ورد في صحيفة "الديار": ندوات ومؤتمرات ممولة من الخارج وجمعيات متفاوتة الفاعلية والنشاط وأطباء ومحاضرون في لقاءات موسمية تستعرضهم اخبار وسائل الإعلام يحذرون من تفشي الإدمان على المخدرات في لبنان ومن فتك هذه الآفة بالشباب اللبناني وبلاغات رسمية حول حملات متقطعة تسفرعن اعتقال بعض التجار والمروجين وعمليات تشنها القوى الأمنية بمؤازرة الجيش غالبا لدهم اوكار ومستودعات تتصل بتصنيع المخدرات وترويجها... هذا كله مفيد لكنه غير كاف.

من المهم ان توضع الآفة القاتلة في واجهة الاهتمام وكل ما يبذل حتى اليوم ليس أبدا في مستوى الخطر المتفاقم وهو أحيانا أقرب إلى استعراض فلكلوري على قشرة المصيبة الكبرى التي تعصف بالمجتمع اللبناني بعدما ولج المروجون أبواب المدارس والجامعات من سنوات واحتلوا مقاهي الأرصفة في المدن والبلدات اللبنانية وبعدما باتت معامل تصنيع الحبوب المخدرة منتشرة بالعشرات في الجرود الجبلية تبث سمومها في الداخل وإلى الخارج.

هناك عملية تدمير منهجي للقوة الفتية المنتجة في المجتمع اللبناني تسارعت وتيرتها بعد حرب تموز 2006 وهي غير بعيدة عن الخطط الغربية والصهيونية لتدمير المجتمع اللبناني ولنزع عناصر القوة التي دوخت واشنطن وتل أبيب طيلة أربعين عاما.

الخطة تشمل لبنان بأسره فهي عابرة للطوائف والمناطق وتلاقي خطة التدمير التي أدار بها الغرب وعملاؤه شبكات التوحش التكفيري التي تشكل بيئة ملائمة لتسويق المخدرات وترويجها وامتدادا للمافيا العالمية العابرة للحدود والتي يحرس خطوطها الجيش الأميركي انطلاقا من أفغانستان وهذه المافيا تمد مخالبها وأذرعها بقوة في لبنان وسورية والعراق والأردن ومصر واليمن وتركيا وإيران وهي مكلفة ومدمرة لشعوب المنطقة الواقعة بين الآفتين: المخدرات والتكفير.

يمكن لمن يرغب من المهتمين في لبنان ان يتابع ما في حوزة العديد من الفاعليات الاجتماعية المحلية من معطيات وأرقام عن انتشار المدمنين وتوسعهم لتصدمه معلومات الأطباء او رئيس البلدية أو مدير المدرسة في أي بلدة صغيرة من الجنوب أو الشمال أو البقاع او الجبل مثلا عن وجود العشرات من الشباب والصبايا المتورطين في تعاطي المخدرات بأشكال مختلفة على مستوى وحدة سكنية صغيرة تشمل مئات البيوت وعن نشاط شبكات الترويج التي تتصيد العاطلين عن العمل لتجنيدهم في الترويج والبيع ونشر السموم ومضاعفة المدمنين عليها.

يقفز فورا إلى الواجهة في التصدي لهذا الخطر خيار تقليدي هو المكافحة بملاحقة أمنية صارمة للتجار والمروجين لكن هذا الخيار وحتى يكون جديا وفعالا يفترض وجود قرار سياسي برفع جميع الحمايات وبإزالتها بالقوة عن الروؤس الكبيرة وتقطيع أوصال الشبكات العابرة للحدود دون رحمة ومناقشة الموضوع على أعلى المستويات في الدولة لأخذ القرار السياسي والتنفيذي أيا كانت التبعات والنتائج ( وهل يمكن تحقيق هذه الغاية دون التنسيق مع السلطات السورية مثلا ؟! ) نحن لا نتحدث فقط عن مواجهة الإرهاب وتحديات التهديد الصهيوني المستمر بل عن آفة اجتماعية هي أدعى إلى التنسيق ضد الأخطار العابرة للحدود.

المجابهة الفعلية تقتضي العمل على ثلاثة خطوط رئيسية لا بد منها:

اولا مناقشة خطة وطنية شاملة للتعامل مع معضلة زراعة الحشيش والأفيون والبحث الجدي في خيار تطوير التصنيع الطبي تحت إشراف الدولة وتعويض الفرصة التي أهدرت في التسعينيات عندما اتخذت حكومة لبنان قرارا مجانيا بمكافحة المزروعات في البقاع والشمال لاسترضاء الولايات المتحدة التي عقدت آنذاك اتفاقات مع دول كتركيا والمغرب والتزمت بشراء حصة كبيرة من محاصيلها وهي ما تزال تدفع المليارات كل سنة لحكومتي البلدين بينما قدمت للبنان كذبة الزراعات البديلة التي تحولت إلى خطة لاختراق المجتمع اللبناني بهدف النيل من المقاومة في عقر دارها عبر وكالة التنمية الأميركية وتحولت فعليا إلى مادة سخيفة للتندر بين الموعودين الخائبين ببدائل جدية ومنتجة.

ثانيا محاربة كبار التجار والمروجين وتنظيم حملة وطنية شاملة إعلامية واجتماعية لمكافحة المخدرات وتضمينها آليات دائمة للتوعية والمتابعة الأمنية والشعبية وإشراك البلديات في نشر مراكز التأهيل التي تعنى بالمدمنين بحيث تتكفل وزارة الصحة بتقديم المساعدة للبلديات الكبرى والمحورية في تأسيس هذه المراكز وتجهيزها وتنظيم الدورات للمتطوعين من الأهالي.

ثالثا تطوير مبادرات وطنية شاملة لتأسيس وإحياء الأندية الثقافية والمكتبات العامة والفرق الرياضية المحلية وتشجيع انتشارها في الأحياء والقرى والبلدات اللبنانية وإعطاء نشاطاتها مساحة وافية في التغطيات الإعلامية لحث الشباب على المشاركة الإيجابية في نشاطات تستوعب طاقاتهم وتنمي قدراتهم فانتشار المخدرات يرتبط اجتماعيا بحالة الفراغ والبطالة وقد دمرت الحروب التي عصفت بلبنان والأزمات الاقتصادية وكذلك هيمنة الرأسمالية المتوحشة جميع الرياضات الشعبية المحلية لصالح لعبة السوق والأندية المحترفة التي تشتري لاعبيها كما اطاحت هي ذاتها بشبكات الأندية الثقافية الاجتماعية التي كان انتشارها في جميع ربوع لبنان علامة نهوض وشكلت جسور تواصل حي بين سائر المناطق قبل أربعين عاما.

ختاما ماذا تفعل اليوم وزارتا الثقافة والشباب ؟ وماذا تفعل البلديات ولم لا يكون في كل بلدية مركز ثقافي اجتماعي ومكتبة عامة وفريق رياضي محلي وملاعب مؤهلة؟ وماذا تفعل الأحزاب السياسية المتحصنة خلف عصبياتها التنظيمية والعقائدية والسياسية التي لم تعصم كثيرا من كوادرها وعناصرها من الابتلاء الكبير ولا حمت أبناءهم المدللين الغارقين في أمراض الاستهلاك والرفاه الباذخ من خطر إدمان السموم؟!