تشهد المنطقة العربية والاسلامية سباقا قويا بين الاتجاهات التصعيدية على الصعد الميدانية والعسكرية والاعلامية وبين المبادرات والدعوات الداعية إلى تعزيز الحوار والايمان بالتعددية وثقافة الاختلاف.

ولقد برزت مؤخرا العديد من المؤشرات التصعيدية في اكثر من دولة عربية ولا سيما بعد زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للمنطقة وما اعلنه من مواقف تصعيدية خلال القمة الاميركية – الاسلامية في السعودية.

وفي مقابل هذا التصعيد السياسي والميداني كنا بدأنا نشهد في عدد من الدول العربية والاسلامية العديد من المبادرات والمؤتمرات والانشطة التي تركز على نشر ثقافة المواطنة والتعددية واحترام وقبول الآخر والتشجيع على الحوار ورفض العنف والتكفير.

ولا يمكن في هذا المقال استعراض كل المبادرات والمؤتمرات والانشطة التي شهدها لبنان وعدد من الدول العربية والاسلامية في الفترة الاخيرة، وان كان يمكن الاشارة لأبرزها، ومن هذه المبادرات المؤتمر الذي عقده الازهر الشريف في مصر في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي بحضور معظم الكنائس الشرقية وبالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، وكان بعنوان : المواطنة والتعددية، واطلق في نهايته اعلان القاهرة حول المواطنة والتعددية، وتلا هذا المؤتمر الزيارة التاريخية التي قام بها بابا الفاتيكان فرانسيس الأول إلى مصر في شهر نيسان/ أبريل الماضي والتي اطلق خلالها مواقف مهمة حول الحوار الاسلامي- المسيحي واهمية التعاون لحماية التعددية والتنوع في الشرق.

والمبادرة الثانية المؤتمر الذي عقد في بيروت في الشهر الماضي في دار الفتوى اللبنانية وبحضور قيادات دينية من مصر ولبنان والاردن وحشد كبير من الشخصيات اللبنانية الاسلامية والذي يشكل استكمالا للجهود التي تبذلها دار الفتوى اللبنانية لدعم الحوار والتعددية ورفض العنف والتكفير.

ومن هذه المبادرات الانشطة التي تقوم بها سلسلة من المؤسسات الحوارية في لبنان والعالم العربي كملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار والفريق العربي الاسلامي- المسيحي ومؤسسة اديان ومؤسسة مهارات والمجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات ومؤسسة الامام الحكيم  ومبادرة لبنان للحوار وكلها تصب في اطار دعم الحوار والتعددية ، واخر هذه الانشطة الدليل الاسلامي – المسيحي للقيم والعيش المشترك والذي اطلقته مؤسسة اديان برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون وبالتعاون مع المرجعيات الدينية في لبنان ومجلس كنائس الشرق الاوسط، واهمية هذا الدليل انه يمكن ان يصبح برنامجا دراسيا في المدارس اللبنانية، كما انه يمكن ان يستعان به في الدول العربية والاسلامية.

كما زار لبنان مؤخرا وفدا من الحوزة الدينية في مدينة قم الايرانية وقام هذا الوفد باللقاء مع عدد من القيادات اللبنانية وعقد لقاء حواري مغلق لبحث مشروع يعمل للترويج له تحت عنوان: ثقافة الاختلاف، بعد ان تمت مراجعة التجارب الاسلامية السابقة حول التقريب بين المذاهب الاسلامية والوحدة الاسلامية ووصول بعض هذه المشاريع الى حائط مسدود او انها استنفدت اغراضها.

كما شهدت بيروت مؤخرا عقد مؤتمر حواري موسع تحت عنوان: كلام الله وعنف البشر، بالتعاون بين عدد من المؤسسات الدينية والاكاديمية وشهد هذا المؤتمر تقديم بحوث مهمة حول اسباب العنف الديني وكيفية مواجهته.

اذن نحن امام حراك حقيقي على مستوى المؤسسات الدينية والحوارية والتربوية في لبنان والدول العربية والاسلامية، والهدف من ذلك نشر ثقافة الحوار وقبول الاخر والتعددية ورفض العنف والتطرف والتكفير، وبعض هذه المحاولات لا تكتفي باصدار البيانات والاعلانات والمواقف ، بل تعمل لتحويل ثقافة التعددية والتنوع والاختلاف الى مشاريع عملية وتربوية وانزال المفاهيم الدينية الايجابية على أرض الواقع، مما قد يساعد في توفير بيئة مجتمعية واسعة تواجه العنف والتطرف.

لكن في مقابل هذه الجهود التربوية والدينية والثقافية والاكاديمية الداعية للحوار وقبول الاخر ونشر ثقافة التنوع والاختلاف، فان التصعيد السياسي والميداني في عدد من الدول العربية والاسلامية سيأخذنا مجددا نحو المزيد من الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية ، كما سيبرز المزيد من العنف والتطرف.

فمن سينتصر في الختام : الدعوات للحوار واقامة دولة المواطنة والقبول بالاخر، ام التصعيد السياسي والمذهبي والعسكري مما سيبقي المنطقة العربية والاسلامية في خضم الصراعات والتوترات المتنقلة؟.