فور إعطائها الكلمة الأخيرة، ترحّمت العاملة المنزلية "بوزاي" على الطفلة سيلين راكان التي طوت الصفحة الأخيرة من حياتها في 2 تشرين الأول من العام 2014، تاركة وراءها لغزاً سيعمد القضاء اللبناني إلى فكّه قبل أن ينطق بحكمه بإسم الشعب اللبناني في الرابع من شهر تموز المقبل، مفنّداً كل إثبات وقرينة واردة في ملف القضية الضخم والذي شغل الرأي العام اللبناني ووسائل الإعلام على مدى سنتين و9 أشهر.

طلبت "بوزاي" من الله أن يرحم "سيلين" في مثواها الأخير وقالت: "الله يرحمك يا سيلين. أنا ربّيتها.. تعذّبت كتير. بدي براءتي والشفقة من المحكمة". بهذه الكلمات أعلن رئيس محكمة الجنايات القاضي هاني عبد المنعم الحجّار إختتام المحاكمة في قضية قتل طفلة الـ 5 سنوات ورفع الجلسة للحكم في 4 تموز المقبل.

وكانت الجلسة التي عقدت ظهراً، بحضور مترجم منتدب من السفارة الأثيوبيّة خصّصت لسماع كل من وكيل جهة الإدعاء المحامي بطرس واكد (عن والد ركان المدعي ياسر ركان)، وجهة الدفاع المحامية حسناء عبدالرضا (عن العاملة بوزاي).

المحامي واكد تحدّث عن اعتراف العاملة الأثيوبية بارتكابها جريمة قتل "سيلين" ومن ثمّ تراجعها عن إعترافاتها، "إثر اللقاءات والتطمينات والدروس الملقّنة من الجمعيات الخيرية" حسبما قال، مشيراً إلى ان المتهمة فكّرت بجريمتها وخطّطت لها ونفّذتها بكل هدوء وطمأنينة لتقوم بعدها بتنظيف المنزل، بعيداً عن وطأة الغضب وكأنّ شيئاً لم يكن. واستعاد مشهد قتل الطفلة "سيلين" وكيف كانت تعاني وتتخبط قبل إنفصال الروح عن الجسد، فيما كانت "المجرمة" لا تزال تضغط على أنف الطفلة المسكينة وفمها دون أن يرف لها جفن إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة. واصفا المتهمة بأنّها " وحش بشريّ على شكل إنسان، قتلت عائلة بأكملها ودمّرتها إلى الأبد".

ولفت وكيل الإدعاء إلى أنّ المتهمة كانت تقوم بعمليات سرقة داخل المنزل، وتعمد إلى فصل الكهرباء عن البيت بشكل يومي وتحديداً قبل أيام قليلة من الجريمة، بهدف إخفاء المسروق في غرفتها بعيداً عن أعين الكاميرات، مؤكّداً إلى أنّها قتلت طفلة الخمس سنوات لأنّها اكتشفت سرقاتها، مشيراً إلى أنّ رجال الضابطة العدلية قد ضبطوا المسروقات من غرفة نومها، وخلص إلى طلب إنزال عقوبة الإعدام بها وإلزامها بدفع مليار ليرة للجهة المدعية.

إلى ذلك، ترافعت المحامية عبد الرضا عن "بوزاي" فلفتت بدورها إلى تقارير الأطباء ومنهم الطبيب الشرعي الذي جزم بأن لا آثار ضرب على جثة الطفلة لذلك طلب التشريح لتحديد سبب الوفاة، الأمر الذي رفضه والد "سيلين"، كما استندت إلى تقرير الطبيبة الشاهدة ماريانا الحاج التي لم تلاحظ أي كدمات عليها، والتي أشارت إلى أنّ الرغوة التي كانت على فم الفتاة ناجمة عن محاولة إنعاشها والتي استمرت نحو 40 دقيقة.

وتطرقت المحامية إلى اعتراف المتهمة الذي اعتبرته "لامنطقي"، خاصة بعدما حضرت لزيارة "بوزاي" في مكان توقيفها، سيّدة طلبت منها أن تعترف بجريمة القتل، لتسهيل التحقيق وتسريعه مقابل أن يرسل ربّ عملها المال إلى ذويها في أثيوبيا. واستعرضت مسألة نشر الوالد خبر مقتل طفلته بطعم فاسد عبر "الفايسبوك" بعد أيام من الحادث دون أن تقوم نقابة الصيادلة والأطباء بالتحقيق الفوري، بل عمد التفتيش الصيدلي وبعد أيام إلى مصادرة اللقاحات التي كانت موجودة في براد طبيب الأطفال الذي لقّح الطفلة، بحجّة أنّ توزيع البرودة غير صحيح، لتعاد اللقاحات إليه بعد 24 ساعة (وهو وقت غير كافي لتحليل صلاحيتها من عدمه - كما قالت-)، ولتصدر نقابة الأطباء بيانا تعلن فيه أن اللقاحات الموجودة عند الطبيب ومن بينها اللقاح الذي أخذته الطفلة لا يشوبه شائبة.

وحول تورّط العاملة بقضية السرقة وارتكابها جريمة القتل لتغطي سرقتها من منزل مخدومها، أشارت المحامية عبد الرضا أنّه بعد 15 يوماً من توقيف "بوزاي" إتّصل السيد ياسر راكان بالأجهزة الأمنية المختصّة ليخبر أنّه وجد مسروقات في غرفة الخادمة (عبارة عن جزدان واكسسوارت) لكن لم يكن هناك أي بصمات للأثيوبية عليها.

وخلصت إلى طلب كفّ التعقّبات عن موكلتها لأنّ لا إثبات على ارتكابها الجريمة، معتبرة أنّ لا أدلّة جدّية تدين المتهة ولا حرفية في التحقيقات، وخلصت إلى طلب إعلان براءتها لعدم كفاية الدليل وإلّا للشك.

بعدها أعطيت الكلمة الأخيرة لبوزاي فطلبت البراءة وترحمت على "سيلين" التي ربّتها.