بلغ التنافس بين المرشحين الستة (حسن روحاني، وإبراهيم رئيسي، ومحمد باقر قاليباف، وإسحاق جهانغيري، وسيد مصطفى مير سليم، ومصطفى هاشمي طبا) للانتخابات الرئاسية الإيرانية أشدّه، وبات واضحاً أن الطريق أمام الرئيس المعتدل، حسن روحاني، ليس سهلاً. ولعلها ليست المرة الأولى التي يواجه فيها رئيس إيراني تحديات يضعها الطيف المقابل أمامه بعد دورة رئاسية واحدة، لكنها المرة الأولى التي يكون فيها بهذا الضعف وينال هذا الكم من الانتقادات. مع العلم أن روحاني تسلّم الرئاسة بعد سنوات من العقوبات الغربية المشدّدة، خلّفت وراءها إرثاً اقتصادياً ومعيشياً كان ثقيلاً على حكومته، التي تتعرض لهجوم محافظ، كونه اختار كسب الغرب كذلك.
وقد بدأت المفاجآت مع بث المناظرة التلفزيونية الأولى، يوم الجمعة الماضي، فناقش المرشحون الستة آراءهم وبرامجهم حول مشكلات الإيرانيين الاجتماعية، لكن التنافس لم يعد على هيئته السابقة، فعمدة طهران محمد باقر قاليباف وسادن (خادم) العتبة الرضوية مدعي عام إيران الأسبق إبراهيم رئيسي، يقفان جنباً إلى جنب على ضفة محافظة، ويؤديان دوراً مكمّلاً لبعضهما بعضاً في الوقت الراهن. وكلاهما مرشح عن الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية المحافظة (جمنا)، ومن المقرر أن ينسحب أحدهما لصالح الآخر، وسيعتمد هذا على استطلاعات الرأي المتعلقة بهما وببقية المرشحين أيضاً.

في الوقت عينه، تقدم نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، بترشحه مشيراً إلى أنه "سيدافع عن برامج وسياسات روحاني". وقال صراحة إنه "مرشح مساند سينسحب بالنهاية لصالح الرئيس الحالي". وهو ما يعني أنه سيساعده بجمع المزيد من الأصوات في وقت زادت فيه نقاط ضعفه أمام الساسة والشارع.
لكن المرشحين الآخرين، رئيس المجلس المركزي لحزب "مؤتلفة" الإسلامي المحافظ مصطفى مير سليم، ووزير الصناعة السابق، مصطفى هاشمي طبا، المحسوب على جبهة يمينية معتدلة مقربة من الإصلاحيين، قررا خوض السباق منفصلين عن توزيع الفرق، رغم أن بعضهم يتوقع انسحاب واحد منهما أو كليهما لصالح مرشحين آخرين.
المرشحون الآن منقسمون في جبهتين، ثلاثة محافظين، وثلاثة معتدلين أقرب للإصلاحيين، لكن التنافس الحقيقي الراهن يدور بين فريقين يتكون كل منهما من شخصين، قاليباف ورئيسي من جهة، روحاني وجهانغيري من جهة أخرى.

في المناظرة الأولى شن عمدة طهران، محمد باقر قاليباف، هجوماً شرساً على روحاني، وكان من المتوقع أن تتحول المناظرة الفاترة في بداياتها لساحة صراع بين هذين الاثنين بالذات، فهي ليست المرة الأولى التي يقف فيها قاليباف كمنافس لروحاني. وهي المرة الثالثة التي يخوض فيها الرئاسيات، لكنه استطاع في هذه الجولة أن يتفوق في حضوره وجرأته حتى على حليفه سادن العتبة الرضوية ومدعي عام إيران السابق، إبراهيم رئيسي، الذي يركز في الوقت الراهن على حصد أصوات الطبقة الشعبية الفقيرة وساكني القرى والأرياف.
بدأ قاليباف بنشر وثائق وتصريحات تدل على فشل روحاني، ما أثار غضب هذا الأخير في المناظرة وما بعدها أيضاً، ليبدي ضعفاً غير متوقع في قدرته على مواجهة سيل الانتقادات الموجهة لسياساته. في المقابل ظهر جهانغيري بصورة أقوى من رئيسه، ففاجأ كثيرين وهو ما قد يشكّل تهديداً لروحاني نفسه، بدلاً من أن يبقى حليفاً له، فتحول جهانغيري وقاليباف لنجمي الحلقة وفتحا أعين بقية المرشحين على مخاطر غير متوقعة، يجب تداركها في المناظرتين المقبلتين، في 5 و10 مايو/أيار الحالي.

