وجدت القوى السياسية اللبنانية نفسها إثر المواقف الواضحة التي عبرت عنها قمة الرياض لناحية الإصرار على مواجهة إيران، ولجم طموحاتها في المنطقة، أمام حالة من الذهول السياسي، وهي حالة أصابت أساسا الموالين لحزب الله وإيران، فمخرجات القمة كانت واضحة وصريحة؛ لبنان هو ساحة رئيسية في المعركة ضد إيران وحزب الله ومختلف العناصر المتسببة في عدم الاستقرار في المنطقة
 

حضر رئيس وزراء لبنان سعد الحريري "قمة الانتصار" على إيران في الرياض. فبالنسبة إليه كانت اللهجة التي تبناها كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه ميليشيا حزب الله الشيعية حدثا تاريخيا.

ولم يكن لبنان ممثلا في القمة، التي ضمت أكثر من 50 وفدا من دول عربية وإسلامية، كإحدى هذه الدول، ولكنه كان يحمل صفة فريدة لا يشاركه أحد فيها وهي أنه ساحة المعركة القادمة مع إيران. ويقول دبلوماسيون غربيون إن إضعاف حزب الله في لبنان سيغير موازين القوى في المنطقة برمتها.

وهذا بالضبط ما تعول عليه المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى ترى في حزب الله القوة الضاربة الأولى لإيران في المنطقة. وليس هذا كل شيء، إذ يمثل لبنان الأولوية القصوة في مواجهة تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات مع إيران، بعدما اكتسبت المعركة وقودا جديدا خلال زيارة ترامب، الذي قال إنه “يجب على إيران أن توقف على الفور دعمها المالي والعسكري للإرهابيين والميليشيات".

ورغم أن العراق ظل على رأس أولويات واشنطن في محاولات مستمرة لتقليص نفوذ إيران إلى أقل مستوياته منذ الغزو الأميركي عام 2003، لكن استهداف حزب الله من قبل الإدارة الأميركية هو تحول جذري ومفاجئ في استراتيجيتها في المنطقة.

ويقول محللون إن مهاجمة الرئيس الأميركي لحزب الله بالاسم، خلال خطاب ألقاه في القمة الأحد، يعكس مرونة الإدارة الجديدة في التعاطي مع رؤية الدول الخليجية في “توجيه البندقية” باتجاه الحزب.

وهذا في حد ذاته هو مكسب سياسي ودبلوماسي كبير، إذ تعزف دول عربية عدة عن التورط في مستنقع لا نهاية له من الانقسامات على أسس طائفية ودينية في العراق.

يمثل لبنان الأولوية القصوى في مواجهة تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات مع إيران، بعدما اكتسبت المعركة وقودا جديدا خلال زيارة ترامب
ويصف النائب عن كتلة القوات اللبنانية فادي كرم ما أسفرت عنه قمة الرياض بأنه “حدث مهول من شأنه إطلاق مواجهة تاريخية كبيرة جدا”، يتوقع أن يتسبب التصعيد العام السائد بعد قمة الرياض بنوع من الضغط الإيجابي في الداخل اللبناني بشكل يدفع كل القوى السياسية إلى الركون إلى منطق التسويات والتفاهمات في سبيل حل المشاكل الداخلية”.

وبعد إدراج القيادي في حزب الله هاشم صفي الدين قبل واشنطن والرياض على “قائمة مشتركة للإرهاب”، قال الملك سلمان بن عبدالعزيز في خطاب افتتح به أعمال القمة إن “النظام الإيراني يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم”، مضيفا “لم نعرف إرهابا وتطرفا حتى أطلت ثورة الخمينية برأسها”. وأكد أن “النظام الإيراني وحزب الله والحوثيين وداعش والقاعدة متشابهون”.

وتنتظر قوى سياسية لبنانية بترقب كلمة الأمين العام للحزب حسن نصرالله في ذكرى التحرير في الخميس 25 مايو، إذ يقول كثيرون إنها ربما تتضمن إطلاق مواقف نارية ضد السعودية.

وقد أكد البيان المشترك بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية على أهمية دعم الدولة اللبنانية لبسط سيادتها على جميع أراضيها، ونزع سلاح التنظيمات الإرهابية مثل حزب الله ،وجعل كافة الأسلحة تحت الإشراف الشرعي للجيش اللبناني. ونص البيان أيضا على أن إيجاد هيكل أمني إقليمي موحد وقوي أمر بالغ الضرورة لتعاونهما ، وتنوي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية توسيع رقعة عملهما مع بلدان أخرى في المنطقة خلال الأعوام القادمة لتحديد مجالات جديدة للتعاون.


