لم يعد خافياً، بدء التحضيرات العسكرية لخوض المعركة في الشرق السوري ضد تنظيم داعش. تكتسب تلك المعركة بعداً إستراتيجياً أكثر من هزيمة التنظيم لأنها تتعلق بمناطق النفوذ الجيوستراتيجية بالنسبة إلى المحاور المتخاصمة على الأرض السورية. تزرع واشنطن قواعدها العسكرية في مناطق مختلفة، على الحدود التركية العراقية، السورية العراقية، السورية الأردنية، وكل معركة تريد خوضها عبر فصائل متحالفة معها، يتم انطلاق هذه الفصائل من تلك القواعد. فهدف واشنطن الأكيد، وفق معنيين، أصبح قطع الطريق الإستراتيجي من إيران إلى العراق فسوريا وصولاً إلى لبنان. بدأت إيران عملية مضادة، وهي بدأت بإرسال قوات إيرانية ومن حزب الله وبعض الحلفاء إلى الشرق السوري لخوض معركة دير الزور وحماية ذلك الخط الإستراتيجي بالنسبة إلى طهران.

تحاول إيران فرض سيطرة مطلقة على ذلك الخطّ، من الجهتين السورية والعراقية، عبر الإستناد إلى الحشد الشعبي. هي معركة السباق مع الوقت. وبحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن إنجاز ملف حي القابون في العاصمة دمشق، يأتي في إطار تعزيز شريط الحماية للعاصمة. وهذا ما سيحصل في أكثر من منطقة محيطة بالعاصمة، كما يهدف إلى حماية ذلك الخط الإستراتيجي. وتؤكد المصادر أن إيران لن تسمح بقطع هذا الخطّ، مهما كلّف ذلك من ثمن. وهي مستعدة لخوض أي معركة لحمايته.

حتى الآن، وفق المصادر، هناك ضابط إيقاع لهذا الصراع بين واشنطن وطهران. تلعب موسكو دور الموازن بين الطرفين، ففي مكان تحاول إقناع واشنطن الإحجام عن التقدم باتجاه مناطق ونقاط معينة، وفي مكان آخر تعمل على إقناع طهران بعدم التشدّد تجاه أي تحرّك أميركي تجاه مناطق ونقاط أخرى. لكن، إلى متى سيستمر هذا الحال من الموازنة والمواءمة؟ الأمر ليس سهلاً ولا مضموناً.

لا يمكن إندلاع مواجهة مباشرة بين الطرفين، فلا واشنطن تريدها، ولا موسكو ستسمح بها، وفق مصادر متابعة. فما تريده الولايات المتحدة هو وضع شروطها وإخضاع الجميع لهذه الشروط، التي من بينها وجوب تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، ومنع سيطرة طهران على ثلاث دول بهذا الشكل السهل. لا تخفي المصادر وجود اختلاف روسي أميركي حول بعض النقاط في سوريا، وأبرزها رفض موسكو التفريط بتحالفها وتنسيقها مع طهران. بالتالي، فإن ذلك يفرض معادلة أساسية، هي إنعدام أي إمكانية لخوض الولايات المتحدة مواجهة مباشرة ضد إيران، فلا أحد يريد توسع المواجهات.

وتؤكد المصادر أن إيران لن تتراجع، بل ستقود المعركة حتى النهاية. وتلفت المصادر إلى أن المواجهة ستكون بطريقة غير مباشرة، بالوكالة. أي إن واشنطن ستدعم فصائل من المعارضة السورية لأجل خوض تلك المعركة وطرد داعش والسيطرة على مناطقه، ومنع إيران من التمدد والإمساك بتلك المفاصل. فيما إيران ستواجه، وإن لم يكن ذلك بطريقة مباشرة.

وهنا، ثمّة من يذكر بتصريح لعضو مجلس اللوردات البريطاني، وهو ضابط استخبارات سابق كان له علاقة في حرب العراق. فقد قال ذات مرّة إن التفجيرات التي يتعرض لها البريطانيون والأميركيون في العراق، تحمل بصمات حزب الله، سواء لجهة كيفية إعداد تلك التفجيرات، أم نوعية العبوات، بالإضافة إلى التشابه في أمور لوجستية أخرى. وتكشف المصادر أن القوات البريطانية ذات مرّة، ألقت القبض على مجموعة لحزب الله، كانت تعد أو توجه بعض الأشخاص لشنّ عمليات ضد البريطانيين والأميركيين في العراق. وعاد الحزب واستطاع إطلاق سراحهم.

تستند المصادر إلى هذه الرواية، للإشارة إلى إمكانية لجوء حزب الله إلى إطلاق المقاومة السورية لشنّ عمليات ضد الوجود الأميركي في تلك المنطقة الشرقية من سوريا. وهذه العمليات سيخوضها أشخاص سوريون يدافعون عن أرضهم ضد الوجود العسكري الأميركي وفق ما يقولون، لأن هذا النوع من المعركة، لا يتحمّل مسؤوليته أي طرف بشكل مباشر. بالتالي، سيخرج عن أي منطق للحروب الكلاسيكية. ولا تخفي المصادر أن الفكرة جاهزة وحاضرة للتنفيذ والتطبيق، لكن قد يكون من المبكر الحديث عنها حالياً، في انتظار ما ستأتي به التطورات الدولية.