أولاً: الحجاج...
بعث الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان الحجاج بن يوسف والياً على العراق، وأمره أن يحشر الناس إلى المهلّب في حرب الازارقة، فألقى خطبته الشهيرة من على منبر الكوفة حيث يقول: أمّا والله إنّي لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وكأنّي أرى الدماء بين العمائم تترقرق.فحكم العراق بالدّم والحديد،حتى ذكر العتبي عن أبيه: ما رأيتُ مثل الحجاج، كان زيّه زيّ شاطر، وكلامه كلام خارجي، وصولته صولة جبّار، وقال هشام بن جعفر : أنّ الحجاج حروري أزرقي، أتدري ما الحروري الأزرقي؟ هو الذي إن خالفت رأيه سمّاك كافراً واستحلّ دمك، وكان الحجاج كذلك.

إقرأ أيضا : في زمن الانحطاط السياسي ... يتحوّل نواب لبنانيون إلى مسوخ نواب

لم تعرف الخلافة الإسلامية نظام المحاكم والقضاء الذي تعرفه الدول الحديثة في عصر حقوق الإنسان، كان القضاء الإسلامي مقتصراً على فقه المعاملات والتجارة والكسب، والحقوق الشخصية ومعاملات الإرث والحياة الأسرية، أمّا أمور الاعتقال والتعزير والجلد وضرب الأعناق فكانت من اختصاص الشرطة والوالي، ويفتخر الحجاج بأنّه (في زمنه) لم يكن أحدٌ أجرأ منه على الدّم، وبعد موته عُرضت السجون، فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفاً، لم يجب على واحدٍ منهم قتلٌ ولا صلب، وعن النضر بن شميل: سمعت هشاماً يقول: أحصوا من قتل الحجاج صبراً (أي مقيّداً ) فوجدوهم مائة وعشرين ألفاً.وكان القاسم بن محمد بن أبي بكر يقول: الحجاج ينقض عُرى الإسلام عُروةً عروة.

إقرأ أيضا : الجماعات الأصولية تغرف من خزائن النصوص المقدسة

ثانياً: سجون بشار الأسد...
لم يعرف عصر الحجاج نظام الحزب الواحد مع جبهة الأحزاب القومية والوطنية، لم يكن هناك قصر للعدل، ولا نقابة محامين، ولا مجتمع مدني، لم يكن هناك إعلام وفضائيات، ولا مجلس أمن ومنظمات حقوق للإنسان، ولا مجلس للجامعة العربية ومنظمات واتحادات العلماء المسلمين، كانت الشورى قد حلّت محلّها استفتاءات ال٩٩ بالمائة، وبدل الحجاج وُلد مئات "الحجاجين"، ومع ذلك فإنّ عبقرية وشطارة الحجاج لم تبلغ به إقامة محارق في حرم السجون، ومع كل العنف والشدة التي اشتُهر بها الحجاج، فقد كان السجناء يمّنون النفس بالخروج من غياهب السجن أحياء ،وهذا حُلمٌ بعيد المنال عند سجناء الأسد في عصر حقوق الإنسان، وإذا كان معدّل الضحايا مقدراًٌ يومياً بخمسين ضحية، وأمدُ الحرب طويل، فإنّ قائمة المعذّبين ستطول حتى تبلغ أسماع حاكم البيت الأبيض، ومن ثمّ أسماع حاكم الكرملين، طالما أن المرشد في إيران مهموم بمعركة رئاسة الجمهورية، والسلطان اردوغان مهموم بهم الأكراد وترتيب البيت الداخلي وترميم العلاقة مع الجبار الأميركي.