«اذا أردت اختبار شخصية الرجل أعطه السلطة». هذا القول لـ ابراهام لينكولن، وقد لا يبعث الاطمئنان في أميركا. هذا القول ليس تحدياً لترامب إنما لأجندة اقتصادية قد لا تكون مناسبة للوضع الاميركي الحالي، لا سيما موضوع التخفيضات الضريبية التي وعد بها والتي قد لا تكون محفّزة للنمو.
 

هناك تشكيك في دقة ما يعتقده الرئيس الاميركي دونالد ترامب ومستشاروه بأنّ ترك المزيد من الاموال في أيدي الشركات والمستهلكين سيؤدي حتماً الى مزيد من الانفاق والاستثمار ورفع النمو الاقتصادي، وهكذا لا تفقد الحكومة الاتحادية أيّ ايرادات.

وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي أنغوس ديتون الحائز على جائزة نوبل، انّ سياسة ترامب تفيد الاغنياء وتزيد من عدم المساواة في الدخل الاميركي وقد تكون دائماً، حسب ديتون، صالحة لفترة قصيرة الاجل ولكن ليست بالواقع تسلم في المدى البعيد.

أضف الى ذلك الصدمات السياسية التي حصلت في العام ٢٠١٦ لا سيما انتخابات الرئاسة الاميركية وتصويت الـ Brexit ما اضطرّ صنّاع السياسة في كثير من البلدان ان يعالجوا سبل تضييق الهوة بين الاغنياء والفقراء.

واذا كان مخطط ترامب زيادة العائدات بمقدار ٢ تريليون دولار خلال فترة عشر سنوات أمر فيه شك وهنالك سيناريوهات عدة تؤكد او تخالف هذه الفكرة وتدحض هذا التفاؤل المتزايد- فرونالد ريغان وقّع الاصلاح الضريبي عام ١٩٨٦ وكان ذلك ثاني تخفيض ضريبي خلال فترة حكمه وأدى الى ازدهار في السنوات التي تلته انما ذلك لا ينطبق في معظم الاوقات- فخلال حكم جورج بوش عام ٢٠٠١ و٢٠٠٣ جرت تخفيضات ضريبية اعقبتها سنوات من النمو المخيب للآمال ومع بيل كلينتون في العام ١٩٩٣ أجرت زيادة في الضرائب أعقبتها سنوات من النمو تجاوزت وبكثير ما حصل خلال عهد ريغان.

والأكيد انّ هنالك مجموعة كبيرة من البحوث الاكاديمية بشأن هذه المسألة تنظر الى مدى التغييرات الضريبية وما تفعله الحكومات في الايرادات. وعلى سبيل المثال الاقتصاديين Barro و Redlick درسا هذه العلاقة من خلال بحث جرى على الاقتصاد الاميركي في عام ١٩١٢ الى عام ٢٠٠٦ اثبتت انّ خفض متوسط معدل الضرائب عند الاميركيين بنسبة نقطة واحدة تؤثر في الناتج المحلي للعام الذي يليه بنسبة 0,5 بالمئة.

إنما هذا البحث بَدا اكثر غموضاً عبر الفترات الزمنية ومع دول اخرى- هذا وحسب Andrew Samwick من الصعب اكتشاف اي تأثير قوي من خلال تغيير الضرائب واذا ما نظرنا في مختلف البلدان نرى انه لا توجد علاقة قوية وبعبارة اخرى هنالك بلدان تعاني ارتفاعاً في الضرائب وارتفاعاً في النمو وبلدان منخفضة الضرائب فيها ومنخفضة النمو وتفسير ذلك واضح لا سيما انّ هنالك عوامل كثيرة في النمو الاقتصادي لا علاقة لها بالضرائب بما في ذلك التغيير الديموغرافي والتقدم التكنولوجي او عدمه ما يجعل محاولات عزل أثر التغييرات الضريبة محيّراً وغير ثابت وله روابط ذات أهمية تتعلق بكيفية خفض الضرائب وعلاقتها بالنمو وكذلك بحدود تلك السياسات.

