لا تختلف منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في استخدام وسائل الإرهاب والعنف والقتل والتهجير وارتكاب المجازر واستغلال الأطفال في القتال عن بقية المنظمات الإرهابية التي تمارس كل هذه الأعمال البشعة، إلا أنها تحظى بدعم غربي عموما وأمريكي على وجه الخصوص، رغم تصنيفها كمنظمة إرهابية.
 

الولايات المتحدة تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية منذ 1997، وكذلك الاتحاد الأوروبي، يصنفه منذ 2004 ضمن المنظمات الإرهابية. ويراه حلف شمال الأطلسي "الناتو" منظمة إرهابية منذ 2003. ومع ذلك، تتلقى هذه المنظمة الإرهابية دعما سياسيا ولوجيستيا سخيين من الولايات المتحدة وأعضاء الناتو والاتحاد الأوروبي. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "لماذا تدعم تلك الدول منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية؟".

هناك آراء مختلفة حول أسباب الدعم الغربي للمنظمة الإرهابية. ويرى بعض المحللين أن سبب هذا التعاطف مع حزب العمال الكردستاني يعود إلى طبيعة أيديولوجية المنظمة الإرهابية التي تقدم نفسها كحليف علماني للغرب يتبنى القيم والثقافة الغربية في بيئة تعج بالحركات والجماعات الإسلامية التي ترفض تلك القيم والثقافة. ولا يخفى على المتابعين حرص المنظمة الإرهابية على إظهار مشاهد الفتيات اللاتي يقاتلن في صفوفها لتعزز هذه الصورة الذهنية لدى الرأي العام الغربي.

ومن الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تدعم حزب العمال الكردستاني في سوريا، وفقا لآراء المحللين، أن تنظر الإدارة الأمريكية إلى المنظمة الإرهابية على أنها أفضل أداة يمكن استخدامها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي يدفع واشنطن إلى غض الطرف عن الانتهاكات الرهيبة التي يرتكبها عناصر المنظمة الإرهابية. ويقول هؤلاء المحللون إن الإدارة الأمريكية تسعى اليوم إلى تسجيل انتصارات مستعجلة في سوريا، دون النظر إلى عواقب دعم حزب العمال الكردستاني والمشاكل التي يمكن أن يسببها هذا الدعم في المستقبل.

هناك رأي آخر يقول إن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" ما زالت غاضبة على تركيا، وتنتقم منها بسبب رفض البرلمان التركي لنشر القوات الأمريكية في الأراضي التركية قبيل احتلال العراق. وقد تكون مثل هذه المشاعر البعيدة عن العقلانية موجودة لدى بعض الضباط الأمريكيين، ولكن القول بأنها مسيطرة على تفكير القيادة العسكرية الأمريكية واستراتيجيتها بحاجة إلى دليل.

الولايات المتحدة لا تريد أن تخسر أداة استثمرت فيها لتستغلها كما يحلو لها، ولكنها لا تريد أيضا أن تخسر أنقرة في المرحلة التي يبدو أنها ستشهد تصعيدا ضد إيران. ولذلك تسعى إلى طمأنة تركيا بوعود مختلفة وإقناعها بضرورة استخدام ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي في معركة تحرير الرقة، وتصر على أن ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني منظمتان مختلفتان. ولكن تركيا لا تشك أبدا في ارتباط الأولى بالثانية تنظيميا، ولا يمكن أن تقنعها واشنطن ولا غيرها بأن ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي ليست منظمة إرهابية.

أردوغان، بعد زيارته للصين ومشاركته في قمة طريق الحرير، سافر مباشرة إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجرى لقاء الرئيسين التركي والأمريكي المرتقب مساء الثلاثاء في البيت الأبيض. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب مع نظيره التركي، أكد أن بلاده تدعم تركيا في حربها ضد تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني، وأنها تعطي تركيا ضمانات بشأن عدم ترك مناطق آمنة لتلك التنظيمات الإرهابية، كما عبر عن رغبته في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة وتركيا، مؤكدا أنه ينتظر بفارغ الصبر التعاون بين بلاده وتركيا في سبيل إحلال السلام والأمن في الشرق الأوسط ومكافحة التهديدات المشتركة التي تستهدف كلا البلدين.

وفي مقابل هذا التصريحات التي تدل على الرغبة الأمريكية في عدم إبعاد أنقرة عن واشنطن، شدد الرئيس التركي على أن التنظيمات الإرهابية بما فيها حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي وتنظيم داعش لا مكان لها في المنطقة، وأن أي دعم لميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي يتنافى مع الاتفاقيات الدولية.

أردوغان ذهب إلى لقاء ترامب وخلفه دعم شعبي واسع عبر عنه رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي في كلمته أمام نواب حزبه، حيث قال إن الشعب التركي يقف وراء أردوغان، مؤكدا أن الولايات المتحدة أمامها طريقان: إما تعزيز علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، وإما التحالف مع تركيا والتراجع عن دعمها للمنظمة الإرهابية. وسنرى قريبا أي الطريقين سيختار ترامب بعد لقاء الأمس الذي استغرق حوالي ساعتين.