وقد تحفّظ كثر على صيغة تقدم جهانغيري للسباق كمساند لروحاني، وهو ما جعل نائب الرئيس أكثر جرأة، فذكر علناً بأنه إصلاحي وقرر التقدم للرئاسيات لتمثيل تيار غاب عن الساحة لسنوات، منتقداً سياسات المتشددين. هذا الخطاب فاجأ الكل، فيما كان من المفترض أن تتوزع الأدوار بينه وبين روحاني، وهو ما فتح أعين الإصلاحيين على وجود خيار قد يساعدهم أكثر من روحاني نفسه، فشكّل جهانغيري حملة انتخابية منفصلة، برئاسة المتحدث باسم حزب كوادر البناء حسين مرعشي، وهو نسيب لهاشمي رفسنجاني وسياسي إصلاحي.
يدرك المرشحون الستة أن التركيز على إيجاد حلول للمشكلات المعيشية والاقتصادية التي تؤثر على حياة المواطن الإيراني هو المفتاح لجذب أكبر عدد من الناخبين للتصويت لصالحهم في صناديق الاقتراع، لذلك يعملون جميعاً على طرح شعارات اقتصادية بالدرجة الأولى. وتبدو جهود المحافظ إبراهيم رئيسي، هي الأوضح في هذا السياق، إذ يجري جولات مكثفة وسريعة على عدد من المناطق الموزعة في محافظات إيرانية مختلفة، وتركز عليه قنوات وصفحات وسائل الإعلام التابعة بغالبيتها لجهات محافظة.

يرتكز رئيسي على كونه يتحدر من عائلة فقيرة، ويعمل على إقناع المجتمع الإيراني بأنه يلمس مشكلاته عن كثب، يدعو هذا المرشح لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بشكل عادل، وفرض المزيد من الضرائب على أصحاب المستحقات العليا وحسب، كما يتحدث كثيراً عن ضرورة حل مسألة البطالة وتحسين الاقتصاد بالاعتماد على المقومات الداخلية.

خطاب محافظ بامتياز يتقاطع معه فيه كل من قاليباف وحتى مصطفى مير سليم الذي يمثل حزب "مؤتلفة" الإسلامي المحافظ بعيداً عن (جمنا). ويركّز هذا الأخير أكثر على ملفات الفساد، إذ تركت حكومة أحمدي نجاد بعد دورتين رئاسيتين، قضايا اختلاس ورشى تورط بها مسؤولون ورجال أعمال، ولم تقفل في عهد روحاني.
لكن ما يميز قاليباف هو أنه يطرح شعاراته بناء على تجربة عملية، فقد خاض في المعترك السياسي لسنوات، وساعده منصبه كعمدة لطهران بأن يتحدث عن إنجازات طبقت على الأرض، وفي تصريحات صادرة عنه أخيراً، قال إنه "يجب تبديل وزارة الخارجية إلى وزارة الخارجية والتجارة الدولية"، معتبراً أن "من شأن هذا التعريف أن يحمل هذه المؤسسة مسؤولية تطوير الاقتصاد". كما وعد قاليباف بزيادة الرواتب الحكومية التي تدفع لكل مواطن كبديل عن إلغاء الدعم الحكومي وهي الخطة المطبقة قبل سنوات قليلة، وهو أمر قال عنه رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، إنه "غير ممكن"، داعياً للترويج لشعارات حقيقية.

الجبهة المعتدلة الإصلاحية التي تضم روحاني، جهانغيري ومصطفى هاشمي طبا، تتحدث عن إنجازات النووي وإبعاد شبح الحرب عن إيران، ويركز هؤلاء جهودهم على حرب ضد المحافظين الذين يمسكون بورقة قوية، ألا وهي أن الاتفاق حقق استقرار إيران، لكنه لم يجلب لها مكاسب كبرى.
وفي حال قرر قاليباف ورئيسي الالتزام بما اتفق عليه أعضاء (جمنا) فسينسحب أحدهما لصالح الآخر الفترة المقبلة، والدعم الذي يحظى به رئيسي حالياً من قبل المحافظين كبير للغاية. وهذا واضح في التغطية الإعلامية، لكن خيار ترجيح قاليباف ليس مستبعداً أيضاً. وفي هذه الحالة قد تزيد حظوظ روحاني، كون رئيسي يحظى بأهمية دينية خاصة قد تجعله مقبولاً سياسياً من جهة، وشعبياً من جهة أخرى في بعض المناطق.
بحال قرر جهانغيري وروحاني الالتزام باتفاقهما ستحسم الأمور لصالح روحاني بين هذين الاثنين، وفق المعطيات الراهنة بالطبع، فهو من حصد الاتفاق النووي، كما أن الشارع في المدن الكبرى ما زال يفضّل الاستمرار بسياسة معتدلة منفتحة، على العودة للتشدد، رغم عدم تحقيقه لإنجازات داخلية حقيقية، وجهانغيري سيكون قادراً على جلب أصوات فاقدي الأمل بروحاني ممن أيدوه في الانتخابات الماضية.
يوجد سيناريو ثالث وهو بقاء الستة في الواجهة معاً، أو عدم تطبيق قاعدة الانسحابات وفق الخطة، هذا سيوزع الأصوات بينهم، ويعتمد الأمر على قرار الإصلاحيين بإبقاء جهانغيري إلى جانب روحاني، ما سيوزع الأصوات بينهما، وهذا ما يرنو إليه المحافظون أنفسهم، كونه سيصب في مصلحتهم.
وعلى الرغم من كل هذه السيناريوهات، لكن روحاني ما زال يحظى بدعم الطيف المعتدل من التيار المحافظ نفسه، على رأس هؤلاء رئيس البرلمان، علي لاريجاني، ومؤيدوه، كما يراهن المعتدلون على دعم المفتش العام في مكتب المرشد الأعلى، علي أكبر ناطق نوري، والذي وقف إلى جانب روحاني في الدورة السابقة وهو ما قد يجلب أصواتاً أكثر له.