يزخر المشهد المحليّ بأفلامٍ سينمائية لبنانية، روائية ووثائقية، يُعرض بعضها في الصالات، أو يستعدّ موزّعو بعضها الآخر لإطلاق عروضها التجارية، قريباً. الوفرة عاملٌ صحّي، في بلدٍ يشهد حراكاً سينمائياً غير معروفٍ سابقاً. أفلام جاهزة للعرض، وأخرى تنتظر مشاركاتٍ في مهرجاناتٍ سينمائية دولية وعربية، قبل أن تعثر على مساحة زمنية ملائمة لها للعرض المحليّ. بالإضافة إلى تصوير مشاريع جديدة، تحتاج إلى أشهرٍ عديدة لتُصبح جاهزة للعرض.

هذا كلامٌ يعكس راهناً محتاجاً إلى متابعة دقيقة، لتبيان الاختلاف الدرامي والجمالي والفني والثقافي بين الأفلام كلّها. الاستهلاكيّ يُقابل التجاري المقبول، و"سينما المؤلّف" تؤكّد مكاناً لها في المشهد، وأعمال يسعى صانعوها إلى الجمع فيها بين النخبوي والمهنيّ والتجاريّ. هذا كلامٌ يرافق حراكاً تميل فيه كفّة الإبداع الجمالي المؤثّر والمهم إلى الوثائقيّ، بينما هناك أفلام روائية، طويلة وقصيرة، تستكمل فكرة النهوض بالسينما في لبنان من رداءة الاستهلاكيّ المتفشّي، بين فينة وأخرى، في المشهد نفسه، ومن ركونٍ إلى التجاريّ الراغب في أن يرتكز على بساطة سردية ومتانة درامية ـ فنية.

بانتظار بدء العروض التجارية لـ "نار من نار"، ثاني فيلم روائيّ طويل لجورج هاشم، الذي يُعتبر أحد أفضل الإنتاجات الأخيرة؛ ولـ "المسافر"، أول روائيّ طويل لهادي غندور، الذي يُمكن تصنيفه في خانة "جدّية الموضوع والمعالجة، وسلاسة السرد والتمثيل، وجمالية الحكاية"؛ وبعد عروضٍ مختلفة لوثائقياتٍ وروائيات متنوّعة، آخرها "ربيع"، أول روائي طويل للّبناني فاتشي بولغورجيان؛ تستعد "جمعية متروبوليس للسينما المستقلّة ـ متروبوليس سينما"، لإطلاق عروض 4 أفلام لبنانية جديدة، خلال مايو/ أيار 2017: الوثائقيّ "ميِّل يا غزيِّل" لإليان الراهب، والروائيّات "الوجه الآخر لتشرين" لماريان زحيل، و"الطريق" لرنا سالم، و"من السماء" لوسام شرف.

اختلاف المواضيع ينطبق على اختلاف أساليب الإخراج وإدارة الممثل والمعالجة. فاتشي بولغورجيان يتابع رحلة موسيقيّ ضرير بحثاً عن جذوره وهويته، بسلاسة وهدوء. إليان الراهب تغوص في إحدى أعقد الأزمات اللبنانية الداخلية، من خلال حكاية فردية تعكس جوانب خطرة من بؤس اليوميّ، في بلدٍ مفتوح، دائماً، على احتمالات خراب جديد. ماريان زحيل تحاول رصد مسارين مختلفين لامرأتين، تهاجر إحداهما إلى كندا، وتختار الأخرى البقاء في لبنان، كما تسعى إلى فهم نتائج الخيارين وتأثيراتهما وعوالمهما. أما رنا سالم، فتخوض تجربة البحث عن معانٍ للحياة والعلاقات والحب والانتماء والبلد، عبر رحلة تقوم بها مع حبيبها في الذات والجغرافيا. في حين أن وسام شرف يُرافق مقاتلاً لبنانياً عائداً من غيابٍ يُشبه الموت، كي يكتشف معه أحوال راهنٍ وانعكاس التبدّلات على مصائر ومسالك ومساراتٍ.