تحت عنوان "خسارة آخر شيء جميل في الكرة اللبنانية: رضا عنتر يعتزل" كتب شربل كريم في صحيفة "الأخبار": بكلمات عاطفية جداً، ترك رضا عنتر رسالة اعتزاله ولعبة احتاجت إليه في كل يوم. هو آخر شيء جميل كان قد بقي في كرة القدم اللبنانية، و"الأسمر الجميل" اختار بأناقة كلمات تركه لها، تماماً كما كان أنيقاً في كل مرة واعدها، ركلها، وسجل منها أجمل الأهداف.

هو اليوم الذي كان متوقعاً أن يأتي، لكن التفكير فيه ترك دائماً أمنية بعدم قدومه. هو يوم اعتزال القائد الذي استحق بالفعل لا بالوصف أو الكلام أو الشارة التي زيّنت ساعده الأيسر، أن يسمى بهذه التسمية، فهو كان مثالاً للقيادة والتضحية والوفاء في كل مرة ارتدى فيها قميص منتخب لبنان وناديه التضامن صور، وحتى الأندية التي لعب لها في ألمانيا والصين.

أُطلق عليه لقب سفير كرة القدم اللبنانية، فكان أكثر من سفير، بل مبشِّراً في بلاد الاغتراب بوجود مواهب هناك في البلاد التي أتى منها، وكان بحق النجم الذي فتح باب الاحتراف أمام أبناء جلدته، وأكد أن اللاعب اللبناني لا ينقصه أي شيء لكي يرتقي إلى مستوى أقرانه المختلفي الجنسيات، وتحديداً في الدوري الألماني الذي يعدّ أكثر البطولات الوطنية جمعاً للاعبين القادمين من مختلف أقطار العالم.

قصة رضا عنتر وعالم النجومية لم تكن يوماً سوى قصة مثالية يمكن تلقينها لكافة الطامحين إلى ارتقاء أعلى المراتب في عالم الرياضة والحياة عامةً. فهو لا يمكن اعتبار أنه ولد وملعقة الذهب في فمه، بل تعب واجتهد وصبر حتى نال مبتغاه.

عندما أوصى به مدرب منتخب لبنان السابق الألماني ثيو بوكير، بعض الأشخاص الذين تربطه بهم علاقة طيّبة في ألمانيا، أوعز إليهم بعدم تضييع الفرصة والسعي نحو نقل اللاعب الشاب الذي أبهره إلى أحد فرق "البوندسليغا"، فكان هامبورغ صاحب الحظ السعيد. وقتذاك لم يجد عنتر نفسه مباشرة في الفريق الأول، بل مكث مع الفريق الرديف (موسم 2001-2002) لبطل أوروبا عام 1983. أمرٌ لم يزعجه البتة، وذلك رغم لعبه 6 مباريات فقط، لكن هدفاً وحيداً رائعاً سجّله كان كافياً لينتقل إلى الفريق الأول في الموسم الذي تلاه ويفرض حضوره في 23 مباراة سجل في خلالها هدفين.

كثرٌ توقعوا وقتذاك أن يعود عنتر أدراجه إلى لبنان، لكن قوته الذهنية كانت بحجم قوته الجسمانية التي مكنته من النجاح في بطولةٍ تعتمد كثيراً على الجانب البدني. وتلك القوة الذهنية التي ترافقت مع ثقة رهيبة بالنفس تركت آثاراً منه في كل ملعب زاره في ألمانيا.

المدرب المعروف فولكر فينكه، التقط بعض هذه الآثار، فأوصى فرايبورغ بالتعاقد معه، وهو رغم الإصابة التي استقبلته مع انتقاله إلى فريقه الجديد، ردّ بإصراره مسجلاً بعد عودته "هاتريك" في مرمى بوخوم، فما كان من جمهور فرايبورغ إلا أن أطلق عليه لقب "إله كرة القدم".

بصراحة، لو كان رضا عنتر من بلدٍ غير لبنان، لكان قريباً من درجات الألوهية التي تعطى لنجوم الرياضة وأساطيرها حول العالم، وخصوصاً أولئك الذين ضحوا وأعطوا في سبيل شعوبهم، فما كان من هؤلاء الأخيرين إلا إعطاؤهم لقباً معنوياً، لكن فيه الكثير من الحب والتقدير.

الاخبار