خلال إعداده لأفكار خطابه الأخير بمناسبة يوم الجريح، كان الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله يميل الى عدم التعرض لأزمة قانون الانتخاب، وذلك تحت مبرّر أنّ أيّ تفاهم داخلي لم يحصل بشأنه بعد، لذا فالأفضل انتظار ما سيفضي اليه مسار استكمال المشاورات، وإرجاء التعرض لهذا الموضوع الى خطاب ١٤ أيار الذي سيلقيه بمناسبة الذكرى الاولى لـ مصطفى بدر الدين.
 

لكنّ مستشاري نصرالله عرضوا امامه أنّ خطابه سيبدو ناقصاً إلى حدٍّ كبير فيما لو خلا من إبداء رأي أو موقف من ازمة قانون الانتخاب الذي يشغل بال اللبنانيين ويثير قلقهم على مستقبل أمن البلد. وعليه، قرّر نصرالله تضمين خطابه مساحة للحديث عن أزمة قانون الانتخاب اتّسمَت بكثافة الرسائل التي اعتبرها البعض أنها مشفرة وفيها الكثير من تطبيقات نظرية «الغموض البناء».

وبحسب مصادر متقاطعة فإنّ الرسالة الأساس التي أراد نصرالله إيصالها هي ضرورة «التفاهم» والايحاء بأنّ هذا «التفاهم»، اكثر أهميّة من المادة السياسية المتفاهم عليها من الأطراف اللبنانية.

وتلفت هذه المصادر الى أنّ خطاب نصرالله تضمّن إشارة لم يتم الانتباه اليها بالشكل المطلوب، وهي أنّ اولوية الحفاظ على الاستقرار في لبنان في ظل حريق الجوار، يضع البلد امام خيارين لا ثالث لهما، هما إمّا التفاهم على قانون جديد يراعي كل الهواجس وبالتالي الخروج من هذه الازمة قبل الوصول الى حائطي الفراغ او التمديد، وإما التفاهم على ما هو متبقٍّ من خيارات بغياب التوصل لقانون الانتخاب العتيد، والمقصود هنا «قانون الستين» او «التمديد» او حتى «الفراغ».

بمعنى آخر فإنّ «حزب الله» يطرح في هذا المجال التصدي لتحدّي اللاإستقرار الذي قد ينتج عن الفراغ بواسطة ارساء تفاهم داخلي على كيفية «ادارة الفراغ»، توصّلاً بالتالي إلى الخروج منه بأقلّ خسائر.

لم يتلقَّ «حزب الله» بحسب أجوائه أيّ ردود فعل على خطاب نصرالله يمكن البناء عليها لفتح ثغرة في جدار أزمة قانون الانتخاب. فعلى رغم إبداء إشارات الارتياح بشأنه من الكثير من القوى السياسية، إلّا أنّ أيّ تحرك فعلي للاستثمار انطلاقاً منه لم يحدث.

غير أنّ مصادر مطلعة ترى انه لا يزال يلزم بعض الوقت للتأكد من معلومات متفائلة تحدثت عن أنّ خطاب نصرالله تم التوقف عنده بمسؤولية في قصر بعبدا، وأنّ النقاش بشأن قراءته عزّز حالة فرز موجودة داخل بيئة بعبدا بخصوص الموقف الانسب من الأزمة الراهنة، وذلك بين فريق يقوده الوزير جبران باسيل وآخر يدعو إلى خفض سقف التشدد والانفتاح على حلول وسط.

وبعض هذه المعلومات غامرت بالتأكيد أنّ الرئيس ميشال عون استردّ ملف قانون الانتخاب من باسيل وبات في عهدته، وأنّ رئيس الجمهورية الذي اطّلع على صيَغ تعتمد النسبية أعدها «حزب الله» خلال الشهر الماضي كان أبدى اهتمامه ببعضها.