وهنالك الكثير من النقاش حول الضرائب وفي تقييم آثارها الاقتصادية وكون الاقتصاد على طريق النمو او في حالة انكماش، وعندها تختلف الامور. وهذه الوضعية انطبقت في العام ٢٠٠١ مع جورج دبليو بوش وفي العام ٢٠٠٩ مع جهود باراك اوباما لتعزيز النمو في الأجل القصير.

لذلك قد يكون من الطبيعي في تقييم الآثار الاقتصادية للضرائب معرفة اين تذهب اموال هذه الضرائب بمعنى آخر، كيف تصرفها الحكومات لزيادة القدرة الانتاجية وفي مشاريع الهيكلة الاساسية وفي تمويل عجز الموازنة. وهناك الكثير من النقاش حول الضرائب والانفاق وما هو دور الحكومة وقيمة الانفاق الحكومي.

وفي حديث له مع مجلة الايكونوميست استخدم ترامب مصطلح «تحضير الضخ»، وهو مصطلح يعود الى بداية القرن التاسع عشر ويستخدم للاشارة الى برامج الانفاق الحكومية كذلك Mnuchin وزير الخزانة الاميركي والذي قال انّ تحضير هذه المضخّة في الاجل القصير تؤدي الى النمو. والامر الاكثر إزعاجاً في الموضوع انه ورغم وجود العديد من المستشارين حوله لا سيما Mnuchin وكوهين و Priebus -عندما يتعلق الأمر بجدول اعمال السياسة الاقتصادية يبدو انّ هنالك صوتاً واحداً وهو صوت السيد ترامب والذي يبقى هدفه الاساسي زيادة النمو الاقتصادي و Trumponomics وعناصرها الرئيسية مألوفة منذ عهد ريغان.

ويبدو الامر أسوأ من ذلك او بالأحرى اكثر واقعية لا سيما انّ ترامب بدأ يفقد السيطرة على العديد من اجزاء أجندته الاقتصادية بما في ذلك الاصلاح الضريبي والانفاق على البنية التحتية واقتناعه بعدم الانسحاب من اتفاق التجارة الحرة في اميركا الشمالية الـ NAFTA بعد ان أظهر له وزير الزراعة خريطة تبيّن له انّ العديد من الوظائف الناتجة ستكون في المناطق التي صوّتت له.

كذلك وعلى ما يبدو بات مقتنعاً بقانون الهجرة والاضرار الاقتصادية التي تلحق بذلك، وعندما سئل اذا كان ما زال يريد الحدّ من الهجرة، قال: لا لا...! اريد الناس قانونياً كما نريد عمالاً زراعيين.

لذلك تبدو الامور غير مستقرة بتاتاً، ويبدو انّ كل ما وعد به ترامب هو على طريق الزوال والحرب التجارية مع الصين والمكسيك باتت عير واضحة المعالم وقد لا تحصل، لا سيما مع تطورات الوضع في كوريا الشمالية ووعود الصين بالمساعدة.

علماء الاقتصاد يتوقعون القليل من الفوائد القصيرة الأجل للخفض الضريبي لكنهم يعتقدون انّ الحكومة يمكنها ان تعزز النمو الطويل الاجل من خلال التركيز على عامل الانتاجية الذي يبقى اقتصادياً الضمانة الوحيدة لزيادة النمو وعائدها يأتي بالنفع على الاقتصاد ككل، لا سيما انّ الدراسات أظهرت عدم توافق الرأي حول اهمية خفض الضرائب واقتناع العديد انّ اكبر الفائزين من مشروع الضرائب على ما يبدو هم اغنياء اميركا.

هكذا، وبالمطلق نرى ترامب وسياسته الاقتصادية متناقضة وغير ثابتة ومتغيرة في احسن الاحوال ما يزيد مسؤولية مستشاريه ويؤكد على صحة شعار لينكولن «اذا ما أردت اختبار شخصية الرجل أعطه السلطة».