على قاعدة «الضرورة» تبيح التشريع في زمن الشغور الرئاسي، التأم شمل مجلس النواب أمس حول سلّة مشاريع قوانين واتفاقيات أقرتها الهيئة العامة وتسرّب منها مشروع سلسلة الرتب والرواتب تحت وطأة اعتراضات متقاطعة عسكرياً وتعليمياً نجحت في تطيير «السلسلة» وإعادتها إلى اللجان المشتركة. في وقت برزت خلال الساعات الأخيرة حركة لقاءات ومشاورات لافتة للانتباه أوحت بوضع مجمل الملفات الساخنة على نار المشاورات الهادئة والهادفة إلى نزع الفتائل التفجيرية وفكفكة العقد المستعصية في ظل استشعار معظم الأفرقاء خطراً عظيماً محدقاً بالبلد يفرض عليها التلاقي والتراصف بغية جبه تداعياته الراهنة والداهمة. 

وبوصفه واحداً من أبرز الملفات سخونة في الوقت الراهن، حضر موضوع مخيمات النازحين في عرسال على طاولة البحث «الهادئ والإيجابي» بين وزيري الداخلية نهاد المشنوق والشؤون الاجتماعية رشيد درباس من جهة، ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد والوزير محمد فنيش من جهة ثانية، بحيث خلص اجتماع الجانبين أمس في مكتب رعد في مجلس النواب إلى التوافق، بحسب تأكيد مصادر المجتمعين لـ«المستقبل»، على إبقاء هذا الملف «قيد الدرس» الجدي والمجدي باعتباره «أولوية وطنية وأمنية تستوجب علاجاً موضعياً بعيداً عن التجاذبات السياسية».

من ناحيته، وصف وزير الداخلية النقاش الذي دار خلال الاجتماع بـ«الإيجابي»، وأوضح لـ«المستقبل» أنّ «حزب الله» يظهر «تفهماً لحجم المشكلة في عرسال ويبدي انفتاحاً إزاء وجوب إيجاد حل لملف مخيمات النازحين في البلدة، غير أنّ السؤال المطروح يتمحور حول الحل الأنسب في التعامل مع هذا الموضوع وعما إذا كان هذا الحل يقتضي إقامة تجمّع واحد أم عدة تجمّعات لإيواء هؤلاء النازحين خارج البلدة». وأضاف المشنوق: «بطبيعة الحال على ممثلي «حزب الله» أن يعودوا إلى قيادتهم قبل تحديد إجابات الحزب عن هذه الأسئلة، لكنّ النقاش الدائر بيننا حالياً هو نقاش إيجابي، والمسألة تحتاج إلى اجتماعات أخرى لاستكمال البحث وبلورة الحلول».

لقاءات باريس وكليمنصو

أما على صعيد اللقاءات والمشاورات السياسية، وبينما نقلت وكالة الأنباء «المركزية» عن مصادر سياسية متابعة أنّ وزير الخارجية جبران باسيل زار قبيل عودته إلى بيروت الرئيس سعد الحريري في باريس وأجرى معه «تقويماً شاملاً للوضع في لبنان»، برزت بالتوازي سلسلة لقاءات نشطة خلال اليومين الأخيرين في كليمنصو استعرض خلالها رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط جملة ملفات واستحقاقات وطنية مع كل من رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري أمس الأول، والنائب رعد على رأس وفد سياسي وأمني من «حزب الله» أمس. 

وبينما عبّر جنبلاط ورعد عن «أجواء إيجابية» سادت الاجتماع وطغت على ما تخلله من نقاش حول «قضايا وتحديات داخلية وخارجية» آثرا عدم الخوض في تفاصيلها إعلامياً، أوضحت مصادر «اللقاء الديمقراطي» لـ«المستقبل» أنّ الاجتماع عرض «مروحة واسعة من القضايا الساخنة امتداداً من موضوع رئاسة الجمهورية إلى انتظام عمل المؤسسات وصولاً إلى ملف العسكريين المخطوفين الذي كان محور النقاش الأساس» خلال اجتماع الأمس، مع تشديدها على أنّ المعطيات المتوافرة بشأنه تؤكد أنّ «المفاوضات الجارية لتحرير العسكريين تتقدم بقوة وجدّية».

