فَتح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الطريق للعودة إلى قانون الستين النافذ، قاطعاً الشكّ باليقين إزاء كلّ ما شهدته الساحة الداخلية من تكهّنات حول إمكان اعتماد هذا القانون في حال فشل التوصّل إلى قانون جديدن ما أدى إلى خلط أوراق الملف الإنتخابي. وبدأت الأنظار تتّجه إلى جلسة التشريع المقرّرة في 29 الجاري، وهل سيتمّ خلالها التمديد لمجلس النواب لفترة ثلاثة أشهر لتُجرى خلالها الانتخابات على أساس «الستين»؟ أم أنّ البعض سيَدفع للوصول إلى فراغ نيابي بدءاً من 19 حزيران المقبل لتُجرى الانتخابات خلال الأشهر الثلاثة تلك؟
واعتبَر عون أنّ التمديد لمجلس النواب هو «دوسٌ على الدستور»، ودعا إلى احترام مواد الدستور وعدم التوسّع في تفسيرها «وفق أهواء كلّ طرف أو جهة».

وقال: «لا داعي للتهويل بالفراغ، لأنه إذا حلّ موعد انتهاء ولاية مجلس النواب من دون التوصّل إلى قانون انتخابي جديد، فإنّنا سنَعمل بهديِ الدستور وما ينصّ عليه لجهة دعوة الشعب إلى الانتخابات ضمن مهلة تسعين يوماً، وتكون هذه الانتخابات على أساس القانون النافذ إذا لم يقِرّ المجلس قانوناً جديداً، على رغم أنّ الجميع وافقَ على ما وَرد في «خطاب القسَم» وفي البيان الوزاري لجهة إقرار قانون انتخابي جديد، لكن ثمّة من عملَ على التضامن مع الآخر لكي يُحبط الاقتراحات التي قدِّمت، وحصَل توزيع للأدوار تحقيقاً لهذه الغاية».

واوضح مصدر في «التيار الوطني الحر» ان رئيس الجمهورية «على موقفه الرافض لقانون الستين والتمديد لمجلس النواب وأنه بكلامه إنما ينبه من الفراغ الذي سينتج من عدم اقرار قانون انتخاب جديد ويقود الى الستين، وهذا لا يمكن اعتباره قبولاً بالستين بل تنبيهاً للجميع الى ضرورة العمل فوراً لانجاز قانون انتخاب جديد، خصوصا انه بعد ٢٠ حزيران يصبح المجلس غير موجود ما يجعل من القانون الحالي الوسيلة الوحيدة لاجراء الانتخابات النيابية لكن بعد فترة من الفراغ.

وأكد المصدر أن هذا الوضع يرفضه الرئيس وبكلامه هدف الى التحذير من التمادي في تعطيل التوصل الى قانون انتخاب جديد، الذي هو الحل الوحيد لمنع الفراغ و العودة الى قانون الستين».

المعطى سيتغيّر

وبعد ساعات على كلام عون أكد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أن «لا أحد يستطيع منعَنا من التصويت في المؤسسات، ومَن يمنع عنّا التصويت في المؤسسات الدستورية، فلدينا التصويت الشعبي». وأكّد أنّ كلّ المعطى السياسي سيتغيّر بعد 20 حزيران «في حال مُنِعنا من إقرار قانون جديد»، وقال: «واثقون من قدرتنا على المواجهة».

بري و«حزب الله»

في هذا الوقت، لوحِظ صمتُ «حزب الله» عمّا صدر عن عون، واكتفَت أوساطه بالتشديد لـ«الجمهورية» على ما ورد في كلام رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أخيراً من أنّ «الفراغ ممنوع»، و«أنّ البلد بعد 20 حزيران مهدَّد بالفوضى وعدم الاستقرار».

كذلك لوحِظ عدم مقاربة رئيس مجلس النواب نبيه بري لِما صَدر عن عون، إذ اكتفى أمام زوّاره بالقول: «مِن الآن وحتى موعد الجلسة التشريعية المقرّرة في 29 الجاري يَخلق الله ما لا تعلمون». وأضاف: «الصمت الكبير خيرٌ من الصراخ غير المجدي، وعندما نصل إلى حلّ جيّد «منِحكي».

وعمّا هو مطلوب من لبنان في ظلّ ما يجري في المنطقة؟ أجاب بري: «دعونا نُرتِّب بيتنا الداخلي أوّلاً، وهذا ما يجب أن يحصل في كلّ الحالات».

وقالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية» إنّ «موقف عون كشَف عدم رغبة غالبية القوى السياسية في التوصّل إلى قانون انتخابي جديد، وإزاء هذا الوضع وبحكمِ محدودية صلاحياته، لم يكن أمامه خيار إلّا السير في القانون الموجود. إلّا أنّ ذلك يشكّل انتكاسةً رئيسة للعهد وللحكومة».

