بين إيمانويل ماكرون، المرشّح الوسطي الرافض لأن يكون الدين عمومًا والإسلام بوجه خاص مشكلة في فرنسا، وبين مارين لوبان المرشّحة اليمينية المتطرّفة الحاملة لخطاب عدائي تجاه مسلمي فرنسا، يبدأ العدّ التنازلي للدور الثاني لرئاسيات فرنسا
 

جولة مقررة الأحد المقبل، وتنبئ بمنافسة شرسة بين مرشح حركة "إلى الأمام" صاحب المركز الأول للدور الأول للرئاسية الذي جرى قبل أسبوع، بـ 24.01 % ومرشحة "الجبهة الوطنية" بـ 21.30 %، وتدفع إلى السطح بأحد أبرز مواطن الخلاف بين المرشحين، ألا وهو الإسلام.

ماكرون وحرية الدين

الإسلام بالنسبة لـماكرون لا يطرح أي إشكال في فرنسا شأنه في ذلك شأن بقية الديانات، بل إن مكانته باعتباره ثاني الأديان في البلاد لا يستدعي مراجعة قانون الفصل بين الدين والسياسة الصادر العام 1905، والذي وضع أسس العلمانية في فرنسا الحديثة، وفق برنامج المرشح المنشور على الموقع الرسمي لحركته.

ماكرون الذي اختار الوقوف في خط الوسط في ما يتعلق بالمسألة الدينية، لخّص موقفه من الإسلام في 3 نقاط أساسية:

الحرية قاعدة والحظر استثناء

وعد المرشح الرئاسي بضمان حياد الدولة لضمان الحرية الدينية لجميع الفرنسيين، حيث يعتبر أنّ مفهوم العلمانية في بلاده يشهد نوعًا من الخلط الذي يفسح المجال لفرض قيود على ممارسة الأديان وخصوصًا الإسلام.

وبالنسبة له، فإن عددًا كبيرًا من الفرنسيين يخلطون بين العلمانية وحظر التظاهرات الدينية، وهو ما يوظفه البعض لخدمة أهدافه، على حدّ تعبيره.

ماكرون قال إنه سيعمل على توضيحه في حال صعوده إلى الحكم، من خلال استعادة العلمانية لمفهومها كمصدر للحرية، فـ"الحرية هي القاعدة والحظر استثناء".

كما تعهد أيضًا بضمان الحرية الدينية في الأماكن العامة، معارضًا حظر ارتداء الرموز الدينية في الجامعة، كما تطالب بذلك مارين لوبان، من منطلق قناعته بأن طلبة الجامعات واعون بما فيه الكفاية لتحديد توجهاتهم الدينية.

أما في الأماكن العامة، مثل الشوارع والشواطئ، يرى ماكرون أن التعبير عن هذه القناعات يظل حرًا شريطة أن لا يمس بالنظام العام.

هيكلة الإسلام

لتعزيز تمثيلية المسلمين في البلاد، يقترح المرشح الوسطي مواصلة هيكلة مؤسسات الإسلام في فرنسا، للتصدي لجميع التجاوزات المتطرفة التي تحول قيم هذا الدين عن وجهتها الصحيحة.

مقترح ينبثق من قناعته بأن مسلمي فرنسا يتطلعون لاندماج أكبر في المجتمع الفرنسي وتمثيلية أوسع لهم في المشهد السياسي للبلاد، خصوصًا، وأن ما لا يقل عن 10 % فقط منهم يشعرون بأنهم ممثلون من قبل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أبرز المنظمات التي تعنى بتمثيل المسلمين في فرنسا.

ويعتبر ماكرون أن هيكلة أكبر لمؤسسات الإسلام بفرنسا تمكن من مكافحة الخطاب المتطرف، متعهّدًا بالتحرك لمساعدة المسلمين على هيكلة الإسلام في فرنسا.

وانتقد ماكرون تدخل الدولة في تنظيم الدين الإسلامي في بلاده، واصفًا إياه بالعشوائي والمتناقض.

ففي 2016، أنشأت الحكومة الفرنسية «مؤسسة الإسلام» بفرنسا، غير أنه، وبموجب قانون 1905 للفصل بين الدين والسياسة، لم تسند إليها سوى المشاريع ذات الطابع الإجتماعي والثقافي العام مع إقصاء للمسائل الثقافية الجوهرية.

تكوين الأئمة

ولرأب النقص الحاصل، يقترح المرشح إنشاء مؤسسة جديدة للإسلام تفسح المجال للنظر في أبرز المسائل المتعلقة بالإسلام في فرنسا، من ذلك بناء وتحسين أماكن العبادة، إضافة إلى تكوين الأئمة.