وأكد الجانبان على ضرورة العمل على حل الأزمة اليمنية. وفيما يخص الأزمة في سوريا ، أكدت السعودية دعمها للقرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإطلاق صواريخ على قاعدة الشعيرات التي شن النظام السوري هجومه الكيميائي منها على منطقة خان شيخون، وعبر الجانبان عن أهمية التزام النظام السوري بالاتفاقية التي أبرمها عام 2013 مع المجتمع الدولي بالتخلص من جميع الأسلحة الكيميائية في سوريا ، وشدد الجانبان على أهمية الوصول إلى حل دائم للصراع في سوريا على أساس إعلان جنيف، وقرار مجلس الأمن رقم (2254)، للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ولتكون دولة تمثل جميع أطياف المجتمع السوري وخالية من التفرقة الطائفية.

وأبدى الطرفان دعمهما لجهود الحكومة العراقية للقضاء على داعش، وتوحيد الجبهة الداخلية لمحاربة الإرهاب الذي يمثل تهديدا لكل العراقيين والحفاظ على وحدة العراق وسلامة أراضيه، وأهمية وقف التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي للعراق؛ وتصب أغلب القرارات في سياق التضييق على الأجندة الإيرانية، ضمن عملية سيكون لبنان ضلعا رئيسا فيها.


ارتباك في صفوف حزب الله

بعد القمة أصاب ارتباك شديد وسائل إعلام موالية لحزب الله، إذ عجز أغلبها عن الخروج بموقف واضح. ونشرت صحف الحزب مقالات خالية من السياسة، وتم التركيز على العقود التي وقعتها السعودية مع الجانب الأميركي. لكن هذه السياسة تعكس تناقضات واضحة في مواقف الحزب، إذ سرعان ما أبدى ليونة في التجديد لحاكم مصرف لبنان، بعدما قال مقربون منه إن التطورات في الرياض فرضت عليه ضرورة مواجهة العقوبات الأميركية المتزامنة مع المناخ الذي عبرت عنه القمة. ويرجح أن ينجز التمديد لسلامة في جلسة ستعقد الأربعاء القادم في بعبدا بعد أن يتم طرحها من خارج جدول الأعمال.

ويدرك قادة كبار في الحزب أن الوقت قد حان في واشنطن لطرح السؤال حول هوية الحزب ودوره في المستقبل. وسيساعد فوز الرئيس الإيراني الذي يمثل معسكر ما يعرف بالاعتدال حسن روحاني في الانتخابات التي عقدت الجمعة الماضي، في تراجع منسوب الثقة داخل الحزب، الذي تلقت ميليشيات تابعة له ضربة جوية مفاجئة الأسبوع الماضي قرب قاعدة التنف الجوية جنوب سوريا.

وكان هذا أول استهداف عسكري مباشر من قبل قوات أميركية لميليشيات الحزب التي تدعم نظام الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية الدائرة منذ ستة أعوام.

وفوز روحاني هو رسالة من إيران الى السعودية والحلف الإسلامي والولايات المتحدة والغرب، بأنها مستعدة للتفاوض. وسينعكس هذا المناخ على موقع نصر الله، الذي يقول مراقبون لأنشطة الحزب إن المتغيرات التي تشهدها المنطقة ربما لن تسمح بإبقائه في الواجهة.

كثيرون في لبنان يدركون أن حزب الله وحلفاءه باتوا في مرمى إعادة تركيب تحالفات المنطقة على أسس سياسية وعسكرية واقتصادية جديدة

تنازلات إجبارية

تزامن الموقف السعودي الأميركي حول إدراج هاشم صفي الدين على لائحة الإرهاب، مع فوز روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ومناخ التصعيد ضد إيران والحزب الذي سيطر على التوجه العام للقمة، بوصفه رسالة تقول بوضوح إن حدود الشروع في التفاوض المطلوبة أميركيا وسعوديا، تفرض على إيران وحزب الله القبول بتنازلات مباشرة وكبيرة كشرط لإطلاقها، وإن حيلة الإتيان برئيس معتدل دون تحول فعلي في السياسات لم تعد قابلة للتسويق. وبالنسبة لإيران، فإن الأمور قد دخلت في أفق التصعيد ولا يمكن أن تعود إلى الوراء أبدا.

