تمهيد:

للأسف الشديد، تعالت صيحات المنادين بالحقوق المسيحية "المهضومة" بعد خروج القوات السورية ربيع العام ٢٠٠٥، ودأب حملة هذه الدعوة على إثارة النعرات الطائفية، باعتبار المسلمين قد سطوا على مواقع المسيحيين في الإدارة والمناصب العليا والتمثيل السياسي، وذلك عكس مجريات الأحداث السياسية بعد نهاية عصر الوصاية السوري، فبدل التركيز على اللُّحمة الوطنية، ونبذ التحاصص الطائفي، والسعي المخلص لبناء مفهوم "المواطنة" كحل تدريجي للخلاص من موبقات النظام الطوائفي، جرى حرفُ كل ذلك بعد وثيقة التفاهم العوني-الحزب اللهي، إذ خرجت من أبواق التيار العوني الدعوات المحمومة لاسترداد حقوق المسيحيين الضائعة وتصحيح الخلل المزعوم في التمثيل النيابي تحت حُجّة واهية ومُضلّلة ما زالت تُردّد كل يوم وتعيق التفاهم على قانون انتخاب جديد، وهي أنّ النواب المسيحيين لا يُنتخبوا بأصوات المسيحيين.
أولاً: تصفية الشخصيات المسيحية المتنورة...

إقرا أيضا: الوزير الجراح يداوي جروح رئيس الحكومة ويلحق بأبي خليل

تحت هذه اليافطة ،مرّت جرائم النظام السوري (متزعّم تيار المقاومة والممانعة)، وتمت تصفية واغتيال رموز المسيحيين المتنورين الذين رأوا في النظام العربي الاستبدادي في سوريا ومصر وليبيا واليمن عائقاً أمام نهضة البلاد العربية وتقدّمها ،ومن بينها لبنان بالطبع، فتمّ اغتيال سمير قصير وجبران تويني وبيار الجميّل وجورج حاوي وبيار غانم، مع محاولة اغتيال مروان حمادة ومي شدياق، ونجا من هذه المقصلة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وبطرس حرب، والحقّ يُقال: أنّ جعجع ،بعد خروجه من السجن، حمل خطاباً وطنياً جامعاً ومتحرّراً من أدران الطائفية التي علقت بثوبه أثناء الحرب الأهلية، وساند ثورات الربيع العربي، ودعا بجرأة مسيحيي الشرق للصمود في أرضهم، وقال في إحدى خطبه بلمحة إشراقية وجودية مُتعالية: لن نغادر هذه البلاد ،فقد باتت قريبة من أمانينا وطموحاتنا بعد ثوراتها ضد الاستبداد والطغيان، باتت تشبهنا ونشبهها، وعلينا أن نتجذّر في أرضنا. أمّا في لبنان، فقد دعا إلى نزع السلاح غير الشرعي ضنّاً بالسيادة والاستقلال، وحفظاً للنظام والكيان، وذلك قبل الانحراف منذ عامٍ تقريباً للتماهي مع طروحات التيار العوني، فمال نحو خطاب تبريري وشعبوي وانتهازي أفقده الكثير من مصداقيته، وأفضى في نهاية المطاف إلى انتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية، الرئيس الملتبس موقعه بتفاهمات تطال أول ما تطال سيادة البلد واستقلاله وسلامة أراضيه،ووحدة مؤسساته وفعالياتها.
ثانياً: باسيل بات ممثّل الانحطاط السياسي...

اقرا ايضا: المسيحيون بين بشير وباسيل

يحاول الوزير باسيل حمل "هموم" المسيحيين واسترداد كرامتهم وعزّتهم التي سطا عليها إخوانهم المسلمون، ويحاول خوض هذا الغمار دون أن يحمل تراثاً فكرياً وأدبياً ووطنياً وحصافة سياسية ضرورية، فلا هو مُقارب لمفكر الطبقة الرأسمالية ميشال شيحا، ولا هو المفكر شارل مالك أو فؤاد افرام البستاني، ولا تقارب نزاهته ومثاليته نزاهة ومثالية بشير الجميل، حتى لا نذكر قامات عالية في تاريخ المسيحيين الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ لبنان والعرب والمشرق كالشدياق واليازجيّين وأديب اسحق ولويس شيخو ويعقوب صروف وجبران خليل جبران وشبلي الملاط وغيرهم، هذه الأسماء التي طالما اعتزّ بها المسلمون قبل المسيحيين والعلمانيين، الذين يحاول اليوم جبران باسيل أن يختزلهم وينطق باسمهم ويحمل صليب المسيحية المعذّبة عنهم.
هزُلت، والله، وبان هُزالُها.