قامت مقاتلات أمريكية يوم الخميس الماضي باستهداف رتل عسكري لنظام الأسد والميليشيات الشيعية وذلك في المنطقة الواقعة على المثلث السوري- العراقي- الأردني، أثناء تقدّم هذه القوات باتجاه قاعدة التنف التي كانت تبعد حوالي 27 كلم عن الموكب عند قصفه.
 

وتضم القاعدة المذكورة التي يديرها الجانب الأمريكي قوات خاصة أمريكية وبريطانية بالإضافة إلى قوات تابعة لفصائل الجيش الحر. 

وفي تبريره للعملية، قال بيان للتحالف الدولي بأنّ قوات التحالف قامت بقصف ميليشيا موالية للنظام السوري بينما كانت الأخيرة تتقدم باتجاه منطقة "عدم الاشتباك" المتفق عليها سابقا، مشكلِّةَ بذلك خطرا على الجنود الأمريكيين والقوات الحليفة المتواجدة في القاعدة. 

وقد كشف بيان التحالف الدولي عن حقيقة أنّ العملية كانت قد تمّت بعد أن فشلت الجهود الروسية في ثني الرتل العسكري الموالي للنظام السوري عن التقدم باتجاه قاعدة التنف، وكذلك بعدما فشلت محاولات الجانب الأمريكي حينها في تحذير الرتل المتقدّم باتجاه القاعدة عدّة مرات، قبل أن يتم في نهاية المطاف استهدافه لإيقاف تقدّمه. 

وقد صرّح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس عقبل تنفيذ العملية قائلاً "نحن لا نريد زيادة دورنا في الحرب الأهلية السورية، لكننا سندافع عن أنفسنا إذا اتخذت خطوات عدائية ضدنا، وهذه سياستنا المستمرة من فترة طويلة"، وكذلك صرّح رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد قائلاً إنّ الضربات ضد مقاتلين موالين للنظام السوري كانت إجراء وقائياً ولن تتكرر إن لم تتعرض القوات الأميركية إلى تهديد.

طبعاً، هناك من استعجل وقام ببناء استنتاجات مسبقة حول تحوّل جذري مفترض في الموقف الأمريكي سواء فيما يتعلق بنظام الأسد أو فيما يتعلق بطريقة التعامل مع إيران، على اعتبار أنّ الغارة الأمريكية قامت باستهداف عناصر فصيل شيعي موال لإيران كانت ضمن الموكب المذكور للقوات الموالية لنظام الأسد كما قالت التقارير الأوّلية حينها. 

لكن في حقيقة، وإذا ما راجعنا بدقّة التصريحات المذكورة أعلاه فإن القول بوجود تحوّل جذري في الموقف الأمريكي سيكون بمثابة مبالغة كبيرة تحتاج إلى أكثر ممّا جرى لإثبات صحّتها. في الواقع، هناك عدّة استنتاجات يمكن الخروج بها من خلال المعطيات البسيطة التي توافرت من هذه الحادثة لعل أهمّها:

1) روسيا لا تريد إستخدام القدرة و/أو الإرادة لفرض كلمتها على النظام السوري أو على إيران، ولربما تحاول التلاعب أيضاً بالطرفين (حلفائها وخصومها) على اعتبار أنّ القوات التي تمّ استهدافها كانت قد دخلت منطقة اتفقت كل من واشنطن وموسكو سابقا على إبقائها بعيدا عن الصدام، وإلا فكيف يمكن تفسير بيان التحالف الذي أشار إلى أنه قد تمّ الطلب من روسيا التدخل لكنها فشلت في ثني الموكب عن التقدم؟!. وهذا بطبيعة الحال مؤشر على ثبات الموقف الروسي التقليدي في الملف السوري.

2) لم تقم واشنطن باستهداف الموكب مباشرة حتى عندما فشلت في الاعتماد على روسيا لإيقافه، بل قامت بتحذير الرتل وعناصره عدّة مرات بعد ذلك، وهذا يعني أنّها لا تريد الاشتباك أو الاصطدام وليس هناك أي قرار من أي نوع بالتصعيد سواء مع النظام السوري أو مع الميليشيات الشيعية الموالية لإيران أو مع إيران نفسها، وهو مؤشر آخر على أنّ الأولوية لا تزال لمكافحة داعش وهي الخطة نفسها التي كانت إدارة أوباما تسير فيها، مع الاعتراف ببعض التعديلات الطفيفة التي لا ترقى أبدا إلى مستوى التحوّل.

3) استهداف الرتل تمّ بعدما جرى استنفاد كل الوسائل الممكنة لمعالجة الموضوع، وانطلاقاً من موقع دفاعي، وكما قال البيان لـ"حماية الجنود الأمريكيين" بالدرجة الأولى وليس أي أحد آخر.

 محاولة توصيف الهجوم على أنّه محض دفاع عن فصائل سورية معارضة وأنّه جاء بمبادرة من الجانب الأمريكي للاستنتاج بأنّ هناك تحوّلا، ليس في محلّه ويتضمن تحميلا للموقف أكثر ممّا يتحمل.

إذا ما أضفنا هذه الاستنتاجات إلى المعلومات التي تؤكّد أنّه لم يجر حتى الآن إعداد خطّة متكاملة للتعامل مع الملف السوري ولاسيما مع نظام الأسد، فإن هذا الأمر يوصلنا إلى النقطة التالية وهي أنّه ليس هناك رؤية كذلك للكيفية التي سيتم من خلالها احتواء أو صد النفوذ الإيراني في المنطقة فضلا عن تقليصه.

وفي هذه النقطة بالتحديد، هناك من يشير إلى أنّ إدارة ترامب ستكون كثيرة الكلام، قليلة العمل فيما يتعلق بالملف الإيراني. نعم، سيتم اتخاذ بعض الإجراءات بحق النظام الإيراني لكنّها ليست بالقدر الذي قد يتصوره البعض وليست بالقوّة المطلوبة لتقليص النفوذ الإيراني كما تقول بعض المصادر. 

وحتى لو افترضنا أنّ نيّة الإدارة الأمريكية موجودة في هذا الصدد، فكيف يمكن حينها المواءمة بين إبقاء الأولوية بالنسبة لمكافحة داعش مع عدم وجود خطة للملف السوري ولإخراج نظام الأسد من المشهد، وبين محاولة إضعاف إيران؟