وأضافت: «قانون الستين، وبناءً على الكلام الرئاسي القديم والجديد، هو قمّة الفساد السياسي، وهو ليس القانون الذي يؤمّن صحّة التمثيل وسلامتَه، وتحديداً للمسيحيين، لأنه يُبقي مقاعدَهم رهينةً للأصوات السنّية والشيعية والدرزية. كما يَفتح الستّينُ بابَ الاشتباك السياسي بين القوى المسيحية حتى المتحالفة بعضها مع بعض في محاولةٍ للاستئثار بالعدد الأكبر من المقاعد».

حمادة

وقال الوزير مروان حمادة لـ«الجمهورية»: لو أنّ رئيس الجمهورية وقَّع مشاريع المراسيم التي رَفعها وزير الداخلية لدعوة الهيئات الناخبة في مواعيدها القانونية والدستورية، لكان وفَّر علينا هذا الإبحارَ في محيطٍ من المخاطر والأفخاخ، والتي باتت تهدّد لبنانَ بفراغ مدمِّر، في الوقت الذي يحتاج إلى جرعات قوية من المناعة».

وأضاف: «لقد احترتُ أمس في تحديد الموقف الحقيقي للعهد بين كلام رئيس الجمهورية المتطابق إلى حدّ بعيد مع القانون، وبين كلام وزير الخارجية الذي عاد يهدّد بالفراغ إنْ لم يوافق جميع الأطراف على قانونه. في كلّ حال، لا بدّ من إعادة إحياء الحوار والابتعاد عن الكلام الاستفزازي الذي لن يُكسِبنا بعد أسابيع لا قانوناً ولا انتخابات ولا مهَل، وتكون اللاءات المجتمعة قد تمخّضَت فراغاً كاملاً وربّما مؤتمرَ تأسيسٍ يعيد خَلط الأوراق».

«القوات»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «إنّ العودة إلى قانون الستين تعني مواصلة ضربِ الدستور بشقِّه الميثاقي التمثيلي، وهذا في حدّ ذاته جريمة وكارثة وطنية».

واستغربَت إعطاءَ تفسيرات لمواقف عون «خلافاً لِما قصَده، حيث إنّه لم يغادر موقفَه الأساسي لجهة رفضِ الستين، وقال في وضوح إنّ الفراغ سيقود إليه، بمعنى أنه لم يَرفع الضغط لهذه الناحية وحضَّ القوى على إقرار قانون جديد، خصوصاً أنّ الثنائية الشيعية لوَّحت برفض الفراغ، فيما عون لم يتراجع عن موقفِه لناحية أنّ عدم إقرار قانون جديد سيقود إلى الفراغ الذي سيقود إلى الستين، فهل هناك من يريد أن يجرّب الفراغ؟».

ورأت هذه المصادر أنّ موقف باسيل «كان شديد الوضوح لجهة رفضِه التمديد والستّين والفراغ». وأكّدت «أنّ «القوات» لن توفّر جهداً لمنعِ عودة الستين وإقرار قانون جديد»، واعتبرَت أنّ عدم ملاقاة مبادرة الدكتور سمير جعجع «يُخفي أهدافاً مبيَّتةً، خصوصاً أنه دعا إلى التوافق على النسبية الكاملة التي تشكّل مساحةً مشتركة بين الجميع، بل مطلباً للثنائية الشيعية، فيما دعوتُه إلى التصويت اقتصرَت على التفاصيل المتعلقة بالنسبية الكاملة من قبيل عددِ الدوائر والصوت التفضيلي ونقلِ المقاعد، وبالتالي لم يقترح التصويت على قانون يَخدم هذا الطرف على حساب ذاك، خصوصاً أنّ الهدف من المطالب المثلّثة هو الوصول إلى أفضل تمثيل ممكن، فيما أيُّ قانون يجب أن يكون نتاجَ تسويةٍ سياسية، والتسوية هي بين النسبية الكاملة التي تُرضي الثنائية الشيعية وبين الدوائر المتوسطة مع الصوت التفضيلي ونقلِ المقاعد التي ترضي الفئات الأخرى وتُبدّد الهواجس وتعكس صحّة التمثيل».

«الأحرار»

واعتبَر رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون «أنّ المكتوب كان يُفترض أن يُقرأ من عنوانه منذ زمن، وأن يتّخذوا هذا القرار قبلاً». وقال لـ«الجمهورية»: «كان واضحاً أنّهم لن يتمكّنوا من الوصول إلى أيّ نتيجة، لكن أن تصلَ متأخّراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً. لقد استنزَفنا كلّ الوقت، وكان الأجدى اتّخاذ القرار قبلاً، وإجراء الانتخابات في موعدها».

