تحت عنوان "كم "نور" سيُطفئ إغتصاب القاصرات "المُشرَّع"؟" كتبت راكيل عتيق في صحيفة "الجمهورية": "الجمهورية اللبنانية، «دولة القانون»، لم تحدّد لغاية اليوم عبر قانون واحدٍ مُوحّد سن الزواج بالـ18 عاماً. في العام 2017 ما زالت قوانين الأحوال الشخصية المتعددة بعدد الطوائف في لبنان هي التي تُحدّد سن الزواج، الذي يقلّ عن سن الـ18 فيها كلّها. تزويج الفتاة القاصر ليس سوى تشريع لاغتصابها. هكذا اغتُصِبت نور وأُطفئ نور عينيها وطفولتها، نور براءتها وضحكتها، نور طموحاتها وآمالها وأحلامها.المخرج خليل زعرور أرانا في فيلم "نور" مدى فظاعة هذا الاغتصاب "المُشرعَن"، الذي يبقى جريمة. الدمع والغضب والتأثر، ردود فعل، سبقت الفعل الحيواني. حتّى في فيلمٍ من الصعب تصديق أنّ الفتاة التي "تتمرجَح" بين حبال حرية الطفولة وأحلام المستقبل، ستُحوّلها أرجوحة الحياة إلى امرأة جسدياً، وتُقدّم طهارتها دماءً تروي "شهيّة" وحش.

يتناول فيلم "نور" الدرامي الرومنسي للمخرج خليل زعرور الذي تعاون في كتابته مع إليسا أيوب، قصة فتاة تدعى نور، تُجبَر على الزواج، وهي في الخامسة عشرة من عمرها، من رجلٍ يكبرها سناً، فتتحوّل بهجة أيّام الصيف وأحلام الحب والفرح إلى سجن خانق وأعمال منزليّة، وتعنيف لفظي وجسدي من "رجل الأحلام".

والفيلم الذي يُعرض حالياً في صالات السينما اللبنانية هو من إنتاج خليل دريفوس زعرور وإخراجه، ومن بطولة جوليا قصّار، مع عايدة صبرا وإيفون معلوف ونيبال عرقجي، إضافة إلى فانيسا أيوب (نور) في دورها الأول.

إختار زعرور أن يدخل في تفاصيل حياة نور قبل وقوع الجريمة بحقّها، فيأخذنا إلى عالم المُراهقة في إحدى ضيَع لبنان الجميلة، عالم من طمأنينة وسلام وبراءة. هذه الزاوية التي انطلق منها الفيلم وغرق في تفاصيلها تؤثّر في المُشاهد وتلعب على عواطفه بشكل مباشر، فتُريه الجمال مقابل البشاعة المُنتظرة. تصدمه بالفعل قبل حدوثه. تُسيل دموعه قبل الوصول إلى نقطة التحوّل.

يضيء الفيلم على الجَهل الذي هو السبب الأساس الذي يجعل الأهل يُقدّمون فتاتهم الصغيرة هديّة لـ"رجّال استحلى" مُقابل حياة جميلة مُفترضة. فبالنسبة للجاهل الحياة الجميلة هي المأكل والملبَس والزواج من "رجّال مرتّب". وحش ولكن من عائلة غنيّة إقطاعيّة. "يصِحِّلّك".

الوالدة (جوليا قصّار) وابنها، كلّ بطريقته، يفرض على نور أن تتزوّج لتموت وأن تلبس الأبيض لترتدي روحها الحداد مدى العمر.

كاهن الضيعة "لا حيلة في يده"، فالفتاة موافقة وأهلها موافقون. حبيبها الصغير وسيم ورفاق الضيعة والمدرسة، ما بوسعهم إلّا الحزن. أطفال تُسرق من مجموعتهم رفيقة العرزال والسباحة في النهر ولعب الورق والتراشق بالمياه... رفيقة المتعة البريئة ولذة الطفولة".

والدة العريس (ايفون معلوف) السيدة الإقطاعية ستّ ستات الضيعة تقبل بتزويج ابنها من ابنة عائلة أقلّ مستوى منهم، كي يبقى إلى جانبها ولا يسافر مجدداً إلى أوستراليا، وهذه المرّة من دون عودة. مدبّرة المنزل (عايدة صبرا) تستغلّ ثقة الطفلة لتقضي على نفَسَها الأخير بِكشفها بـ»الجرم المشهود» أمام الزوج المُعنّف. الجرم هو خلع لباس «النسوان» وعيش الطفولة.

يؤدّي المخرج خليل زعرور دور الزوج في فيلم «نور». ونجح بتأدية الدور كما نجح بعدم إعطاء مجالٍ لقصّة هذا «الوحش» في الفيلم. الأسباب غير مُهمّة هنا. إنسان-وحش «اشتهى» طفلة لا يُمكن إلّا أن يكون مُعنِّفاً وقاسياً. الفيلم مُسخَّر لنور. لتبيان تداعيات هذه الجريمة على الطفلة وعلى الأطفال بشكلٍ عام. توعية هادفة قاسية بفائض البراءة الذي تُظهره لنا.

الممثلون جميعاً مُقنعون بأدوارهم، حتى الأولاد منهم. «نور» فيلم قاسٍ يخنق المُشاهد، ولكنّه ليس أقصى من الفعل الذي يحصل حقيقة في زمننا. ويبقى الفيلم «نور» كي لا يُخنق الصوت وكي لا تُخنق فتيات قاصرات أخريات وكي لا يُخنق القانون ويُخنق المستقبل.