تنكفئ مجموعات كبيرة من سرايا المقاومة عن المشهد، في الساحل الجنوبي، بعد سنوات من بنائها للقبض على الطريق الممتد من دوحة عرمون إلى جنوب صيدا، مروراً بالسعديات ووادي الزينة. الجديد ليس هنا، بل في أسباب هذا "التفكك"، الذي يقول عنه مسؤول إحدى المجموعات، لـ"المدن"، إنه "ليس نتاج الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، ولا ثمرة عمل القوى الأمنية، إنما جاء لخلافات جوهرية بين الحزب وهذه المجموعات".

تعتبر سرايا المقاومة ميليشيا مسلحة تتمتع بحضور عابر للمناطق ذات الأغلبية السنية. لكنها لم تحظ طوال سنوات بـ"الشرعية". فأوساط السنّة ينظرون إليها كمجموعة مسلحة دخيلة على بيئتهم تهدف إلى العبث بأمنهم عندما تحين ضرورات مشروع صانعها. وحزب الله، في الطرف الشيعي، يعلم أن عنواني المقاومة ومحاربة التكفيريين لا يصلحان غطاءً لسلاح الزواريب، بل إن طرح شرعنته تحت أيٍ منهما يشكل عبئاً على مشروعية السلاح الأصلي. وإلا فلماذا يخجل الحزب من إصدار بيان واحد يتبنى فيه ممارسات السرايا الميليشياوية؟ 

هكذا، بقي الالتباس قائماً في الغطاء الذي يوفره حزب الله لتلك الميليشيا ومهماتها. فهي، وفق أحد قادتها المنكفئين، ليست جزءاً عضوياً من جيش حزب الله. حتى أن الدورات العسكرية التي حظي بها أفراد السرايا لم تكن قاسية بهدف بناء جيش مجهز ومدرب. مهمتهم أصغر، وهي أن يكون في كل قرية أو زاروب إشكال جاهز للتفجير بين عائلتين أو شارعين، ما يمكن حزب الله من اختراق أمن بيئة معارضة له سياسياً، من دون أن يدخل بجيشه في معركة قد تأخذ أبعاداً مذهبية. هكذا، وعلى مدى سنوات، لم يبق "باحث عن وظيفة" في قرى إقليم الخروب والساحل الجنوبي وشوارع بيروت وبلدات البقاع إلا وتحوّل إلى عنصر في السرايا، يحظى براتب شهري وقطعة سلاح. عناصر السرايا يتباهون بحمل السلاح، والنافذون فيها لا يتحركون إلا بموكب من المسلحين وسيارات الدفع الرباعي. هذا عدا التباهي بقدرتهم على فك حبل المشنقة عن أي موقوف لدى الأجهزة الأمنية.

عوامل كثيرة أسهمت في انتشار سرايا المقاومة داخل البيئة السنية، منها "المعاشات" للعاطلين عن العمل في ظل غياب خدمات تيار المستقبل والقوى السنية السياسية، ومنها سعي البعض إلى النفوذ في هذه القرية وذاك الشارع، إضافة إلى الساعين لتسوية أوضاعهم القضائية بتهم حمل السلاح، وغيرها. لكن عوامل جذب الأعضاء إلى السرايا قد تتحول إلى عوامل ابتعاد في ما لو غابت الحوافز السالفة. يقول مسؤول إحدى المجموعات، التي يزيد عديدها عن 150 عنصراً، إن "حزب الله لم يدفع رواتب كثير من العناصر منذ أكثر من عام. ما أدى إلى حالة تململ داخل المجموعات". 

وفي موقف أحدث شرخاً بين الحزب وإحدى المجموعات الكبيرة في دوحة عرمون، استدعت القوى الأمنية قائد مجموعة للتحقيق معه على خلفية اشكال أمني وقع أخيراً في المنطقة. وحين حاول هذا "القائد" التواصل مع الحزب، تفاجأ بأنه لم يحظ بالحماية. فما كان من مسؤول في حزب الله إلا أن أجابه بالقول: "ما بدنا مشاكل هلق، منحل الموضوع بعدين". حادثة بسيطة من حوادث مماثلة كثيرة زادت من حالة التململ داخل المجموعات، وأدت في النهاية إلى تفكك مجموعتين من نحو 300 عنصر في دوحة عرمون.

أما في وادي الزينة، حيث التجمع الأكبر للاجئين الفلسطينيين في قضاء الشوف، فالتفكك أخذ أبعاداً سياسية إلى جانب الأسباب المادية. وعلمت "المدن" أن الفصائل الفلسطينية داخل المنطقة، وبجهد من حركة فتح، عملت على تفكيك مجموعة كبيرة للسرايا كي يبقى القرار الفلسطيني داخليّاً، خصوصاً بعدما شهدت المخيمات خروقاً لمجموعات غريبة عنها تهدد أمنها.

السعديات ليست بعيدة من هذه الأجواء. فالبلدة الساحلية التي عاشت قبل عام اشتباكات عنيفة بين السرايا والأهالي، تشهد مجموعات السرايا فيها حالة تمرد شبيهة بحالة المجموعات في دوحة عرمون. يقول قائد إحدى المجموعات فيها إن "الشح في المال وقطع السلاح أحدثا تمرداً بين العناصر". إضافة إلى تخلي قيادة الحزب عمّن يُستدعى من العناصر إلى التحقيق بحجة أنه "موضوع شخصي ما خصنا فيه".

من غير المؤكد حتى اللحظة إن كان هذا "التفكك" نهائياً أم أن حزب الله سيعيد ترتيب صفوف السرايا، إذا خرج من أزماته المادية وعادت الأولوية لاستخدام هذه الميليشيا في الحسابات الداخلية. لكن المؤكد، وفق مصادر، أن ما فشل به تيار المستقبل على طاولة الحوار قد تأتي ثماره حين يخفض الحرس الثوري ميزانيته الخارجية. والأكيد أن الحزب بات يعلم أن هذه العناصر لم تنخرط في صفوف سراياه إلا طمعاً بالمال والنفوذ. 

 

علي رباح