وهل يعتبر أنّ عون تراجَع عن موقفه السابق، وما هو سببُ هذا التراجع؟ أجاب شمعون: «أعتقد أنّه لم يكن يشعر بأنه سيصِل إلى حائط مسدود على النحو القائم، ويمكن أنه كان متّكِلاً أكثر على حليفه «حزب الله» الذي لا مشكلة عنده في الستّين». واستَبعد التوصّل إلى قانون جديد، وقال: «في النهاية وصَلنا إلى حائط مسدود: إمّا الستين، ويمكن مع بعض «الروتوش»، وإمّا لا انتخابات».

«الكتائب»

وشدَّد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل لـ«الجمهورية» على «أنّ معركة الحزب ضدّ قانون الستين والسلطة السياسية التي تتوزّع الأدوار لتهريب الانتخابات على أساسه لا تراجُع عنها»، وأكّد أنّ الكتائب ثابتة على موقفها في «تحميل كلّ أركان السلطة مسؤولية الفشل أو التواطؤ لمصادرة التمثيل الشعبي».

وأسفَ لـ«بوادر التراجع عن اللاءات الثلاث: لا للتمديد لا للفراغ لا لقانون الستين»، وقال: «إنّ ما يطرحونه علينا اليوم هو نَعَم للفراغ، نعم للستين الذي يعني التمديد للسلطة الحالية لأربع سنوات جديدة».

«المردة»

وتساءلت مصادر تيار «المردة»: «هل نستطيع أن نعتبر كلامَ رئيس الجمهورية دستورياً أم لاً؟ فالمادتان 25 و74 من الدستور لا تُطبَّقان على حالة انتهاء ولاية مجلس النواب بل تتحدّثان عن حلّه».

وتساءلت عن مدى إمكانية العودة إلى الستين بلا تعديل للمهَل المتعلقة بدعوة الهيئات الناخبة بعد انقضائها». وقالت لـ«الجمهورية»: «ما حصَل لا يشكّل الضربة الأولى للعهد الذي بدلاً من أن يكون حاضناً للجميع، يسعى إلى تحقيق فوز أشخاص على حساب آخرين، فالعهد ينجح عندما يكون على مسافة واحدة من الجميع وعندما يكون غيرَ إلغائيّ وغيرَ إقصائي وعندما ينفّذ شعار «بَيّ الكِل» فعلاً».

وأضافت هذه المصادر: «نكاد نقتنع بأنّ إعلان رئيس الجمهورية الدعوةَ إلى الانتخابات على أساس القانون النافذ إذا لم يتمّ التوصّل إلى قانون جديد لعدم التسليم بالفراغ، قد حصَل عن سابق تصوّر وتصميم، لأنّ «التيار الوطني الحر» لم يقدّم قوانين رفضَها الجميع، بل قدّم قوانين تهدف إلى إقصاء كلّ خصومه المسيحيين، وهو يدرك سَلفاً أنه سيعود مجدّداً إلى قانون الستين، لأنّ الجميع سيرفض قوانينَه المركّبة على القياس، ويبرّر فِعلته أمام الجميع بأنه قدَّم ما لديه ولم يلقَ تجاوباً.

وما الدليل على ذلك سوى تنكّرِه لـ«قانون بكركي» و«قانون ميقاتي» اللذين وافقَ عليهما في السابق، وهما مقبولان لدى الجميع بمن فيهم «المستقبل» و«القوات».

مجلس الدفاع

من جهةٍ ثانية، علمت «الجمهورية» أنّ رئيس الجمهورية دعا المجلسَ الأعلى للدفاع إلى اجتماع قبل ظهر بعدِ غدٍ الجمعة، ويتضمّن جدول أعماله الوضعَ الأمني العام في البلاد والتحضيرات لفصلِ الصيف. وقالت مصادر مطّلعة إنّ البحث سيتناول أيضاً التطوّرات الأمنية، بعدما أمسَك الجيش بمناطق حدودية إضافية إلى جانب انتشاره على طول جبهة عرسال - رأس بعلبك في مواجهة المجموعات الإرهابية، فضلاً عن البحث في الأمن الداخلي.

وسيَستمع المجتمعون إلى تقارير طَلبت من قادة الأجهزة الأمنية تناوُلَ التحدّيات المنتظرة في ضوء المتغيّرات الإقليمية والدولية ربطاً بالجديد المتوقّع بعد قمّة الرياض وصولاً إلى ما هو منتظر على الساحة السورية وملفّ النازحين السوريين والخطط الواجب اتّخاذُها في الداخل وعلى الحدود.