وينظر إلى خلو البيان الختامي للقمة من ذكر إيران وحزب الله بشكل مباشر على أنه دلالة على الانتقال من لغة البيانات إلى الحيز التنفيذي، فالقمة تمهد لنشوء حلف عسكري اسلامي، كما أن منطق صفقات التسلح التي عقدتها السعودية مع أميركا ليس محدودا ولا يتضمن عمليات شراء سلاح وحسب، بل يفتح تعاونا في مجال تطوير البنية الاستراتيجية والميدانية للجيش السعودي في الفترة القادمة.

وهذا التوجه يعني أن قرار المواجهة بكل الأشكال قد اتخذ، وأن السعودية نجحت في إقناع أميركا والعالم الإسلامي بأولوية الخطر الذي تمثله إيران، بوصفه من أبرز العوامل التي تتسبب في نمو الإرهاب. كما تمكنت أيضا من تحويل الأنظار إلى لبنان باعتباره الساحة الاولى لمعركة طويلة الأمد.

وكان تيار المستقبل قد عبر عن ميل إلى استباق نتائج القمة من خلال تصريحات صدرت عن مسؤولين فيه تفيد برفض تصنيف حزب الله كحزب إرهابي، وبدا أن هذا السياق كان متفقا عليه بشكل مسبق في إطار ضبط الايقاع في الداخل اللبناني، تمهيدا للاستمرار في سياسة الفصل بين تسويات الداخل، والمواقف من الصراع الدائر في المنطقة.

ويقول مصطفى علوش، عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، أن الوضع في لبنان بعد قرار مواجهة إيران الصادر عن قمة الرياض “يبقى أسير ردة فعل حزب الله ومواقفه”، مشيرا إلى أن “احتمال التصعيد بما يعنيه من ضرب مناخ التسويات في المرحلة القادمة مرتبط بقرار استمرار حزب الله في تبني سياسة التنفيذ الأعمى للأوامر الإيرانية، والتضحية بلبنان من أجل إيران”.

ولا ينكر علوش أن الأوضاع في لبنان غائمة وملتبسة، لأن لجوء حزب الله إلى التصعيد “سيتسبب له بالمزيد من الخسائر، وخصوصا أن المسألة تعقدت كثيرا في هذه المرحلة مع عملية وضع الحدود العراقية السورية داخل إطار المحرمات الممنوع الاقتراب منها”.

ومنذ انتهاء القمة تعيش القوى السياسية اللبنانية كابوسا ضمن حالة “الهدوء الذي يسبق العاصفة”. ويدرك كثيرون في لبنان أن حزب الله وحلفاءه باتوا في مرمى إعادة تركيب تحالفات المنطقة على أسس سياسية وعسكرية واقتصادية جديدة.

لكن هذا الشعور أدخل البلد برمته في اللايقين، إذ لا يعرف أحد تأثير الشظايا التي من المتوقع أن تتطاير من صراع ستكون المنطقة كلها مسرحا له، وفي مقدمتها لبنان.

وطالب النائب عن حزب الكتائب فادي الهبربـ”إخراج المواقف من قمة الرياض من يد القوى السياسية اللبنانية المختلفة، وحصر الحق في إعلان موقف واضح يحدد توجهات السياسة اللبنانية في رئيس الجمهورية وفي مجلس الوزراء ورئاسة الحكومة، كونها الجهات المخولة بتحديد دور لبنان في هذه المرحلة”.

وأشار إلى طرح كان حزب الكتائب قد تقدم به يقضي “بالإعلان عن تحييد لبنان عن الصراع الخليجي الإيراني، وعن كل صراعات المنطقة، والاكتفاء بالإعلان عن موقف واضح يؤكد على عدم حيادية لبنان في ما يخص العدو الإسرائيلي فقط”.

لكن يبدو أن الحديث عن تحييد لبنان هو كلام شكلي فقط، إذ تدرك قوى سياسية لبنانية عدة أن التصعيد الاقليمي يطرح مسألة مصير لبنان وعلاقته بالبيئة العربية والإقليمية وشبكة تحالفاتها الجديدة. ويتوقع الهبر أن يؤدي مناخ التصعيد “إلى دفع القوى الممسكة بزمام القرار اللبناني إلى ممارسة التشدد في مقاربتها لكل الملفات المطروحة وعلى المستويات كافة”.

وشدد على أن “التصعيد سيطال بشكل خاص موضوع تداول السلطة في لبنان الذي سيعاني في المرحلة القادمة من زيادة في الخلافات والتعقيدات التي ستعيق إنجاز التوافق حول قانون انتخاب يسمح بانتظام الأمور”.

 

 

شادي علاء الدين