ولكن مصادر داخل الثنائي الشيعي تُبدي الحذر في التعاطي مع سيل المعلومات المتفائلة، تلخّص طبيعة اللحظة الراهنة من عمر أزمة قانون الانتخاب، بأنها تمر في حالة سباق بين سيناريوهين: الاول تراجعت احتماليته بعد موقف عون الداعي للتصويت على قانون انتخاب في جلسة مجلس الوزراء امس، ويتحدّث عن حصول خرق بشأن توسيع دائرة التفاهم الداخلي على اعتماد قانون انتخاب نسبي مع صوت تفضيلي بعشر دوائر انتخابية وما فوق، وبأنه ثمة امل في الاعلان عنه خلال فترة تسبق 15 ايار او خلال الفترة التالية له.

ويقول سياق هذا السيناريو إنّ مبدأ اعتماد النسبية لا يلقى معارضة من عون رغم أنّ طروحات باسيل حول اعتماد التأهيل الأكثري على مستوى القضاء لتطبيق النسبية في الدائرة الاوسع أثار داخل بيئة القصر لبساً حول وجود مفاضلة داخله بين نسبية من دون تأهيلي والاكتفاء بالصوت التفضيلي الذي لا يعني بالضرورة اقتراعاً طائفياً، او مع التأهيلي الطائفي.

السيناريو الثاني يتحدث عن الذهاب الى مشكل حتمي في حال انقضت مهل الهدنات الدستورية المستمرة حتى نهاية حزيران المقبل، من دون تفاهم سياسي على قانون انتخابي جديد.

وهنا يبرز أكثر من سيناريو:

الاول - حصول مواجهة بين شارع التمديد دفاعاً عن موقع الشيعة في الدولة من جهة، وشارع مسيحي من جهة ثانية مشحون باستعادة هيبة الموقع الرئاسي الاول في الدولة وبشعارات استعادة عدالة التمثيل المسيحي. وكان نصرالله حاول في خطاب يوم الجريح ان يسحب هذا الفتيل من خلال اعلانه سحب الثنائي الشيعي من معادلة الصراع على قانون الانتخاب، معلناً الموافقة على ما تتفق عليه الطوائف الثلاث الاخرى.

ووراء هذا الموقف نوع من المناورة التي رغب الحزب من خلالها في إحباط ما يعتبره وجود «مؤامرة « يحاول من خلالها بعض الأطراف الاستثمار في التباين بين باسيل والرئيس نبيه برّي بخصوص قانون الانتخاب، لدقّ إسفين في العلاقة بين قصر بعبدا وحارة حريك.

السيناريو الثاني، وبدأ يتعاظم الهمس بصدده في دوائر مختلفة، ويتكهن بإمكانية حصول حدث أمني كبير في البلد خلال الفترة المنظورة يؤدي الى خلط الاوراق السياسية إمّا نحو مزيد من التصعيد او نحو البحث عن «حل على الحامي». وهذا السيناريو لا يوجد معلومات مادية تؤسس له، ولكن يتم ادراجه قياساً على ما حصل في ازمات سابقة مماثلة.

السيناريو الثالث، يتحدث من باب التكهن او تأويل خطاب نصرالله الاخير، عن وجود «خطة ب» لدى «حزب الله»، وهناك من يرى على عكس آخرين، أنّ نصرالله ألمَح اليها لماماً في خطابه.

وتدعو هذه الخطة القوى اللبنانية كافة لأن تكون جاهزة في حال فشل مسار إنتاج تسوية قبل انتهاء حزيران، لإنشاء تفاهم بينها على كيفية ادارة الازمات التي ستنشأ عن عدم التفاهم، سواء ازمة العودة إلى «الستين» او التمديد او حتى أزمة ادارة «الفراغ» فيما لو اصبح امراً واقعاً.

ولكنّ هذا السيناريو يستبعده البعض، لأنه بنظرهم لا يمكن لـ«حزب الله» ان يقبل بفراغ يمسّ موقع الشيعة في الدولة. وبنظر الاوساط القائلة بـ«الخطة ب» او الذين ينفون وجودها، فإنّ خطاب نصرالله بعد أيام بمناسبة غياب مصطفى بدر الدين سيوضح أكثر موقف «حزب الله» الحقيقي من كل ما يجري.