لفتت صحيفة الحياة الى أن معظم الذين أجروا قراءة متأنية لمضمون موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من المشاريع الانتخابية، يؤكدون أن الأخير اختار اللحظة القاتلة وقبل ساعات من احتمال طرح مشروع الوزير جبران باسيل على التصويت في مجلس الوزراء اليوم، ليقول لحليفه إن مشروعك غير قابل للتسويق ولنبادر إلى البحث بمشروع آخر
 

ويقولون أيضاً إن نصر الله أحسن في استخدامه "فيتو" النائب وليد جنبلاط، وإن لا مجال لتسويق مشروع باسيل لعل صدى رسالته إليه يصل إلى مسامع رئيس الجمهورية ميشال عون قبل انعقاد جلسة اليوم، إضافة إلى أنه حمى حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

ووفق هؤلاء، تعامل نصر الله مع قانون الانتخاب على أنه بند تأسيسي لإعادة تكوين السلطة في لبنان وبالتالي لن تحل المشكلة في الاحتكام إلى التصويت، إضافة إلى أن حليف باسيل في "إعلان النيات" رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وإن كان يعتقد أن آخر الدواء الكي، أي التصويت، فهو في المقابل لا يؤيد العجلة في حرق المراحل باعتبار أن التصويت في ظل تعذُّر التوافق هو دستوري، ويدعو إلى تمديد الفرص لعلها تتيح التفاهم على قانون انتخاب جديد.

كما أن نصر الله رغب في توجيه رسالة لباسيل بأن لا مصلحة في اللجوء إلى خيار الشارع لحسم الخلاف حول القانون، لأن لدى من يعارضه شارعه أيضاً. كما أن تحذيره من دفع الأمور في اتجاه حافة الهاوية ليس في محله، باعتبار أن البلد هو الآن في الهاوية وهذا يستدعي التعاون لإخراجه من التأزُّم السياسي.

لكن الجديد في موقف نصر الله يكمن في أنه فتح الباب أمام التوافق على أي قانون يمكن أن تلتقي حوله الأطراف، وأن لا مشكلة لدى "الثنائي الشيعي" في السير به، وأن مجرد إطلاقه مثل هذه الإشارة، وللمرة الأولى، يعني أن لا مشكلة في إعادته النظر في مشروع الحزب القائم على اعتماد النسبية الكاملة على أساس جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة.

واعتبر بعض من أجروا قراءة متأنية لخطاب نصر الله، أنه يتوجّه إلى المسيحيين والدروز على السواء لتبديد هواجسهم حيال مشروع الحزب، مبدياً استعداده للوصول إلى تسوية، مذكّراً بأنه أيّد المشروع الأرثوذكسي لتأمين صحة التمثيل المسيحي في البرلمان لكن طرفاً مسيحياً تخلى عنه، في إشارة إلى "القوات".

ورأوا أن نصر الله، وإن كان عمد إلى عدم الاستخفاف بهواجس المسيحيين، فإنه مهّد الطريق أمام تجديد تحالفه مع جنبلاط الذي تمر علاقته برئيس الحكومة سعد الحريري بفتور، وإن كان تجنّب الإشارة إلى أي موقف سلبي من تيار "المستقبل"، وأكدوا أن نصر الله بعدم تمسُّكه بالنسبية الكاملة أوجد مساحة سياسية مشتركة يمكن التأسيس عليها للوصول إلى قانون يرضي الجميع، ناهيك بأن الإشارات التي أطلقها في اتجاه حليفه باسيل، وإن لم تكن مباشرة، تصب في خانة تعويم موقف حليفه رئيس البرلمان، خلافاً لحسابات رئيس "التيار الوطني" الذي اعتبر أن تأييد الحزب النظام التأهيلي ما هو إلا بداية لإحداث شرخ داخل "الثنائي الشيعي".

لذلك، ستكون الجلسة اليوم موضع اهتمام محلي وخارجي مع اقتراب موعد انعقاد الجلسة النيابية التي حددها رئيس البرلمان، الذي لن يغامر بعقدها في حال غياب مكون سياسي أو أكثر عنها، إلا أن تكون مخصصة للتمديد للمجلس النيابي على قاعدة أن الفراغ ممنوع في السلطة التشريعية.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن نصر الله، وإن كان أراد التوجُّه إلى حلفائه، فإنه في المقابل أوصى في شكل قاطع بأنه من غير الجائز لهذا الطرف أو ذاك أن يستأثر بوضع قانون انتخاب، خصوصاً أن الاستقواء بالشارع لم يعد يجدي نفعاً.

ومع أن هناك من يعتقد أن الأجواء التشاورية التي يفترض أن تطغى على الجلسة اليوم، بعد أن تقرر خفض جدول أعمالها إفساحاً في المجال أمام التداول في مرحلة ما بعد انعقادها، إلا أنها ستفتح الباب أمام الحريري من أجل تنشيط مروحة اتصالاته باعتباره الأقدر على لعب دور توفيقي بالنيابة عن الحكومة بعد أن احترقت ورقة باسيل الانتخابية ولن تشكل مرحلة الفتور التي شابت علاقته ببري وجنبلاط عقبة في وجه استعادته زمام المبادرة، لأنه تم تجاوز أسباب الخلاف الذي أوجده مشروع وزير الخارجية الذي يتعارض مع روحية اتفاق الطائف، وبات ترحيله عن جدول أعمال المشاورات أمراً محتوماً ولا مجال للعودة إليه أو مجرد استحضاره، إلا إذا قرر أن يسير في الاتجاه المعاكس ولا يأخذ بنصيحة حليفه السيد نصر الله، وبالتالي سيجد نفسه وحيداً في مواجهة الآخرين.