بعد طول أخذ ورد وعملية شد حبال عقيمة دامت سنين على حلبة قانون الانتخاب، وبعد استحكام رياح «السلبية» بأشرعة هذا القانون حائلةً بينه ويبن بلوغه المرسى التوافقي، تبدو حكومة «استعادة الثقة» قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه حكومات وعهود خلت بقيت مكبّلة اليدين بقيود التعطيل والتمديد على ساحة القوانين الانتخابية، سيّما وأن كل المعلومات والمعطيات على هذه الساحة باتت تشي اليوم بأنّ الأمور دخلت مرحلة وضع اللمسات التوافقية الأخيرة على صورة قانون الانتخاب المنشود، بحيث انقشعت خلال الساعات الأخيرة عواصف المواقف والمواقف المضادة رفضاً لنظام انتخابي من هنا أو مطالبة بصيغة انتخابية من هناك، لتحلّ محلها أجواء من الهدوء البنّاء تحضيراً لإنضاج قانون جديد يرتكز بحسب التقاطعات التوافقية على «نسبية» توازن بين حُسن التمثيل ومراعاة الحقوق والهواجس.

فغداة دعوة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري جميع الأطراف إلى مغادرة السلبية الهدّامة للبلد وتطلعات أبنائه، تدحرجت كرة الإيجابية على ساحة المشاورات الجارية بشأن ملف قانون الانتخاب، والتقت مختلف الأطراف عند ضرورة الانفتاح والتعاون 

والاستعانة على قضاء الحاجة التوافقية بالكتمان، فكان أول المغردين في سرب التكتم والهدوء رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بإعلانه صباحاً الالتزام بحبل «الصمت الإعلامي من أجل الوصول إلى قانون انتخابي توافقي»، قبل أن يؤكد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مساءً أنّ الأمور في هذا الملف «اقتربت كثيراً من بعضها البعض» داعياً إلى «تهدئة الخطاب السياسي» للوصول إلى القانون.

أما رئاسياً، فنقل زوار بعبدا أمس لـ«المستقبل» أنهم لمسوا انفتاحاً كبيراً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ملاقاة أي من الطروحات الانتخابية التي تحفظ الحقوق وتؤمن المعايير الدستورية والتمثيلية المنشودة، مشيرين إلى أنهم خرجوا من القصر الجمهوري بانطباع إيجابي يفيد بأنّ عون يتجه نحو توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي تعزيزاً لفرص التوافق على قانون الانتخاب الجديد حتى التاسع عشر من حزيران المقبل. في حين لفت الانتباه على ضفة السراي الحكومي، الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس الوزراء مع نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان في حضور نادر الحريري، اللذين أكدا للصحافيين بعد الاجتماع وجود «تقدم ملموس» نحو إنجاز القانون الذي أضحت المشاورات بشأنه «في أمتارها الأخيرة» كما قال عدوان، مع الإعراب عن الثقة بأنّ الاتفاق الانتخابي سوف يُبصر النور قبل 20 حزيران تفادياً للفراغ التشريعي، حسبما جزم الحريري. علماً أنّ نائب رئيس «القوات» أكد استمرار التشاور والاجتماعات بزخم إيجابي مع كل من رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ومعاون رئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل بهدف تحقيق التوافق وتقريب المسافات بين الطروحات الانتخابية.

قمة الرياض

في الغضون، برزت أمس الدعوة الموجهة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى رئيس الحكومة للمشاركة في مؤتمر القمة العربية - الإسلامية - الأميركية المُزمع عقدها في 21 أيار الجاري في المملكة العربية السعودية، وفق ما أعلن القائم بأعمال السفارة السعودية وليد البخاري إثر زيارته الحريري في السراي وتسليمه الدعوة، مشيراً إلى أنّ «الهدف من القمة هو العمل على تأسيس شراكة جديدة لمواجهة التطرف والإرهاب وتأسيس وتعزيز قيم التسامح والقيم المشتركة للعيش الأفضل لمستقبل أجيالنا في المنطقة العربية».

«حزب الله» ينكفئ حدودياً 

على صعيد إقليمي آخر، وفي خطوة مفاجئة لم يسبقها أي تمهيد أو تلميح، أعلن «حزب الله» أمس على لسان أمينه العام الانكفاء عسكرياً عن الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، بحيث قال نصرالله خلال الخطاب المتلفز الذي ألقاه لمناسبة مرور سنة على مقتل قائده العسكري مصطفى بدر الدين في سوريا: «فكّكنا وسنفكك بقية مواقعنا العسكرية على الحدود من الجهة اللبنانية ومن اليوم الأمور في السلسلة الشرقية متروكة للدولة».

.. وجنبلاط يعلّق

وفي أول تعليق سياسي على القرار الذي أعلنه نصرالله، صرّح جنبلاط لقناة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» ليلاً واصفاً خطوة انسحاب «حزب الله» عن الحدود الشرقية بأنها جيدة «كبداية»، وأردف قائلاً: «المهم أن نحقق الأمن والعدالة للشعب السوري، فما بين قتال «داعش» وتلكؤ الغرب ننسى أنّ هناك نظاماً يظلم الشعب السوري».