لن يخرج التيار المحافظ من انتكاسته السياسية والاجتماعية بسهولة٬ فقد تعرض لضربة قاسية من الممكن أن تتحول مستقبلا إلى قاضية٬ إذا أص ّر على التمسك بخطاب تجاوزته أغلبية الشارع الإيراني.
 

 فقد كشفت الانتخابات الإيرانية الرئاسية والمحلية عن حالة العقم التي يعاني منها في تجديد خطابه٬ إضافة إلى الفشل في إنتاج شخصيات
يمكن أن يعول عليها في الحفاظ على مواقعه داخل تركيبة السلطة. ويعود هذا الفشل إلى عاملين أساسيين: الأول اعتماده الكامل على شخصيات دينية راديكالية لا يختلف
منطقها العقائدي دينيا واجتماعيا عن منطق «طالبان» الأفغانية٬ ومن الواضح أنها تعاني من انفصام في علاقتها مع التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع الإيراني. والثاني
ازدياد نفوذ العسكر الذين باتوا الآن يستحوذون على أغلب السلطات ويتحكمون في مقدرات إيران٬ ويس ّخرونها لصالح مشروعات سيطرة داخلية ونفوذ خارجي٬ الأمر الذي
فاقم الأعباء المعيشية التي يعاني منها المواطن الإيراني. فالعسكر الذي لم يعد قادرا على الدفاع عن عقائده وحماية امتيازاته إلا من خلال التهديد الذي يلوح به دائما عبر
الباسدران والباسيج٬ تسبب في إعادة إحياء ذاكرة القمع الذي تعرض له أبناء الثورة الأوائل الذين واجهوا نظام الشاه وأجهزته٬ وكان الوقت لصالحهم فتمكنوا من إسقاطه.
ففي انتكاسة النظام لم يعد عامل الوقت لمصلحته٬ ورغم توفر الإمكانات التي قد تساعده على تخطي هزيمته٬ فإن الزمن الإيراني الجديد لن يسعفه حتى في التقاط أنفاسه٬
فأزماته ومآزقه التي تراكمت منذ سنوات نتيجة لسوء إدارته للملفات الداخلية والخارجية٬ أعقد من قدرته على تخطي تداعياتها التي وصلت إلى مستوى يستدعي الانتباه إلى
مستقبله وحجمه في السلطة وتماسكه٬ حيث كشفت الانتخابات عن تباينات خطيرة في وجهات النظر داخل المعسكر المحافظ. فقد نأى قائد الحرس الثوري الجنرال جعفري
بنفسه عن الانتخابات٬ أما رئيس مجلس الشورى علي لارجاني فقد نقل عنه تأييده لروحاني٬ فيما الحدث الأبرز ما نقلته وسائل إعلام إيرانية عشية الانتخابات من إقالة الشيخ
علي أكبر ناطق نوري٬ مدير الرقابة والتفتيش التابع لمكتب المرشد٬ وذلك بعد إعلانه دعمه للرئيس روحاني.
الانتفاضة الانتخابية في الشارع الإيراني ليست بالضرورة عن قناعة كاملة بخيار روحاني٬ ولكنها الفرصة التي استغلها الناخب لكي يسدد ضربة موجعة للنظام٬ باعتبار أن
التصويت ضد مرشحه فرصة لمعاقبته على سياساته٬ فالنظام الذي اعتبر انتخاب روحاني يؤخر خروج الإمام المهدي٬ اكتشف أن 60 في المائة (وهو الرقم الفعلي للنتائج) من
الشعب الإيراني ممن صوتوا لروحاني غير مؤمنين بخياراته العقائدية. ورغم استخدام التيار المحافظ للغيبيات والمقدسات في دعم مرشحه القادم من إدارة مقام الإمام الرضا
في مشهد٬ فإنه هزم أمام مرشح وعد الإيرانيين بالانفتاح على الغرب. فالواضح أن الإيرانيين يرغبون في التسوق من دبي٬ وفي الذهاب لتأدية مناسك الحج فقط٬ وليس في
استغلال المناسك لأغراض سياسية. كما أن رغبة السفر إلى لبنان كسياح أكبر من الوصول إليه كمقاتلين٬ الأمر الذي يكشف عن أن النظام قد استهلك شعاراته كافة٬ وهو ما
يمكن اعتباره مؤشرا جديا على صعوبات سيواجهها النظام في استحقاقات مقبلة أكثر تأثيرا على مستقبله من الانتخابات الرئاسية. كما أن الانتكاسة الانتخابية لم تكن رئاسية
فقط٬ حيث خسر المحافظون مجالس البلديات في طهران وأصفهان وتبريز وشيراز ومشهد٬ وأغلبية المدن الإيرانية الكبرى٬ وهي نتائج لها تأثيرها على الانتخابات المقبلة
لمجلس الشورى.
خارجياً٬ يتخوف النظام من أن يستغل حسن روحاني الانتكاسة الكبرى لمشروعات الحرس الثوري التوسعية لصالحه٬ بحيث تتحول لعبة النظام في الاستقواء بالخارج على
الداخل٬ إلى استقواء روحاني بالداخل على مشروعات الخارج التي وصلت إلى الطريق المسدود٬ ورغم لغة التحدي التي استخدمها روحاني ردا على مقررات قمة الرياض
التي حذرت إيران من عواقب استمرارها في زعزعة استقرار جيرانها٬ ودعمها لفصائل إرهابية٬ فإن روحاني الذي يعرف حدود قوة نظامه سيحاول استثمار فرصة تهديده٬
لكي يجبر أركانه على تقبل مواقفه الخارجية٬ باعتبارها الحل الأنسب من أجل تجنيب إيران سياسة العزل التي لوحت بها القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض٬ التي
اشترطت على طهران تغيير سلوكها حتى تتجنب إجراءات عقابية ضدها. فروحاني الذي منع سابقا من التدخل في سياسات النظام الخارجية٬ سيستفيد حتما من انتكاستين
تعرض لهما نظام الملالي: الأولى داخلية بعد هزيمته الانتخابية٬ والثانية خارجية حيث يزداد احتمال خسارته لنفوذه وتقليم أظافره عبر ضرب أدواته الخارجية٬ وهي اللحظة
التي ستحول روحاني إلى مهندس التحولات الداخلية٬ وعودة إيران إلى حدودها الطبيعية.