شرم الشيخ وجّه أي انتقاد لـ«عاصفة الحزم» وللقيادة السعودية في أي من الإجتماعين المغلقين اللذين عقدهما القادة والزعماء العرب، مما يدل على موافقة الجميع على هذا الإجراء، كاشفاً أن البعض طرح في كلماته موضوع الوساطة والحوار، فجاء الرد من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بأن المملكة جاهزة ومن يريد الحوار والمفاوضات عليه أن يذهب إلى الرياض.
مؤتمر الكويت
ومن المقرر أن يتوجه الرئيس سلام إلى الكويت اليوم لترؤس وفد لبنان إلى المؤتمر الثالث للدول المانحة.
وأوضح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«اللــواء» في هذا السياق، ان هناك وعداً بحصول لبنان على المبلغ المطلوب في خطة الاستجابة التي سيقدمها في مؤتمر المانحين الذي ينعقد في الكويت. وقال: «هذه المرة هناك شعور بأن البلد بحاجة إلى المساعدة وتحديداً لخطة الاستجابة، كما ان هناك حاجة ماسة لصيانة الوضع اللبناني، لا سيما ان جود أكثر من مليون نازح سوري يجعل لبنان في «برميل بارود».
وأكد الوزير درباس أنه سمع من عدد كبير من المسؤولين الذين التقاهم وعداً بتحقيق هذه المساعدة، كاشفاً عن أن الأميركيين وعدوا بتقديم مبلغ 500 مليون دولار. علماً أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق كان قد أبلغ الرئيس سلام خلال وجوده في شرم الشيخ ان الأميركيين وعدوا بتقديم هذا المبلغ في الكويت.
ولففت الوزير درباس إلى ان المسؤولين الألمان وعدوا أيضاً بتقديم المساعدات وكذلك المملكة العربية السعودية والكويت، مؤكداً انه سيعمل على قيام شراكات مع وزارة الشؤون الاجتماعية المشاركة في المؤتمر.
وأعرب عن اعتقاده ان الكلام لن يكون حبراً على ورق هذه المرة وأن المساعدات التي لم تأتِ إلى لبنان، سترد إليه هذه المرة».
عسيري يرد
في هذا الوقت، بقيت المواقف التي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، في صدارة الاجتماعات السياسية، والتي حملت بدورها مواقف مستنكرة للهجوم على المملكة العربية السعودية، وكان لافتاً على هذا الصعيد، الموقف الذي صدر عن السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري الذي اعتبر ان «خطاب نصر الله تضمن الكثير من الافتراء والتجني في حق المملكة العربية السعودية، إضافة إلى الكثير من المغالطات التي تهدف إلى تحريف الحقائق وتضليل الرأي العام»، لافتاً النظر إلى ان نصر الله «عبر عن ارتباك لدى الجهات التي يمثلها.
ولاحظ ان ما قامت به حكومة الملك سلمان بن عبد العزيز طوال المرحلة السابقة بمواكبة من الأمم المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي خير شاهد على رغبتها الصادقة في المساعدة على التوصّل إلى حل يمني يحفظ وحدة اليمن وسلامة شعبه، الا ان الجهات ذاتها التي تدعم نصر الله وتحرك الحوثيين لا تريد الخير لليمن، وكانت وراء تعطيل كافة الاتفاقات ودفع الوضع الأمني في البلاد نحو التصعيد والتدهور.
في الشأن اللبناني، أكد السفير عسيري ان السعودية لا تتكلم لغتين، وقد أعلنت مرات عدّة على لسان مسؤوليها ان الرئاسة اللبنانية شأن لبناني بحت، وهي لا تتدخل في لعبة الأسماء والمرشحين، مشيراً إلى ان تحميل نصر الله وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل مسؤولية تعطيل الاستحقاق الرئاسي يهدف إلى ذر الرماد في العيون والهروب من مسؤولية تعطيل الانتخابات التي يحملها اللبنانيون لحزب الله وحلفائه والجهات الإقليمية التي تدعمهم، في إشارة إلى إيران.
تجدر الإشارة في هذا الصدد، ان وزير الخارجية جبران باسيل، نفى، في سياق مقابلة مع تلفزيون «الجديد» مساء أمس، أن يكون العماد ميشال عون قد تبلغ بشكل رسمي بأن الوزير الفيصل وضع «فيتو» على وصوله إلى رئاسة الجمهورية، أو يكون هو (أي الوزير باسيل) تبلغ هذا الأمر، لكنه لفت إلى أن هناك مشكلة تتعلق بأن الاستحقاق الرئاسي غير منفصل عن مصالح الخارج.
التمديد للعسكريين
على أن الأخطر الأجواء التي يشيعها وزراء «التيار الوطني الحر» ونوابه عن موقف سيخذونه ما لم يتم تعيين قائد جديد للجيش ولقوى الأمن الداخلي من زاوية المعارضة الشديدة للتمديد لقادة الأجهزة الأمنية.
وفي هذا الإطار، أكد الوزير جبران باسيل، إنه لا يحق للحكومة التمديد للعسكريين، وفي حال حصل ذلك «سنقعد في البيت»، في إشارة إلى إمكان اعتكاف وزراء التيار العوني الأربعة، لكنه ألمح إلى ان الرئيس سلام يتمتع بالحس الوطني والدستوري، كاشفاً ان اللقاءات التي أجراها مع كل من الرئيس أمين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري بخصوص تعيين العميد شامل روكز لقيادة الجيش كانت إيجابية، علماً ان موقف الرئيس الجميل كان لا يمانع من تعيين روكز لكن شرط أن يبقى لا العماد عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، لأنه لا يجوز أن يكون الرئيس وقائد الجيش من عائلة واحدة.
إلى ذلك سيكون الأسبوع الطالع حافلاً بالاستحقاقات فإلى جانب مؤتمر الكويت. ستكون هناك جلسة لمجلس الوزراء الأربعاء، ويوم الخميس، سيكون على موعد مع الجلسة الواحدة والعشرين لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي ستلحق سابقاتها كالعادة، فيما تعقد مساء الجولة التاسعة للحوار في عين التينة بين «المستقبل» و«حزب الله».