المصادر أشارت إلى أنّ جنبلاط استعرض أمام وفد «حزب الله» وجهة نظره المؤيدة لمبدأ المقايضة في سبيل تحرير العسكريين، وكشفت في السياق عينه أنّ موفده إلى الرابية النائب أكرم شهيب كان قد أثار هذا الموضوع مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون أمس الأول، ناقلةً عن شهيب قوله خلال اللقاء لعون: «نحن نتفهم موقفك الرافض للمقايضة بوصفك قائداً سابقاً للجيش لكن ما هي البدائل؟»، مشيرةً في معرض تلخيصها محصلة اجتماعي الرابية وكليمنصو إلى أنّ «لا عون ولا «حزب الله» أعطوا موافقات مباشرة على هذا الموضوع لكنهم في الوقت عينه بدوا متفهمين لحجم المشكلة ولوجوب التعامل معها بروية وهدوء في سبيل إبرام توافق وطني شامل يتيح تحرير العسكريين الأسرى لدى المجموعات الإرهابية».

«السلسلة»

بالعودة إلى الملف التشريعي، فقد أدت «الألغام» التي أضاءت «المستقبل» في عددها أمس على كونها لا تزال تعترض درب «السلسلة» إلى تطيير المشروع بفعل جملة اعتراضات أبرزها من وزير الدفاع سمير مقبل الذي طالب بسلسلة مستقلة للعسكريين، ومن معلمي القطاع الخاص الذين طالبوا بمنحهم زيادة «الدرجات الست» أسوةً بأساتذة التعليم الرسمي.

وأوضحت مصادر نيابية لـ«المستقبل» أنّ مقبل كان قد عبّر عن «الاعتراض العسكري» على مشروع السلسلة المطروح خلال الاجتماع الذي ضمّه إلى كل من وزير المالية علي حسن خليل والنائب جورج عدوان قبل انعقاد الجلسة التشريعية، لافتةً في المقابل إلى أنّ «كثرة الاعتراضات على مشروع السلسلة المتوافق عليه عشية إقراره أثارت حفيظة رئيس مجلس النواب نبيه بري»، وأشارت في هذا الإطار إلى أنه «أمام جملة الاعتراضات المتنقلة بين رفض عون لزيادة 1% على الضريبة على القيمة المضافة ومطالبته في المقابل بزيادات على سلسلة العسكريين، فضلاً عن اعتراض القطاع التعليمي الخاص وصولاً إلى المطالبة بسلسلة مستقلة للعسكريين، بادر بري إلى الرد على هذه التحفظات والاعتراضات بإعادة مشروع السلسلة برمته إلى مربعه الأول في اللجان المشتركة»، لافتةً إلى أنّ «رئيس المجلس هو من طلب من وزير الدفاع عندما تبلّغ اعتراضه على سلسلة العسكريين إثارة الموضوع في بداية الجلسة التشريعية وما أن فعل حتى سارع إلى طيّ المشروع عبر قرار إحالته إلى اللجان».

مجلس الوزراء

واليوم ينعقد مجلس الوزراء وسط حقل من «الألغام» يتهدد بتفجير أجواء الجلسة من خارج جدول أعمالها، إذ أفادت مصادر وزارية «المستقبل» أنّه «على الرغم من أنّ الجدول يتضمن بنوداً عادية غير خلافية إلا أنّ هناك في المقابل عدة عناوين تفجيرية إذا ما طُرحت خلال الجلسة فقد تؤدي إلى توتير أجواء الجلسة، كقضية اجتماع وزير الخارجية بنظيره السوري وليد المعلم في نيويورك من دون تكليف من الحكومة ورئيسها على سبيل المثال»، غير أنّ المصادر الوزارية أعربت في الوقت ذاته عن ثقتها بأنّ «الحكومة ستبرهن مرة جديدة (اليوم) قدرتها على نزع صواعق الألغام التي تعترض التضامن الوزاري استناداً إلى إدراك جميع مكوناتها هول الأخطار وحساسية الأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد ربطاً بالأزمات المحيطة في المنطقة».