ماكرون يعتبر أن حرية الدين تكمن أيضًا في ممارسته في ظروف لائقة، ولتحقيق ذلك، يقترح إنشاء اتحاد فرنسي يجمع المنظمات الثقافية المحلية التي وقع تأسيسها في الإطار المحدد من قبل قانون 1905.

منظمات أشار المرشح أنها ستوفر، عن طريق التبرعات التي تحصل عليها، التمويلات اللازمة لتجديد وبناء المساجد وتكوين الأئمة، في تمشي يتطلع من ورائه إلى تشجيع انخراط الأجيال الجديدة من مسلمي فرنسا، من إدارة الإسلام في هذا البلد.

لوبان والإسلام.. عداء تعدّله المعركة الانتخابية

العداء الذي تناصبه مرشحة "الجبهة الوطنية" الفرنسي للإسلام لم تخمد وتيرته، رغم أنه لطالما كان من بين الأسباب التي خصمت من الرصيد الانتخابي للحزب في الاستحقاقات الكبرى.

وعمومًا، تستند المرشحة في ما يتعلق بالإسلام إلى نقطتين محوريتين، وهما:

رسالة خاصة لمسلمي فرنسا

لوبان المعروفة بتبنيها لمواقف منادية بالانعزالية السياسية والقومية الاقتصادية، تعتبر أن المسلمين يشكّلون خطرًا على الهوية الفرنسية تمامًا كالمهاجرين، ولذلك تعهدت في حال وصولها إلى الإليزيه، بالحد من دخول اللاجئين إلى بلادها بمعدل 10 آلاف إلى 20 ألف سنويًا.

ومع حصول المرشحة على المركز الثاني بالجولة الأولى للرئاسية، تدعمت ثقتها في حظوظها، كما لم تغفل تمرير رسائلها المعادية للمسلمين، وإن كان هذه المرة من خلال صورتها على "الأفيش" الترويجي لحملتها الإنتخابية للدور الثاني للرئاسية.

أحد أعضاء فريق لوبان، قال إن صورة المرشحة التي ظهرت في الأفيش الترويجي للدور الثاني، مرتدية تنورة قصيرة تظهر جزءًا من أعلى فخذها، "يعكس موقفًا ورسالة ذات صلة بالإسلام" وباللباس الإسلامي خصوصًا.

صورة يرى مراقبون أنها أثلجت صدور أنصار المرشحة الرئاسية ممن يفضلون، في الغالب، التلويح بلحم الخنزير في المحلات التجارية الكبرى لإخافة المسلمين، معتبرين أن لوبان عدّلت من حدة استهدافها للمسلمين في هذه الصورة لأنه كان يمكن توقّع الأسوأ.

تعديل تكتيكي

إدراكًا منها بالمخاوف التي يثيرها حزبها في نفوس عدد كبير من الفرنسيين، بدأت لوبان بتعديل الصورة النمطية لحزبها، وبإضفاء تغييرات شكلية على سياسته المعادية للإسلام وللمهاجرين.

جان مسيحة، أحد أبرز مستشاري المرشحة، أكّد النهج التعديلي الذي تتوخاه الأخيرة، من خلال تطرقها في لقاءاتها وتنقلاتها، وبشكل دائم، خلافًا للسابق، لمؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، الجنرال شارل ديغول.

غير أن هذا التعديل التكتيكي الذي تتبناه لوبان سعيًا وراء استقطاب ناخبي اليمين ووسط اليمين لم يفلح، وفق مراقبين، في الحدّ من عدائها لمسلمي البلاد، وهو ما دفع – من بين أسباب أخرى- باتحاد المنظمات الإسلامية لمسلمي فرنسا، إلى الاصطفاف وراء ماكرون في الجولة الثانية للاقتراع.

وقدّر فينسينت غيسر، الأستاذ الجامعي بمعهد الدراسات السياسية في إكس أون بروفانس بفرنسا، أن المسلمين يشكّلون في بلاده رصيدًا انتخابيًا بـ 2 مليون شخص، أي ما يعادل 5 % من مجموع الناخبين.

وبحسب مركز "بيو للأبحاث" الأميركي، يقدر مسلمو فرنسا بنحو 5 ملايين شخص، أي ما يعادل نحو 7.5% من إجمالي سكان البلاد المقدر عددهم بـ 66 مليون و991 ألف نسمة.

(ارم)