حسم رئيس الجمهورية ميشال عون الجدل، بأنه في حال عدم التوافق على قانون انتخابي جديد خلال الفترة المتبقية من ولاية مجلس النواب، فإن العودة محتمة إلى القانون النافذ، أي قانون الستين. واعتبر عون أنه بموجب الدستور، فإن الحكومة ستتولى الدعوة إلى اجراء الانتخابات النيابية خلال فترة 90 يوماً من موعد نهاية ولاية المجلس النيابي.

ينطوي هذا الكلام على أن عون مصرّ على انتهاء ولاية المجلس. فيما هناك من يعتبر أن ذلك يبقى في إطار التحفيز. الأكيد، أن قانون الستين هو الحصان الذي سيعود إليه الجميع لدخول الندوة البرلمانية. مع ترك بعض الهوامش للتحرك تحت سقفه، سواء أكان ذلك عبر تمديد تقني لإعادة اجراء الانتخابات على أساسه لعدم الذهاب نحو فراغ نيابي في ظل معارضة شرسة لذلك من جانب حزب الله وحركة امل وأفرقاء آخرين. ويكون هذا التمديد التقني لمدة ثلاثة أشهر، يجري تبريره بإمكانية إدخال تعديلات على قانون الستين تنزع عيوبه. وعلى رأس التعديلات نقل بعض المقاعد، وخصوصاً المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون لضمان فوز الوزير جبران باسيل وفق هذا القانون. ونقل المقعد الماروني من بعلبك الهرمل إلى بشري.

يأتي موقف عون في لحظة دولية مفصلية، وبعد تلقي لبنان أكثر من رسالة دولية من سفراء وديبلوماسيين بوجوب اجراء الانتخابات في موعدها أياً كان قانون الانتخاب، وذلك منعاً للفراغ أو التمديد. وفي هذا الإطار، ثمة من يخرج ليفك شيفرات التحولات والتطورات الإقليمية والدولية. فيعتبر البعض أن حزب الله سيتشدد أكثر بالمطالبة بالنسبية الكاملة على أساس الدوائر الست، رداً على التصعيد الإقليمي والدولي في وجهه. بالتالي، هو يريد الاستعاضة عن ذلك الحصار عبر تعزيز مكاسبه في لبنان. وإنطلاقاً من هذه النظرة، يقول هؤلاء المسؤولون إن على القوى السياسية المناهضة للحزب، والتي لا تتوافق معه على مبدأ النسبية الكاملة، أن يصمدوا على مواقفهم الرافض لها، لأن التطورات الدولية ستصب في مصلحتهم. وهذا ما سيدفع الحزب إلى تقديم مزيد من التنازلات، لأنه بحاجة إلى الوحدة الداخلية، ولا يريد توتير الأجواء في لبنان.

بالنسبة إلى الثنائي المسيحي الذي يرفع شعار استعادة حقوق المسيحيين وصحة التمثيل، فإن قانون الستين أفضل بكثير من النسبية الكاملة، خصوصاً في ظل التحالف بينهما، وإذا ما توسع هذا التحالف ليشمل تيار المستقبل. وبذلك، يبدو الثنائي واثقاً من الحصول على أكثر من 45 نائباً وفق القانون الحالي، بحسب ما تشير استطلاعات الرأي. ومن ضمن هذه الصيغة المستجدة للتحالفات، فإن التيار الوطني الحر سيعتبر نفسه الأكثر ربحاً من ذلك، لأنه سيكون على تحالف مع حزب الله في مناطق معينة، ومع القوات اللبنانية والمستقبل في مناطق أخرى. ما سيمكنه من الحصول على الحصة النيابية الأكبر.

يقول مسؤول مسيحي بارز إن الرئيس عون رفع شعار الجمهورية القوية، وصحيح أن العودة إلى قانون الستين هي نكسة للعهد، وضربة لم تكن متوقعة بعد رفعه اللاءات الثلاث بوجه الستين والتمديد والفراغ، لكن المعنى الفعلي لقوة الجمهورية يجب أن يأتي في مرحلة لاحقة وعلى المدى البعيد بمعزل عن تعرّضها لنكسات أو صفعات من هنا وهناك. يقول المسؤول ذلك ليصل إلى خلاصة أساسية مفادها أن بناء الجمهورية القوية لا يمكن أن يستقيم بدون إضعاف القوة الخارجة عن الدولة. وهذا يقود إلى رهان على إضعاف حزب الله إنطلاقاً من حسابات إقليمية ودولية، تحيل منطق فائض القوة التي يتمتع بها حزب الله جانباً، وتعيد الجميع إلى الواقعية.

لا شك في أن موقف عون وعودته إلى قانون الستين، والذي قال إنه لا يريده ولكن بسبب عدم التوافق لا يريد أن يترك الجمهورية فالتة، يريح بعض المراهنين على إيقاع مزيد من الشرخ بين عون وحلفائه، وفي مقدمهم تيار المستقبل، الذي أبدى إيجابية ازاء كل المقترحات والقوانين، ليحصر الخلاف بين الفريقين الشيعي والماروني. ومجدداً ينجح المستقبل في حشر الطرفين، إذ إن عودة عون إلى الستين، تعني أنه يرفض نسبية حزب الله بحجة الضوابط التي تحتاج إليها النسبية للحفاظ على صحة التمثيل. وهذا قد يؤسس إلى خلافات أكبر في الأيام المقبلة. وهنا، تعتبر المصادر أن كل هذه الرهانات تنطلق من القمم التي عقدت أخيراً في الرياض، وأبرزها القمة السعودية الأميركية التي تحدّثت عن لبنان بشكل خاص لجهة ضرورة سحب سلاح حزب الله.