للتطرف تاريخ حافل حيث كان العنف مسيطرًا على مجمل الأديان كوسيلة لتوطيد الحكم، وما نشهده اليوم ما هو إلا امتداد لهذه النظريات
 

أولاً : العنف المخبوء في التراث التوحيدي.
التراث الديني التوحيدي تراث عنف ودماء، تجلّت إرهاصاته ومظاهره في ثنايا العهد التوراتي، العهد القديم، ويستذكر القرآن حوادث التوراة الكبرى، بشكلٍ دقيق، لكنّه تلميحي، مختصر ومُدهش، يسترجع التراث التوحيدي مع إغفال تفاصيله، لتبدأ بعد ذلك مسيرة الإسلام، والذي سيُحكم بعدها بأحداث الحرب والقتال والعنف، وكانت الهجرة النبوية إلى يثرب، المدينة التي قصدها النبي والمهاجرون الأوائل، الذين ضحّوا باملاكهم وأموالهم، وغادروا مدينتهم المحبّبة، مكّة والحرم المكّي، ليستعدّوا بعد ذلك لتمزيق روابط الدم وأواصر القُربى والقبيلة، وقد ذُكر قولٌ للإمام علي بن أبي طالب: في سبيل هذا الدين أعملنا سيوفنا في رقاب أبناء عمومتنا، وبعد استكمال عدّة الحرب في المدينة، سيبدأ تاريخ الإسلام المُثقل بالحروب والغزوات والقتل والسّبي.

إقرأ أيضًا: الانتخابات الإيرانية والقمة الأميركية الإسلامية، أوجُه الاتساق والتّبايُن
ثانياً: من الوعظ السلمي في مكة، نحو السياسة والحرب...
كانت الدعوة النبوية تشقّ طريقها الوعر والسلمي طوال ثلاثة عشر عاماً في مكة، لتبدأ بعد ذلك المعارك الحربية، وسوف تُوطّد معركة بدر هذا المسار، ذلك أنّ معركة أُحُد كانت ردّاً مباشراً على معركة بدر، وتُشكّل معركة الخندق في السّنة الخامسة للهجرة منعطفاً حاسماً نحو تأسيس دولة، ودائماً عن طريق الإثبات الحربي ومصادرة الأملاك وتقاسُم الفيئ والسبي وفقاً لمعايير ستظل سارية في الفتوحات الإسلامية حتى خلافة أبي بكر البغدادي، وتنزع دولة الإسلام نحو دولة أنفال وغنائم، مُتقيّدة بشرائع الحرب وقوانينها في شبه جزيرة العرب، لكن مع حزم وانتظام لم تعرفه حروب القبائل "الجاهلية"، وشكّلت "مجزرة" بني قُريظة عنف دولة حقيقية وحرب حقيقية، لم تعرفه الجزيرة قبل ذلك، فقد حكم سعد بن معاذ (في بني قريظة) حُكماً مُشتقاً من ممارسات الشرق العتيق: ذبح الرجال كافةً، واسترقاق النساء والأطفال، فالعنف البدوي لم يكن له هذا الطابع النسقي، وستتكرّر هذه المشاهد والمواقع في حروب الردة ،فقد كانت الغنائم المجمّعة كبيرة، وعرف كثيرٌ من النسوة (العربيات) العبودية والرّق وجرى اقتيادهنّ للأسر، بينما قُتل الرجال الذين أُخذوا وهم يحملون السلاح، وسيُعلن عمر بن الخطاب في عهده أن لا يحسُن بالعرب أن يسترّق بعضهم البعض، وسيطلق الأسرى مقابل فدية.

إقرأ أيضًا: الوزير الجراح يداوي جروح رئيس الحكومة ويلحق بأبي خليل
ثالثاً: الفتوحات الإسلامية، حروب وسبي وغنائم.
خرج الإسلام من شبه الجزيرة ليقضّ مضاجع الإمبراطورية الساسانية في الشرق والبيزنطية في الشمال الغربي، ليتوسّع بعد ذلك نحو شمال إفريقيا، ورافقت تلك الحروب مآسٍ ومجازر وسبي سيظل طابع الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية ردحاً طويلا من الزمن، والجدير ذكره أنّ  بعض الفقهاء، الذين لا شكّ في هويتهم الإسلامية، أفصحوا عن التّنكُر لاسلام الفتح، وفضّلوا الاقتصار على إسلام الدعوة فقط، مع كل ما ينجم عن هذا الموقف من تناقضات والتباسات.

إقرأ أيضًا: حقوق المسيحيين الضائعة..الانحطاط السياسي والابتذال الثقافي.
رابعاً: ضراوة الحروب الداخلية...
رغم مناداة الجميع بأنّ الإسلام دين العدل والمساواة،فمنذ حروب الجمل والنهروان وصفين، كانت الهوية الإسلامية قد انقسمت على نفسها، وما لبثت تزداد انقساماً على انقسام، هل نذكر واقعة كربلاء وقتل ابن بنت رسول الله وسبي نسائه، وواقعة الحرّة واستباحة مدينة الرسول ثلاثة أيام قتلاً ونهباً واغتصاباً، وقصف الكعبة بالمنجنيق وقتل وصلب ابن الزبير وابن ابنة ذات النطاقين، وحديث الرسول ستفترق أمّتي إلى سبعين فرقة، لم يكن خالياً من الدلالة، فها نحن اليوم موزّعون بين سُنّي وشيعي ودرزي وعلوي واسماعيلي وزيدي، أضف إلى ذلك وهابي وخميني وقاعدي وداعشي وهلمّ جرّا، وهل تعلم أنّ أول حرب عصابات في مدينة عربية حديثة (بيروت) كانت تعود في أسبابها المباشرة حول طريقة أداء الصلاة - بيدين مُسبلتين على المذهب الجعفري، أم معقودتين تحت الصدر على المذاهب الأربعة، أم هل تعتقد أنّ بين حزب الدعوة وحزب الله وداعش والنّصرة والقاعدة وجماعة الجهاد والتكفير والهجرة فروقات ثانوية، أم بينها فروقات جذرية قد تصل ،وقد وصلت، إلى إعمال القتل في رقاب بعضهم البعض، فقد سبق للقرامطة أن ملأوا أرض الحرم المكي بالجثث وداسوها بحوافر الخيل، ثم حملوا الحجر الأسود وألقوه في اليمّ، فظلّ معشر المسلمين يحجّون إلى الكعبة ثلاثين عاما بلا حجرٍ أسود، وهل تعلم أنّ جماعة التكفير والهجرة تدعو دعوة صريحة إلى هدم كل المساجد في الأرض-باسم الإسلام طبعاً، فلا تجيز الإبقاء إلاّ على المسجد الحرام والأقصى ومسجد الرسول في المدينة، أسوةً بالسيرة النبوية بهدم مسجد ضرار! وهل يتذكر أحدٌ -بعد ثلاث سنوات فقط- إعدام داعش سبعمائة طالب في كلية عسكرية في الموصل!.ّ
يُستحسن أن نقتصر على هذه الشذرات المأساوية، لنسأل:  مع زيارة ترامب الأخيرة والقرار بإنشاء مركز عالمي "للاعتدال" الإسلامي، ماذا عساه أن يفعل مركز واحد للاعتدال، ومراكز التطرّف تملأ الرحب، ولا تعدم وسيلة في نشر العنف والإرهاب في أنحاء المعمورة باسم الإسلام،"  إسلام الرحمة والعدل"!.