مؤشرات كثيرة على انطلاق مرحلة جديدة من الصراع الإيراني الأميركي الشرس على عراق ما بعد داعش، ستكون طهران خلالها بأمسّ الحاجة لـحرّاس ثقات يحمون نفوذها مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يتوقّع أن تُسخَّر قوّةُ الحشد الشعبي لإعادته إلى رأس هرم السلطة خلفا لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي يثير تواصله مع إدارة ترامب ريبة القيادة الإيرانية.
 

 أعطى هجوم هادي العامري قائد منظمة بدر، إحدى أقوى المليشيات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي بالعراق على حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي ووصفه لها بـ”الضعيفة” مؤشرا على شروع الميلشيات في حملة لإضعاف العبادي وتهيئة الطريق أمام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي للعودة إلى رئاسة الوزراء، كونه موضع ثقة إيران خلال مرحلة جديدة من الصراع تلوح صعبة مع توجّه أميركي واضح نحو القطع مع مرحلة الانسحاب من الساحة العراقية وإفساح المجال لإيران للتفرّد بها.

ووجّه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون انتقادات شديدة لإيران مؤكّدا تغيير سياسة “الصبر الاستراتيجي” عليها، ما يعني أن المنطقة مقبلة خلال المرحلة القادمة على حلقة أشدّ من الصراع بين واشنطن وطهران سيكون العراق ميدانا رئيسيا لها، ما سيدفع إيران إلى إعادة توظيف أتباعها الأكثر موثوقية ومن بينهم المالكي الذي تخلت عنه في وقت سابق بالتوافق مع إدارة أوباما، ما حرمه من ولاية ثالثة على رأس الحكومة.

وعلى إثر الزيارة التي أجراها صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر إلى العراق، غيرت إيران بشكل واضح بوصلة سياستها باتجاه إعادة تنشيط دور المالكي عبر دعمها لترشحه لرئاسة الوزراء في الانتخابات العامة المزمع إجراؤها بداية 2018، حسب ما ذكر أحد قادة ائتلاف دولة القانون.

ونقلت وكالة الأناضول عن القيادي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه القول إن “المالكي يمتلك علاقة قوية مع أغلب قادة الحشد الشعبي، وهذا يعطيه قوة ضغط كبيرة ومؤثرة على المشهد السياسي والأمني للبلد ويؤهله للعودة إلى الحكم مستندا إلى هذا الدعم”.

ومن جهته يحاول العبادي تحجيم نفوذ الحشد الشعبي وتطويقه، وأصدر لهذا الغرض أمرا يقضي بزيادة رواتب عناصر الحشد ابتداء من مايو المقبل.

وأكّد القيادي بدولة القانون أن المالكي “يحظى بدعم غير محدود من قبل إيران، ذات التأثير الإقليمي الأقوى في العراق. فقد أشاد مرشد إيران علي خامنئي بدور زعيم حزب الدعوة في العراق خلال لقاءات عدة تمت بين الطرفين في مناسبات مختلفة، وهو ما لم يحظ به العبادي إطلاقا”.

وكشف ضابط كبير في وزارة الداخلية العراقية عن “قيام المالكي، طيلة فترتي رئاسته للحكومة بين سنتي 2006 و2014 بمنح المئات من الضباط الصغار في الوزارة رتبا عالية لقاء ضمان ولائهم له، ومنع تنامي أي نفوذ مضاد في مفاصل الوزارة ومديرياتها”.

ولفت الضابط إلى أن “وزارة الداخلية تشهد انقساما حادا في الولاءات بين موالين لإيران، وهم ضباط ومنتسبون مقربون من المالكي، ومن الوزير السابق محمد سالم الغبان، والحالي قاسم الأعرجي اللذين ينتميان إلى منظمة بدر، وبين آخرين من أتباع التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر. بينما لا يوجد موالون للعبادي وحكومته”، ما يجعل كفة المالكي الأرجح.

قيادي بدولة القانون: طهران حسمت قرارها بالرهان على المالكي بعد زيارة كوشنر مستشار ترامب الأخيرة لبغداد
ويرى أستاذ القانون الدولي في كلية القانون بالجامعة المستنصرية ضياء كريم أن “العبادي يتمتع بعلاقات قوية ودعم مميز من قبل الولايات المتحدة التي ساهمت بقوة في إعادة سيطرة حكومته على الأراضي التي سبق أن سقطت بيد تنظيم داعش”.

وقال كريم “تجاهلت واشنطن الطلبات المتكررة من قبل المالكي لمساعدته في ردع داعش ومنع بسط سيطرته على الأراضي العراقية خلال عام 2014. كما أنها لم تستعجل تقديم الدعم للعراق بعد سقوط ثلث أراضيه بيد التنظيم إلى حين انسحاب المالكي من الحكم، وهو ما يثبت أن الولايات المتحدة لا تريد تقديم الدعم للعراق بزعامة المالكي”.

وأضاف “تكللت العلاقات الأميركية العراقية بزيارة كبير مستشاري دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر إلى العراق ولقائه بالعبادي، وبحسب معلومات تداولتها وسائل إعلام عربية وأجنبية فإن كوشنر قدم للعبادي قائمة بأسماء المئات من الضباط في وزارتي الداخلية والدفاع على علاقة بإيران، وهم يشكلون منظومة شبيهة بالكيان الموازي داخل الدولة العراقية، وهؤلاء يهددون بتقويض مؤسسات العراق، وتعزيز فرص ظهور الإرهاب مرة أخرى”.

كما قدم المستشار الأميركي، حسب كريم، “قائمة للعبادي تضم أسماء لمدراء عامين يعملون في مؤسسات الدولة، وطلب منه إحالتهم على التقاعد بعد ثبوت علاقتهم مع قيادات الحشد الشعبي وتنسيقهم مع إيران”.

وبيّن أن “نسبة مصداقية هذه المعلومات عالية في ظل تنامي قوة قادة الحشد الشعبي في الشارع العراقي، وتبجحهم بأنهم يوالون إيران وليس العراق، ويأتمرون بأوامر مرشد إيران خامنئي وليس القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي”.

ووصف أستاذ العلوم السياسية “الحشد الشعبي وقادته بالقوة غير المنضبطة التي تقوض عمل الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة الرسمية بعد فرض هيمنتها على هذه المؤسسات عبر تغلغل عناصر الحشد في جميع وزارات الدولة العراقية بطلب من إيران”.

ولم يستبعد أن “تكون هناك قائمة بأسماء شخصيات مطلوب اغتيالها بإيعاز من إيران في العراق، خاصة في ظل استمرار عمليات القتل اليومي التي تشهدها البلاد ووجود إمكانية إهمال التحقيقات في وزارة الداخلية عبر ضباط ومنتسبين موالين لها”.

وأشار إلى أن “الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أعلن في وقت سابق عن وجود مخطط خارجي لاغتياله”.

وتسلم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي منصبه في 2014. وبُنيت آمال كبيرة عليه في تشكيل حكومة مكونة من سياسيين شيعة وسنة وأكراد في مناصب رئيسية بالبلد المنقسم على أساس طائفي.

ووضعت أمام حكومة العبادي عقبات سواء من جانب رئيس الوزراء السابق المالكي أو الأحزاب السياسية المعروفة بموالاتها لإيران أو هيئة الحشد الشعبي التي تشكلت لمواجهة تنظيم داعش بناء على فتوى دينية من علي السيستاني أعلى مرجع شيعي في العراق.